بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 20 سبتمبر 2014

كتاب عابد الله أزرق - الخاتمة



خاتمة:
      إن الإنسان الذي بدأ يحس بوطأة الحياة المادية المفرطة، وحالات الفوضى على حساب القيم والمعايير الاجتماعية النبيلة، و مجموعة الأعراف، والروابط بين الفرد والمجتمع التي كان يتحلى بها، وأخذته الحياة المادية المعاصرة من حيث لا يدري، فبات فيه الإنسان إلى تحقيق روحانيته، وفي حاجه إلى ما يرضي عقله، ويشبع روحه ويعيد إليه ثقته بنفسه، وطمأنينته التي بدأ يفقدها في زحمة الحياة المادية، وما فيها من أشكال الصراع الفكري، والعقائدي، وبهذا يحقق مع التصوف إنسانيته، فإذا كان انخراط الإنسان في الحياة المادية بشكل كامل، وابتعاده عن الروحية سيفقده كل إنسانيته، ويجعله ينخرط في شرائح للكائنات الأخرى، وهذا ما يمكن تسميته بالتطرف، و هو الأساس في كل المشاكل الإنسانية على وجه الأرض وفي المقابل هناك المغالاة كثيرا في حالات الزهد والتصوف التي قد تكون تطرفا عند ما يصبح هذا التصوف والزهد حالة تقاعس عن العمل وانخراط في عالم الروحانيات ، وهو ليس هروبا من الواقع، ولا انزواء، أو خلوة فحسب، وليس زهدا ولبس الصوف فقط، وإنما هو محاولة للإنسان للتسلح بقيم روحيه جديدة تعينه على مواجهة الحياة المادية، وتحقق له التوازن النفسي حتى يواجه مصاعبها ومشكلاتها، وبهذا يصبح التصوف ايجابيا لا سلبيا، ما دام يربط بين حياة الإنسان ومجتمعه ، ويوازن بين رغباته الروحية والمادية.
        نستطيع أن نقول في خاتمة رسالتنا، هذه، أن الشيخ عبد الله كرّس كل ما تعنيه الحياة الطُرقية لخدمة الفرد، وتحقيق تواصله مع الجماعة. وبالتالي، طلب من مريديه ترجمة العبادة والنظريات الفكرية إلى تعايش واقعي، ينصبّ على التكافل الاجتماعي، وخدمة الجماعة. معتبراً أن إطعام الجوعان، وكسوة العريان يوصلان إلى المقام المحمود.
   وهذا الفكر لم يبق أسير كتب فلسفية أو أشعار وجدانية، بل سعى الشيخ عبد الله إلى تحقيقه على أرض الواقع، من خلال طريقة صوفية قادرية المسار، عركية المنهج، محمدية المشرب. حملها أبناء وخلفاء الشيخ ، وانتشر أتباعها ينشرون المحبة والأخوة والتعاون وعمق المفهوم الديني، في البلاد.
      تمكن الشيخ عبد الله من المحافظة على خطٍ تطبيق متميّز، حتى لا تتحجر الإرادة الصوفية داخل القوالب الجاهزة؛ وبالتالي، حتى ينطلق الفكر الصوفي الخلاق في صياغة الواقع، ضمن معطيات عصره الحاضر، انطلاقاً من المقولة الصوفية "الفقير ابن وقته".
     اختط الشيخ لتلاميذه منهجاً واضحا، وجعل تجربته اليقينية تقوم على أسس ثابتة وصحيحة، تنطلق، أولاً، من قواعد النصوص الدينية، أعني القرآن والحديث، فسار على نهج ابائه فدعوته تحمل ملامح الأصول، وملامح التحديث الذي يتوسع في فهم النص الديني، بالاستناد إلى الباطن، أو الكشف الصوفي (الإلهام). لم  يتجاوز المنهج الذي رسمه الشيخ الجيلانى، والمعتدلون من أتباعه. ونحن إذ لا ننكر، هنا، تجارب توفيقية أخرى،  فإن الشيخ عبد الله، قدم لنا منظومة صوفية ترقى إلى كمال الرؤية.
      إذن، فما يريد الشيخ أن يجمع جهود مريديه للوصول إليه، إنما هو عدم الفصل ما بين الشريعة والحقيقة، وبالتالي ما بين العبادة والفكر، وما بين العمل والتأمل فمفاهيم الوجود تجتمع كلها في الإنسان، والإنسان كله مجموع في القلب. ودور العقيدة: شريعة وحقيقة، هو تصفية هذا القلب، وتحقيق التوازن ما بين الإنسان والوجود؛ الإنسان بشقيه: المادي والروحي، والوجود بشقيه: المشهود والغيبي؛ إذ إن كمال الرؤية المحمدية، وكمال الوراثة المحمدية، يتطلب أن لا يظل هذا الكمال حبيس نظرة روحية مجرّدة، بل هو كمال إسلامي شامل لجميع نواحي الحياة، ترجمته سيرة النبي، صلى الله عليه وسلّم.
     ومن هذا المنطلق، لم يتعامل الشيخ عبد الله مع الشريعة، على أنها مجرد رادع وضابط لتصرفات المتصوف، بقدر ما هي صعود بالمتصوف من دائرة ضيّقة إلى دائرة أوسع، من دائرة (فقه الأحكام) إلى دائرة (إحكام الفقه)، أو من دائرة التعلق بالرسوم إلى دائرة طلب الكنوز التي تحت الرسوم، دون أي فصام بين الدائرتين. فالطريقة القادرية تبنّت خطاً أخلاقياً يوحّد بين الشريعة والحقيقة، بمعنى أن (الشريعة إجمال والحقيقة تفصيل، أو الشريعة استدلال والحقيقة كشف، أو الشريعة غيب والحقيقة شهادة) .
       حين نتعمق في مواقف الشيخ عبد الله من الشريعة، نجده قد تعامل معها بمنظارين: المنظار الأول، باعتبار الشريعة ليست مجرد ظاهر لباطن، بل هي عمق يحتاج إلى أدوات الحقيقة لكشف كنهه. وهو ينظر للشريعة، ضمن هذا الإطار، على أنها تمثل عقلانية الإسلام، كما أن التصوف يمثل روحانيته. ومن خلال المنظار الثاني، تعامل الشيخ مع الشريعة، باعتبارها تمثل الوجه الاجتماعي للطريقة من جانب، كما أنها القاعدة العامة التي تجمع أكبر عدد ممكن من الفئات الاجتماعية، من جانب آخر، لأن الشريعة قوانين اجتماعية وأنظمة اقتصادية ثابتة.
    لقد حقق الشيخ عبد الله، بفكره، وبطريقته القادرية العركية، تلك المعادلة الوسطية، التي ما عاد العقل فيها مواجهاً للنقل، ولا الشريعة مواجهة للحقيقة، ولا الفرد منسلخاً عن الجماعة، ولا الجسد منافياً للروح، ولا الفلسفة الفردية مواجهة للطرقية الجماعية؛ بل تآلفت جميعاً في معادلة واحدة. فقد حاول الشيخ عبد الله – بكل ما أمدّته به تجربته الصوفية؛ وما أمدّه به التراث الصوفي والواقع المعاصر من مُكنات – أن ينظم نسيجاً متآلفاً، متجانساً، في التجربة الصوفية.
       تبيّن حقيقة العلاقة بين الطريقة والشريعة الخطأ الكبير الذي وقع فيه كل من زعم بان الطريقة والشريعة هما نهجان مختلفان .
    فقد ظهر على مر التاريخ افراد وجماعات ادعوا بان نهج الطريقة هو طريق للوصول إلى معرفة الله سبحانه وتعالى من غير الحاجة للالتزام بإقامة فروض الشريعة، وأرادوا بذلك أن يجعلوا هنالك فرقا بين الدين بعبادته التقليدية والطريقة .. كما ظهر من يدعي بأن سلوك نهج الطريقة يمكن أن يصل بالإنسان إلى مرحلة من المعرفة بربه سبحانه وتعالى تسقط عندها فروض الشريعة عنه. الا أن مشايخ الطريقة كانوا على مر الزمان يؤكدون بالقول والفعل بان هذه الدعوات هي انحراف تام عن المعنى الحقيقي للطريقة .
       فعندما سمع الشيخ الجنيد البغدادي رجلا يدّعي بأن (اهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات [يقصد العبادات] من باب البر والتقرب إلى الله استنكر قوله وقال رداً عليه: (أن هذا قول قوما تكلموا بإسقاط الاعمال وهو عندي عظيمة [أي من الذنوب العظيمة]، والذي يسرق ويزني أحسن حالا من الذي يقول هذا، فان العارفين بالله تعالى اخذوا الاعمال عن الله تعالى واليه راجعون فيها ولو بقيت الف عام لم أُنقِصَ من اعمال البر ذرة الا أن يحال بي دونها)[1].. فأصحاب الطريقة ما فارقوا النهج الذي اختطه الرسول  صلى الله عليه وسلّم قال أبو عثمان: (خلاف السنة يا بني في الظاهر علامة رياء في الباطن)[2].
        هنالك وجه اخر للنظر إلى العلاقة بين الشريعة والطريقة انطلاقا من الحديث النبوي الشريف :(الشريعة أقوالي والطريقة أفعالي) . فكون الشريعة هي أقوال الرسول صلى الله عليه وسلّم والطريقة أفعاله فان الشريعة إذاً هي تفسير الطريقة، وبهذا فان الأفعال التي لا تشهد لها الشريعة بالحق هي ليست من أفعال الطريقة، أي ليست من أفعال الرسول صلى الله عليه وسلّم .
      يقول الشيخ ابن عطاء الله السكندري : (من استرسل من اطلاق التوحيد ورأى أن الملك لله وان لا ملك لغيره معه ولم يتقيد بظواهر الشريعة فقد قذف به في بحر الزندقة وعاد حاله بالوبال عليه ، ولكن الشأن أن يكون بالحقيقة مؤيدا وبالشريعة مقيدا ..... الانطلاق مع الحقيقة من غير تقييد بالشريعة تعطيل)[3].
     وصف مشايخ الطريقة سلوك طريق النوافل اللامحدودة من العبادات بما يسمى في مصطلحات الطريقة بـ (العزم) مقارنة بالوقوف عند فروض الشريعة الذي يعرف بـ (الرخصة) . يقول الشيخ عبد القادر الجيلاني: (عليكم بحفظ الصوم والصلوات الخمس في أوقاتها ، وحفظ حدود الشرع جميعها . إذا أديتم الفرض فانتقلوا إلى نفل . عليكم بالعزيمة والأعراض عن بالرخصة)[4]. في الأخذ بها خطر كبير يهدد استمرارية وثبات الإنسان على الصراط المستقيم فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه)[5] ، لذلك حذر أصحاب الطريقة من ترك العزم والأخذ بالرخصة يقول الشيخ عبد القادر: (من لزم الرخصة وترك العزيمة خيف عليه من هلاك دينه ، العزيمة للرجال لأنها ركوب الأخطار والأشق الأدق . الرخصة للصبيان والنسوان لأنها الأسهل)[6]. أن الأخذ بالعزم لا يكون في العبادات المعروفة مثل الصلاة فحسب، ولكن في كل تصرفات وسلوك الإنسان. فالزهد عند اهل العزم ليس زاهدا في المحرمات فقط ولكنه أكثر من ذك بكثير، فهو كما يصفه الشيخ عبد القادر الجيلاني  )الترك للمحرمات، ثم ترك الشبهات [أي ما لا يستطيع الإنسان أن يكون متأكدا من انه مما قد حلل أو حرم] ، ثم ترك المباحات ، ثم ترك الحلال المطلق في جميع الحالات حتى لا يبقى متروك في الجملة)[7]. وكمثال على اختلاف زهد اهل الطريق عن اهل الرخصة يمكن الاستشهاد بقول الشيخ عبد القادر الجيلاني حول الزهد في الطعام (احبس نفسك عن أكل الحرام وأطعمها الحلال الطاهر حتى يزول لحمها الذي تربى على الحرام. وجنبها أكل الحرام ثم جنبها الحلال)[8].
      أن زهد اهل العزم لا يكون في الطعام فقط أو في جوانب معينة من جوانب الحياة دون غيرها ، وإنما وهو سلوك يطول جميع تصرفاتهم وكل دقائق حياتهم. لما سأل رويم الشيخ الجنيد البغدادي عن الزهد أجابه بأنه )استصغار الدنيا ومحو أثارها من القلب)[9].. وينصح الشيخ عبد القادر الجيلاني المريد بالزهد في الطعام قائلا عن النفس: (هي عبد سوء لا تعمل الاشغال الا بالعصا. لا تشبعها الا إذا علمت أن الشبع لا يطغيها وأنها تعمل في مقابل شبعها)[10]، وعلى نفس القياس يـجب على المريد ان لا يأخذ من الحظوظ من حلال الدنيا ألا ما علم أن ما تناول ما كان لينقلب ضده .
   قال تعالى : (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا)[11]، دلت هذه الآية على أن الغاية فى القدرة على الهداية هو الولى المرشد ( الشيخ ) إذ الآية تبين أن الولى المرشد نفسه لا يخرق مراد الله إذا أراد إضلال إنسان ومن ثم نعلم أن الدعوة إلى الله والسير إليه بالطريق المستقيم تكون أكمل ما تكون عندما يضع الإنسان يده بيد الشيخ العارف يكون ذلك أجود ما يكون فى باب الهداية إلى الله وإلى طريقة الرسل عليهم السلام فى الأصل هم الهداة الحقيقيين إلى الله عز وجل فالأولياء المرشدون هم الوراث الكاملون للأنبياء فى باب الدعوة إلى الله عز وجل.
    ومن هنا تتمثل الحاجة إلى التصوف فى أنه لا يتأتى الوصول إلى الله تعالى إلا فى أخذ الطريق ( البيعة ) من شيخ عارف بالله داعياً إليه على بصيرة أى معرفة شرعية وحقيقة ومقتدياً برسول الله صلى الله عليه و سلّم فى أقواله وأفعاله وله التأسى برضاء الله تعالى على الصحابة وعلى التابعين لهم بإحسان بسبب إتباعهم للصحابة الكرام.
         وهنا يجب أن نوضح المقصود بممارسة الشيخ للسياسة، يقول الشيخ عبدالله:(السياسة ليست بدين وانما هى عمل اجتماعى لخير الناس) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ مَنْ أَحْسَنَ إِلَى عِيَالِهِ)[12]، فإذا كانت السياسة تعني الاهتمام بالشأن العام وبما يهم المسلمين فهو يهتم بهذا على نسق ابائه الشيخ يوسف أبوشرا ومناصحاته لملوك الفونج والشيخ احمدالريح حين أجلى القبائل والعربان ومواشيهم الى تخوم أرض الحبشة ولم يعد بهم الا بعد ان حصل على اعفاء الضرائب الباهظة الذى فرضت من قبل الاتراك. والشيخ عبد الباقى فى وقفته أمام مفتشي الإنجليز لرفضه ظلمهم الأهالي ورفضه أن يكون عوناً للمستعمر على أبناء المسلمين. ولكن إذا كان المقصود بها العمل السياسي في الإطار الحزبي فهذا له مؤسساته وهيئاته وقنواته ونذكر فى هذا المقام مساندة الشيخ عبدالباقى للزعيم اسماعيل الازهرى وهو يقود حركة الاستقلال. والطريقة تؤمن بعمل المؤسسات، ونشير هنا الى مبادرة أزرق طيبة لتوحيد الحركة الاتحادية لاسترداد دولة المواطنة وتوطين الديقراطية والحرية والعدالة . إن الشيخ عبد الله أزرق طيبة لم يحمل سلاحاً ضد الدولة ولم يشترك في أي عمل تخريبي ولا يطمح في موقع سيادي أو تنفيذي أو تشريعي، ولكن له رؤاه وعلاقاته الواسعة الممتدة وبهذا فإن له رمزيته، والطريقة لها نهجها الروحي كما يصفها الشيخ عبدالله بقوله:(الطريقة نهج تعبدى يوصل السالك الى ربه)، ولا يمكن أن تتحول إلى حزب أو أي هيئة مماثلة؛ لأن أصولها ومقاصدها مرتبطة بالعمل التربوي والأخلاقي، الذي يساهم مع باقي المكونات المختلفة في بناء الفرد والمجتمع.
      فإن شريعة الله تعالى كاملة، حاوية لكل شؤون الحياة، فلا تجد أمراً من أمور الدنيا التي يحتاجها الناس إلا وجدت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم العلاج الأمثل الناجح الذي يعالج تلك الأمور، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً)[13].
     شريعة الله العظيمة التي تبين الحق من الباطل، والصواب من الخطأ، وتدل على ما ينفع ولا يضر، ومن أجلِّ نعم الله تعالى علينا أن جعل ميزانه بينه وبين عباده هو العدل، وما قامت السماوات والأرض إلا به، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ)[14] وإذا كان الله تعالى يأمر به وجب على الناس أن يطبقوه بينهم، وأن يعملوا على تمكينه في جميع شؤون حياتهم.
    ومن حكمة الله تعالى أن أوجد لعباده طرقاً يسلكونها من أجل إقامة وجوه الحق بينهم، وعندما يخالف البشر أوامره، ويعملوا بما يناقض شريعته نجدهم أوقعوا أنفسهم في حرج عظيم، وظهرت بينهم بوادر الظلم والطغيان، وانتشرت بينهم العداوة والبغضاء.
(يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا..)[15] ، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)[16].
    والإسلام أوجد القواعد الضرورية لحفظ التوازن بين الفرد والمجتمع، والحاكم والمحكوم عن طريق النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تنهى عن الظلم والفساد والغش والاحتكار، وتنهى عن الإفراط والتفريط. وقواعد الشريعة قد جاءت بالعدل والتيسير على الناس، ونفي الحرج والمشقة، ورفع الضرر عنهم.
      الرقعاء السخفاء سبوا الخالق الرازق جل في علاه، وشتموا الواحد الأحد لا إله إلأ هو، فماذا أتوقع أنا وأنت ونحن أهل الحيف والخطأ، إنك سوف تواجه في حياتك حربا! ضروسا لا هوادة فيها من النقد الآثم المر، ومن التحطيم المدروس المقصود، ومن الإهانة المتعمدة مادام أنك تعطي وتبني وتؤثر وتسطع وتلمع، ولن يسكت هؤلاء عنك حتى تتخذ نفقا في الأرض أو سلما في السماء
      يقول الشيخ الجيلاني: ( ... فالعبد إذا كان من المختارين للولاية ، فلا بد له من البلاء ليصفي مابه من خبث الهوي والميل إلي الطباع وشهوات النفس والوقوف من الخلق ، فيبتليه الله حتي يذوب ذلك كله ويخرج من قلبه ولا يبقي غير الله تعالي)[17].
        ولا يجب أن نفهم مطلق الابتلاء علي أنه افساح لظهور حقيقة الولي، فما ذلك إلا احد ضروب الابتلاء الثلاثة التي يعددها الشيخ الجيلاني في (1) الابتلاء عقوبة المعصية (2)الابتلاء تكفيراً وامتحاناً (3) الابتلاء لارتفاع الدرجات وبلوغ المنازل العاليات. هذه الثلاث علامات ، فعلامة ابتلاء العقوبة ( عدم الصبر والشكوي للخلق) أما الابتلاء وعلامة الابتلاء تكفيراً وتمحيصاً ( وجود الصبر من غير شكوي ) أما الابتلاء لارتفاع الدرجات وبلوغ المرتبة فعلامته( الرضا والموافقة لفعل الله) . واستدل بقوله صلى الله عليه وسلّم ( أشد الناس ابتلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل )[18].
     فالابتلاء كيرُ العبد ومحكّ إيمانه: فإمَّا أن يخرج تِبراً أحمر، وإما أن يخرج زَغَلاً محضاً، وإما أن يخرج فيه مادتان ذهبية ونحاسية، فلا يزال به البلاءُ حتى يخرج المادة النحاسية من ذهبه، ويبقى ذهبا خالصا.
    ولنا أسوة حسنة بما لاقى الانبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام فى سبيل الدعوة الى الله )قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)[19].
      اللهم انا نحبك ونحب نبيك وال بيته الاطهار وصحابته الميامين فارزقنا حبك وحبهم.
وصلى الله وسلم عليه وعلى اله وصحبه وسلم.

تم بحمد الله وتوفيقه فى ايوم العاشر من شهر المحرم 1432 هجرية.


المراجع:
1- القرآن الكريم
2- تفسير الجلالين – السيوطى.
3- كتاب الأذكار- الإمام النووي
4- البداية والنهاية في التاريخ - للإمام الحافظ المفسر المؤرخ إسماعيل بن كثير
5- حلية الاولياء وطبقات الاصفياء - أبو نعيم الاصبهانى.
6- مدخل الى التصوف الاسلامى- د. أبو الوفاء.
7- مجلة طيبة / العدد الثاني / ابريل 2003م ص 3
8- كتاب المحبة -  للمحاسبي.
9- بهجة المجالس وأنس المجالس- الامام ابى عمر يوسف القرطبى
10- بلوغ المأمول - الشيخ عيسى الحميري .
11- الشفاء بتعريف حقوق المصطفى-القاضى عياض بن موسى.
12-كتاب الفوائد - للشريف مالك الامين
13-كتاب فيض المنان – الدكتور الشيخ ابوادريس
14- مجالس الشيخ عبدالله الشيخ أحمدالريح الشيخ عبدالباقى.
15- كتب الطبقات – ود ضيف الله.
16-  الحكومة الباطنية- الشرقاوي حسن.
17- (1)الغنية- (2)فتوح الغيب –(3) الفتح الربانى الشيخ عبدالقادر الجيلانى
18- نظرات فى التصوف الاسلامى – الشيخ عبدالمحمود الشيخ الجيلى
19- الرسالة القشيرية- عبدالكريم بن هوازان القشيرى.
20- الاوسط- ابن المنذر.
21- الموطأ- الامام مالك بن أنس.
22- فتح البارى- ابن حجر العسقلانى.
23- أحياء علوم الدين- الغزالى(أبوحامد).
24- الموسوعة اليوسفية فى بيان أدلة الصوفية- يوسف محمد.
25 - التراتيب الادارية- عبد الحى الكتانى.
26- اللمع فى التصوف- السراج الطوسى.
27- بحث شعائر الاسلام- د. أحمد محمد نور.
28- طهارة القلوب والخضوع لعلام الغيوب – الشيخ ضياء الدين عبدالعزيز الدرينى
29- الفتاويه الكبرى -  الشيخ ابن حجر الهيتمي
 30- المعيار (فتاوى فقهاء المغرب)-  الشيخ أحمد بن يحيى المالكي
31- تنبيه الغافلين- الشيخ نصر بن محمد السمرقندى


[1] انظركتاب الجنة فى شرح عقيدة أهل الجنة،للشيخ محمد خليل الخطيب،ص63:60
[2] القشيري- ص 21
[3] السكندري - أ 55
[4] الكيلاني – ص 15
[5] صحيح البخاري رقم 52، الإيمان (1/126
[6] كتاب جلاء الخاطر من  كلام  الشيخ  عبد  القادر  الجيلاني – ص 15
[7] كتاب جلاء الخاطر من  كلام  الشيخ  عبد  القادر  الجيلاني - ص 37
[8] كتاب. جلاء الخاطر من  كلام  الشيخ  عبد  القادر  الجيلاني - ص 38
[9] القشيري - ص 61
[10] جلاء الخاطر من  كلام  الشيخ  عبد  القادر  الجيلاني -  ص39.
[11] سورة الكهف17
[12] المعجم الكبير للطبراني
[13] سورة المائدة:3
[14] سورة النحل:90
[15] رواه مسلم
[16] متفق عليه
[17] انظر كتاب فتوح الغيب المقالة السابعة والعشرون للقطب الرباني الشيخ محي الدين عبدالقادر الجيلاني
[18] رواه الترمذي (2398)
[19] سورة الأحزاب 21

ليست هناك تعليقات: