بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012

الحيـاء

الحيـاء


من الأخلاق الرفيعة التى أمر بها الإسلام وأقرها ورغب فيها الحياء، والحياء صفة من صفات الله عز وجل ففى الحديث الصحيح (إن الله عز وجل حيى ستير يحب الحياء والستر) رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائى.

والحياء صفة من صفات الأنبياء فقد وصف النبى صلى الله عليه وسلم سيدنا موسى (إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً، لا يرى من جلده شئ استحياء منه)، وكان القدوة والمثل الأعلى فى الحياء عن أبى سعيد الخدرى قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء فى خدرها فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه فى وجهه.

وقد كانت العذارى مضرب المثل فى الحياء ففى قصة سيدنا موسى عليه السلام حين ورد ماء مدين فقال تعالى ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِى عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ القصص 25، ﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِى يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ﴾ القصص 25، لَنَا قال ابن كثير: وهذا تأدب فى العبارة، لم تطلبه طلباً مطلقاً لئلا يوهم ريبة، أى: ليثيبك ويكافئك على سقيك لغنمنا، فكان جزاء الحياء أن أختارها الله زوجة لسيدنا موسى.

أما عن حياء الصحابة فقد كان سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال يوماً وهو يخطب: أيها الناس استحيوا من الله، فوالله ما خرجت لحاجة منذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أريد الغائط إلا وأنا مقنع رأسى حياء من الله.

وها هو سيدنا عثمان رضي الله عنه الذى قال فيه صلى الله عليه وسلم (ألا استحى من رجل تستحى منه الملائكة) رواه مسلم.

 إن خُلق الحياء إذا اكتمل اكتملت باقى شعب الإيمان، فقد قال صلى الله عليه وسلم (الحياء والإيمان قُرِناً جميعاً، فإذا رُفع أحدهما رُفعَ الآخر) رواه الحاكم.

والسر فى كون الحياء من الإيمان: أن كلاً منهما دافع إلى الخير صارف عن الشر مبعدٌ عنه؛ فالإيمان يبعث المؤمن على فعل الطاعات وترك المعاصى والمنكرات، والحياء يمنع صاحبه من التفريط فى حق الرب والتقصير فى شكره، ويمنع صاحبه كذلك من فعل القبيح أو قوله اتقاء الذم والملامة.

وفى الصحيحين: أن النبى صلى الله عليه وسلم مر على رجل يعظ أخاه فى الحياء أى يعاتبه؛ لأنه أضر به فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم (دعه فإن الحياء من الإيمان)، فقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك الرجل أن يترك أخاه ويبقيه على حيائه ولو منع صاحبه من استيفاء حقوقه؛ إذ ضياع حقوق المرء خير له من أن يفقد حياءه الذى هو من إيمانه وميزة إنسانيته وخيريته.

فالحياء من الله يكون باتباع الأوامر واجتناب النواهى، وفى الحديث الذى رواه الصحابى الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (استحيوا من الله حق الحياء)، قال: قلنا يارسول الله، إنا نستحى والحمد لله، قال (ليس ذلك، ولكن من استحى من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، وليحفظ البطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء).

إن الحياء من الله يكون باتباع أوامر الله واجتناب نواهيه ومراقبة الله فى السر والعلن، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (استحى من الله تعالى كما تستحى من الرجل الصالح من قومك)، عن أبى هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (اللهم لا تدركنى أو لا أدرك زمان قوم لا يتبعون العليم ولا يسحيون من الحليم قوم قلوبهم الأعاجم وألسنتهم ألسنة العرب) أخرجه البخارى ومسلم والترمذى.

ومن حكايات التابعين: يحكى أن الجنيد كان جالساً مع رويم والجريرى وابن عطاء فقال الجنيد: ما نجا من نجا إلا بصدق الملجأ قال الله عز وجل ﴿وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ﴾ التوبة 118، وقال رويم: ما نجا من نجا إلا بصدق التقى قال الله تعالى ﴿وَيُنَجِّى اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ﴾ الزمر 61، قال الجريرى: ما نجا من نجا إلا بمراعاة حق الوفاء قال الله عز وجل ﴿الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ﴾ الرعد 20،

وقال ابن عطاء: ما نجا من نجا إلا بتحقيق الحياء قال الله عز وجل ﴿أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى﴾ العلق 14، سُئل الجنيد عن الحياء فقال: رؤية الآلاء ورؤية التقصير فيتولد من إن كنت حراً كريماً عبداً شكوراً فكيف وقد حذرك.

نسأل الله العزيز القدير ذا العرش المجيد أن يعصمنا من قبائحنا، وأن يستر عوراتنا ويغفر زلاتنا ويقينا شرور أنفسنا وشر الشيطان وشركه؛ اللهم إنا نعوذ بك من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن؛ سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.



ليست هناك تعليقات: