بحث هذه المدونة الإلكترونية

الثلاثاء، 25 ديسمبر 2012

الرميساء

الرميساء


هى أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الانصارية وهى أم أنس بن مالك خادم الرسول صلى الله عليه وسلم ، واشتهرت بكنيتها واختلف فى اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل رميصة وقيل مليكة وقيل الغميصاء أو الرميصاء.

كانت أم سليم من أول المسارعات الى الاسلام فلامس الايمان قلبها وأحبته حبا شديدا ملأ عليها قلبها وجوارحها وكان زوجها "مالك بن النضر" أبو أنس غائبا فلما جاء وعلم بإسلامها غضب غضبا شديدا وطلب منها أن تترك دينها وتتمسك بدين الاجداد فأبت بكل شدة.

بدأت تلقن أنس ابنها قل: لا إله إلا الله قل :أشهد أن محمدا رسول الله ففعل فيقول لها أبوه: لا تفسدى على ابنى، فتقول: لا أفسده. ولما سمع مالك زوجته تردد بعزيمة أقوى من الصخر: شهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، خرج من البيت غاضبا فلقيه عدوا له فقتله ولما علمت أم سليم احتسبت وقالت: لا جرم لا أفطم أنسا حتى يدع الثدى ولا أتزوج حتى يأمرنى أنس هكذا خرج أنس من بيت يشع منه عطر التوحيد والايمان.

كانت أم سليم تلقن أنس الشهادتين وتعلمه بل وتغرس فيه محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم قبل أن يراه وتمنت ان لو كان كبيرا لسافر إلى النبى صلى الله عليه وسلم ليراه ويلازمه وما هى إلا فترة يسيرة واذن للنبى بالهجرة إلى المدينة وما أن علم أنس وكل من فى أهل يثرب-المدينة-بذلك حتى امتلات قلوبهم فرحا وسعادة وسرورا بقدوم الحبيب فكانوا يخرجون كل يوم لاستقباله فاذا حان وقت الغروب كانوا يعودون والحزن يملأ قلوبهم وفى اليوم الموعود وصل الى مسامعهم أن النبى صلى الله عليه وسلم على مشارف المدينة فامتلات شوارع المدينة كلها بالرجال والنساء والاطفال... الكل يريد أن يرى خير مخلوق عرفته البشرية كلها.

وما ان استقر النبى صلى الله عليه وسلم فى المدينة حتى جاءته أم سليم رضى الله عنها ومعها سيدنا أنس بن مالك فقالت له:يا رسول الله هذا أنيس ابنى اتيتك به يخدمك فادع الله له. فقال (اللهم أكثر ماله وولده).

قال أنس فوالله ان مالى لكثير وان ولدى وولد ولدى يتعادون على نحو مائة وياله من فخر أن يكون الانسان خادما للحبيب ليكون ملازما له يتعلم من اخلاقه وهديه وشمائله المباركة فهذا والله هو فخر الدنيا وشرف الآخرة. ولقد رأى أنس من اخلاق الرسول العذبة الكثير والكثير.

كان لأم سليم منزله عالية فكان يزورها كثيرا ويدعو لها ولإبنها أنس رضي الله عنهم ، عن أنس قال :كان الرسول صلى الله عليه وسلم اذا مر بجنبات أم سليم دخل فسلم عليها، وعن أنس قال: كان النبى صلى الله عليه وسلم يدخل عليها فقيل له فى ذلك فقال (انى ارحمها قتل اخوها معى( ومن الجدير بالذكر ان اخاها الذى عناه الرسول هو حرام بن ملحان شهيد بدر وقتل شهيدا يوم معونة سنة اربعة من الهجرة وهو قائل العبارة الشهيرة "فزت ورب الكعبة" وذلك لما طعن من ورائه فطلعت الحربة من صدره رضي الله عنه وارضاه.

لناس يتكلمون عن انس بن مالك وأمه باعجاب وتقدير ويسمع ابو طلحة بالخبر فيهفو قلبه بالحب والاعجاب فتقدم للزواج منها وعرض عليها مهرا غاليا الا ان المفاجاة اذهلته وعقلت لسانه عندما رفضت أم سليم بكل عزة وكبرياء وهى تقول "انه لا ينبغى ان اتزوج مشركا أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتك ينحتها عبد آل فلان وانكم لو اشعلتم فيها نارا لاحترقت" فاحس ابو طلحة بالضيق الشديد ومضى ولم يصدق ما سمع ولكن حبه الصادق جعله يعود فى اليوم التالى يمنيها بمهر اكبر عساها تلين وتقبل، ولكن أم سليم الداعية الذكية التى ترى الدنيا تتراقص أمام أعينها حيث المال والجاه والشباب تشعر بأن قلعة الاسلام فى قلبها أقوى من كل شىء فقالت بأدب جم "ما مثلك يرد يا أبا طلحة ولكنك امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لها أن تتزوجك" فقال: ماذاك دهرك. قالت: وما دهرى؟ قال: الصفراء والبيضاء -أى الذهب والفضة- قالت: انى لا أريد صفراء ولا بيضاء أريد منك الاسلام، قال: فمن لى بذلك قالت: رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق يريد النبى صلى الله عليه وسلم وهو جالس بين اصحابه فلما رآه قال (جاءكم أبو طلحة غرة الاسلام فى عينيه) فجاء فاخبر النبى صلى الله عليه وسلم بما قالته أم سليم فتزوجها على ذلك، فالتفتت أم سليم الى ابنها انس وهى تقول بسعادة بالغة أن هدى الله على يديها أبا طلحة: قم يا انس فزوج أبا طلحة فزوجها وكان صداقها الاسلام.

رزق أبى طلحة وأم سليم بطفل أحبه أبو طلحه كثيرا وكنوه (أبو عمير) مرض الغلام والح عليه المرض وحزن عليه أبوه وكان يغدو ويروح عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفى إحدى روحاته إلى النبى مات الغلام فما فعلت الرميساء؟

هيأت أمر الصبى فغسلته وكفنته وحنطته وسجت عليه ثوبا وأرسلت أحدا إلى أبو طلحه وقالت له ألا يخبره شيئا وعندما أتى سألها عن حال الغلام فقالت "قد هدأت نفسه أرجو أن يكون استراح" فظن انه عوفى فلم أصبح أراد أن يخرج قالت "يا أبا طلحه أرأيت لو أن قوما أعاروا أهل بيت عارية فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوها"؟ قال "ليس لهم ذلك إن العارية مؤداه إلى أهلها" فلما سمعت منه هذا الكلام قالت "إن الله أعارنا ابننا فلانا فأخذه فاحتسبه عند الله". فقال "إنا لله وانا إليه راجعون".

رضى الله عنها تلك التى سطرت على جبين التاريخ سطور من نور بسيرتها العطرة التى ملات ارجاء الكون فسلام على الرميساء التى ستظل قصتها نورا على الدرب تضىء لكل أمرأة طريقها الى الله.



ليست هناك تعليقات: