بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 20 سبتمبر 2014

كتاب عابد الله أزرق طيبة - (1) الفكر الصوفى



 الفصل الاول
مراحل تطور الفكر الصوفى والطريق
        يمثل التصوف الإسلامي[1] ظاهرة عميقة وممتدة ومتعددة المظاهر والتجليات في تاريخنا الفكري وواقعنا الاجتماعي والحضاري، لكننا مع ذلك لا نراها تحتل مكانتها الطبيعية في سلم أولويات البحث العلمي والجهد الثقافي، ويعود هذا إلى أسباب عدة. من أهمها أن الخطاب النهضي الذي أعاد صوغ أولويات الثقافة العربية الإسلامية، كان في معظمة خطاباً علمانياً عقلانياً ينأى بنفسه بعيداً مما سماه البعض خطاباً «أسطورياً عجائبياً»، وهكذا فقد تم القفز من فوق التصوف والمتصوفة على رغم كون التصوف يشكل نسقاً معرفياً اجتماعياً بل وسياسياً مستمراً وفاعلاً .
       عندما ننظر في ثقافتنا  الإسلامية الحديثة والمعاصرة نجد أن التصوف قد تعرض إلى أشد حملات التشويه والتغييب بل وحتى السخرية والازدراء، فهو في فكر النهضة يمثل ثقافة الانحطاط وثقافة ما قبل النهضة، وهو في الدراسات الاجتماعية نمط من أنماط التدين الشعبي، وهو لدى التيارات الإصلاحية السلفية بدعة وضلالة، وهو في الدراسات الأكاديمية نمط أسطوري عجائبي من التفكير مقابل الثقافة العقلانية.
     أما الجهود الرامية لقراءة واقع التصوف اليوم كظاهرة دينية وكحالة اجتماعية، فهي مطالبة برؤية الظاهرة بشمولها، إذ كثيراً ما نرى تركيز الباحثين والمهتمين لا ينصب على ظاهرة التصوف نفسها[2]، بل يتركز على ما يرافق طريق التصوف من ممارسات طقوسية مشبوهة وإبراز لما يدور في فلك التصوف من شعوذات، مع إغفال للجانب المهم في هذه الظاهرة، ألا وهو المخزون الأخلاقي والجهد السلوكي التربوي الكبير الذي تقوم به هذه المؤسسة الدينية الاجتماعية الفكرية الضخمة والتي تساهم عبر جهودها في الحفاظ على التوازن الاجتماعي والأخلاقي لمجتمعنا  المعاصر.
     يمثل التصوف الإسلامي قطاعاً ثريّاً مِن الفكر، إذ إنه عبّر عن مرحلة من مراحل التطور الفكري الذي وصلت إليه العلوم الدينية، في القرون الهجرية الثلاثة الأولى، حين أصبح التصوف لدى العديد من الباحثين والمفكرين هو العمق الروحي للدين الإسلامي، حتى إننا قلّما نجد مفكراً من مفكري الإسلام، خلا فكره مِن هذا العمق الروحي للإسلام.
    وقد تطوّر الفكر الصوفي، ذاته، إثر مخاض وتفاعلاتٍ داخلية، إضافة إلى تمازج الفكرالإسلامي مع الثقافات المجاورة، متجاوزاً مرحلة (الزهد والتقشف) التي بدأ بها، ليتضمن، في (المرحلة الفلسفية) اللاحقة، مفاهيم أخلاقية ومعرفية وكلامية. ثم، لظروفٍ سياسية واجتماعية أخرى، وصل التصوف الإسلامي إلى   (مرحلة الطُرق).
        وقد تكاثف ظهور الطرق الصوفية، فيما بعد، استجابة لتحديات مختلفة، وتحقيقاً لأهداف متنوعة؛ إذ جاءت تلك المرحلة بعد تطور فكري، وتفاعلات وجدانية، أثبتت أن الاجتماع الإنساني، أو العمل الجماعي أمرٌ حتميّ؛ وعمّقت، كذلك، مفهوم التعددية في الاجتهاد، وحق الاختلاف في مناهج السلوك.
      وهكذا، وجد أتباع الطرق الصوفية الحديثة، في العمل الجماعي، تحقيقاً لعدة أهداف، منها :
      مواجهة التمزق والتشرذم الذي كانت المجتمعات الإسلامية تعاني منه.
 
الخروج من دائرة الحوارات الفلسفية والكلامية إلى الدائرة المدرسية التطبيقية للعلوم الصوفية.
        توليد (طرح) جديد يقترب كثيراً من النبض الإنساني، بعد أن وسّع بعض الفلاسفة الهوّة ما بين الفكر والتطبيق، باستغراقهم في المسائل الكلامية والمعرفية، على حساب الجوانب التطبيقية والتربوية، وبعد أن انشغل بعض المتصوفة بالتجارب الفردية وجانب الكرامات [أي التي تهتم بالكرامة، بالدرجة الأولى، كدليل على صدق حال الصوفي.]عن هموم الجماعة والأمّة.
       مقاومة الطغيان الاستعماري العسكري والثقافي على الساحة الإسلامية. إذ فرض ذلك، على التصوف، الدخول في نمط جديد من الجهاد الجماعي الصوفي، بدأ مع الزحف الصليبي في القرن السابع الهجري (13م)، والاستعمار الغربي في القرن الهجري الثالث عشر (19م).[3]
      وعلى الرغم من التفاوت، الذي ظهر فيما بعد، بين المدارس والمناهج الصوفية، فإن مرحلة الطرق، التي أظهرت لنا العديد من الطرق الصوفية، أصبحت مرحلة مميِزة للتصوف الإسلامي، في كافة المناطق التي وُجد فيها.
الطريقة الصوفية
          لم يختلف المعنى الاصطلاحي للفظ (الطريقة) عند الصوفية عن معناه في اللغة، فالطريقة في اللغة هي الأسلوب أو المسلك الذي يوصل إلى المقصود بسهولة ويسر[4]، فمعنى الطريقة في الاصطلاح الصوفي أخص من معناه اللغوي المنهج أو الأسلوب الذي يستنبطه شيخ الطريقة من الكتاب والسنة المطهرة لتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقا كاملا بظاهرها وجوهرها.
      متى ظهرت الطريقة في الإسلام؟ ولماذا ظهرت؟ سؤال تقليدي يتبادر إلى أذهان كثير من الناس. ومن ناحية أخرى فإن البعض الآخر يتساءل: أو كانت الطريقة صحيحة، فلماذا لم يأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا لم يصرح بها وبمناهجها وأساليبها التي تنوعت وتعددت بحسب المشارب والمسالك؟
     الحقيقة ان هناك لبساً شائعاً عند الناس حول هذه المسألة، فهناك فرق كبير بين ظهور مصطلح الطريقة كلفظ دال عليها، وبين وجود الطريقة كحقيقة شرعية إسلامية رافقت ظهور الإسلام من بواكيره الأولى إلى انتقال حضرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم ، وتوريثه علومه وأنواره لخلفائه ونوابه من بعده .
     ذلك يعني ان جوهر العلوم الإسلامية كلها وبضمنها(علم الطريقة) كان موجوداً في عصر الرسالة الأول، ولكنها غير مشهورة بالتسميات التي تعارف عليها أصحاب كل علم فيما بعد، فما ينبغي أن يوضع في الحسبان أن إطلاق إسم معين على حالةٍ كالطريقة، ليس كإطلاق إسم معين على مولود جديد، بل يمر ذلك الإمر بأطوار تبعاً لتطور ذلك المفهوم. وغني عن الذكر أن تخصص كل جماعة من العلماء بعلم من علوم الشريعة الإسلامية لا يعني البتة تركهم لبقية العلوم، فكان كل منهم يقرأ القرآن ويحفظ الحديث النبوي الشريف، ويتعلم أحكام الفقه، ويجاهد نفسه في سبيل الحضور مع الله والتحقق بمقام الإحسان. وكذلك تمسك الجميع ببقية العلوم الإسلامية التي انتشرت آنذاك على قدر إستطاعة كل منهم.
     كذلك عدم انتشار الدعـوة إلى الطريقة في صدر الإسلام وعدم ظهورها إلا بعد عهد الصحابة والتابعين وهذا ايضا يعود لأنهم لم يكونوا في حاجة إليها وذلك لأن أهل ذلك العصر كانوا متصوفين أصلاً وأهل ورع وتقوى ومجاهدة وكانوا قرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبارون في الإقتداء به في كل أعماله وحركاته (قَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ )[5]، كما إن أول مدرسة نشأت في المدينة المنورة وظهر فيها زهاد كثيرون منذ وقت مبكر تمسكوا بالقرآن وجعلوا الرسول صلى الله عليه وسلم مدرسة قدوتهم في زهدهم وظلوا كذلك حتى أصبح سيدنا علي(كرم الله وجهه) الثاني في الطريقة بعد الرسول صلى الله عليه وسلم لكون سيدنا علي  من أقرب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهم إليه وموضع سره وثقته وقال في حقه ما يعظم شأنه فوق كل ذي شأن فقال في موضع غدير خم: ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)[6] فالأحاديث النبوية هذه أكدت عظمة سيدنا علي(كرم الله وجه) وولايته فهو إمام الطريقة وبابها عملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم:(أنا مدينة العلم وعلي بابها)[7]، وكان له تلاميذ من أصحاب الطريقة والصفاء والورع، ومن ثم تتابعت الطريقة وانتقلت من شيخ إلى شيخ حتى وصلت إلى عصر سلطان الأولياء والباز الأشهب الشيخ عبد القادر الجيلاني عن شيخه وأستاذه أبي سعيد بن علي المخزومي عن شيخه: الشيخ يوسف الطوسي عن شيخه: الشيخ علي بن محمد بن يوسف القرشي الهكاري عن شيخه: عبد العزيز اليمني عن شيخه: الشيخ أبي بكر الشبلي عن شيخه: الشيخ السري السقطي عن شيخه الشيخ أبي محفوظ معروف بن فيروز الكرخي عن شيخه: الشيخ سليمان بن داود بن نصير الطائي الكوفي تلميذ الإمام أبي حنيفة النعمان وأجل أصحابه عن شيخه: السيد الإمام علي الرضي عن أبيه السيد الإمام موسى الكاظم عن أبيه: السيد الإمام جعفر الصادق عن أبيه: السيد الإمام محمد الباقر عن أبيه: السيد الإمام على زين العابدين عن أبيه: السيد الإمام الحسين شهيد كربلاء عن أبيه: السيد الإمام أمير المؤمنين أسد الله الغالب سيدنا ومولانا على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه وهو مجاز من سيد المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
    فأنشأ الشيخ عبدالقادر الجيلانى مدرسة[8]، كان المئات من محبي الطريقة وعلومها وأصحاب الزهد والورع والحقيقة يتوجهون إليها لينهلوا من مناهلها علوم الطريقة والشريعة والتصوف وذاعت شهرتها حتى اهتدى بها الكثير إلى طريق الحق والإيمان وكانت خير مدرسة يعظ فيها سيدنا الشيخ عبد القادر الجيلاني أفواجاً من الناس والسالكين يفدون إليها لسماع الوعظ وكانت هذه المدرسة وشيخها سببا في هداية كثير من الضالين إلى طريق الحق وأصبحوا سالكين على نهج طريقته.
     وبعد ذلك لاحت في الأفق أنوار ساطعة تجسدت في شخصية  عظيمة بأرض السودان(مملكة الفونج)[9] وهي شخصية الشيخ عبد الله بن دفع الله بن مقبل(عبد الله العركى) [10]الذى كان مولده فى منتصف القرن الخامس عشر الميلادى بمنطقة أبيض ديرى فى إتجاه الجيلى الحالية(شمال الخرطوم) ونشأ فى بيت صلاح وورع وعلم وشرف وكرم إنعكست هذه الصفات كلها على شخصيته فحفظ القرآن الكريم صغيراً على يد والده الشيخ دفع الله بن السيد مقبل، ثم سافر فى طلب العلم عند الشيخ عبد الرحمن بن جابر حيث مكث معه فترة سبع سنوات عاد بعدها وأستقر فى منطقة الهلالية، لقد أدى الشيخ عبد الله بن دفع الله دوراً هاماً فى  منطقة الجزيرة وهى جزء له أهميته السياسية والإجتماعية وذلك بحكم وقوع سنار فيه وهى حاضرة سلطنة الفونج التى كانت تحكم البلاد عندئذ كما ولاه الشيخ عجيب القضاء فباشره بعفة ونزاهة وكان له باع فى التوحيد، ولم تقتصر جهود الشيخ عبد الله العركى على الداخل بل إمتدت خارج الوطن إلى الحجاز وأنه تبوأ فى الحجاز مكانة علمية وروحية رفعية، فأصبح علما من أعلام الطريقة والهدى ومنارا اهتدت به جموع من شتى بقاع الأرض وكانت كل هذه القدرات والمواهب الروحية هي إمتداد ووصل وإحياء لمآثر جده المصطفى.
         فطريق الشيخ عبد الله العركى عن شيخه: حبيب الله العجمي باجازة عن شيخه: الشيخ تاج الدين محمد (بهاري)[11] باجازة عن شيخه: الشيخ محمد دين عن شيخه وأبيه: السيد أحمد (نور الله مرقده) باجازة عن شيخه: السيد أكمل باجازة عن شيخه: السيد أكبر باجازة عن شيخه: السيد أصغر باجازة عن شيخه: السيد جلال الدين باجازة عن شيخه: السيد كمال الدين باجازة عن شيخه: السيد علاء الدين باجازة عن شيخه: السيد محمد المساعد باجازة عن شيخه: السيد أحمد المرجي باجازة عن شيخه: السيد محمد البدري باجازة عن شيخه: السيد عبد الرزاق باجازة عن أبيه الشيخ عبد القادر الجيلاني قدس الله سره العزيز.
    فقد أنجبت مدرسة الشيخ عبدالله العركى[12] رجالا مؤمنين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فأصبحوا دعاة للطريقة وهداية الناس إلى طريق الخير والمحبة فكانوا خير من يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويتبعون سبيل الرشاد، الذين حملوا على عاتقهم مهمة تطبيق منهج الطريقة، في الفترة التي امتدت ما بين انتقاله الى جوار ربه حتى عهد خليفتهم الحالي حامل لقب جده الشيخ المؤسس واحدً شيوخ الطرق الصوفية وخليفة ورئيس سجادة السادة العركيين القادرية بالسودان سيدى الشيخ عبدالله العركى أزرق طيبة  .
 مواقف ابتداء سالك الطريق
       يتفق الصوفية على أن غايات الطريق ونهاياته لاتصح إلا بصحة البداية. وأكدوا على أن أكثر موانع الطريق وعوائقه، إنما تكون- كما قال الامام الجنيد[13]: من فساد الابتداء! ومن هنا إهتم أقطاب التصوف الذين تصدروا لتربية المريدين، بتصحيح بدايات السالكين ، وتوضيح الاسس التي يقوم عليها الطريق.
      وتتشكيل بداية الطريق من ثلاثة مواقف رئيسية لا يسع السالك تجاوزها في سيره إلي الله، أولها موقف الشرع والعلم والعمل بقواعد الشريعة، ثم مرحلة الإنتباه وتصحيح المسار من خلال موقف التوبة، وأخيراً يأتي موقف التلقي من الشيخ المربي الذي يتولى تهذيب نفس السالك وإعداده لهذا السفر الروحي.
     كما أن النية هي أول الشروع في العمل، فالعقيدة أول مقتضيات السلوك ... ولما كان الإسلام هو عقيدة التوحيد فان بدء الإنابة إلي الله يكون باليقين في وحدانيته تعالى فإذا صحت عقيدة العبد وحسن إسلامه بالاقتداء بمذهب المتقدمين من السلف الصالح، بقي عليه أول فرض افترضه الله تعالى علي العباد، وإتفق الصوفية على أن العلم هو أول فرض افترضه الله على عباده، وجاء في الحديث الشريف: (طلب العلم فريضة على كل مسلم)[14]. وقد إنتهى الصوفية إلي تحديد مفهوم العلم الذي هو فرض عين، معرفة الشرع والدين، وهو المراد في الحديث الشريف. أما مطلق كلمة (علم) فذلك هو فرض الكفاية الذي لا يستغنى عنه في إموار الدنيا وهناك علم لا ينفع، بل قد يضر كالسحر والتنجيم وهو الذي إستعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم: (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِلا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:(اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا)[15]. فأما من إستغنى عن العلم فذلك الذي مضى في طريق كحاطب ليل ضل وجهته، وكان الشيخ عبدالقادر الجيلاني كثيراً ما يستشهد بالحديث الشريف: (من عبد الله عز وجل على جهل، كان ما يفسد أكثر مما يصلح )[16] وكان كثيراً ما يقول لأهل مجلسه: (الجاهل لا يبالي به، إذا افلح وعبد الله كانت عبادته مردودة عليه لأنها عبادة مقرونة بالجهل، والجهل كله مفسدة)[17].
     وبعدما يحصّل المبتدئ معارف الدين من علماء الشرع، ويتعرف علي آداب الشريعة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته وتابعيه يكون بذلك قد أتم الجانب النظري للبداية، وبقي عليه إستكمال الدائرة ، يعني العمل بما علمه ... حتى يرث مالم يكن يعلمه.
    وللعمل بمقتضى العلم منهج وترتيب، فينبغي للعبد الاشتغال بالفرائض أولاً، فأذا فرغ منها إشتغل بالسنن ثم يشتغل العبد بعد ذلك بالنوافل وفضائل الاعمال،  فإذا إنتهى من ذلك فعليه مراعاة الآداب الشرعية في جميع أحواله .
     وعلى هذا النحو السابق تكتمل دائرة الشرع، فبالعقيدة الصحيحة يكون العبد موقناً وبطلبه العلم يكون مخلصاً، وبإمتثال الأمر في العبادات يصير مسلماً، والتأدب بأداب الشرع يصبح تابعاً للسنة ولهذا فلا يصح التفريط في آداب السنة، وإنما ينبغي حفظ الآداب في جميع الأمور.
     إتفق أئمة التصوف وأقطابه على أولية التوبة في الطريق الصوفي فلا يستغني عنها مخلوق من بني ادم. فكل ابن ادم خطاء، فهو أن خلا من معاصي الجوارح لا يخلو من هم الذنب بالقلب، ولا من الخواطر الشيطانية فإن خلا منها فلا يخلو من غفلة وتقصير في العلم بالله والعمل له ... ولذا جاء خطاب الحق تعالى لعموم البشر: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [18]
     وحقيقة التوبة في اللغة (الرجوع) [19]، مادة توب. يقال تاب فلان من كذا أي رجع عنه .. فالتوبة الرجوع عما هو مذموم في الشرع، إلى ماهو محمود فيه. وهى العلم بأن الذنوب والمعاصي مهلكات مبعدات من الله، وتركها مقرب إليه. فعلى هذا النحو، تكون توبة السالك تحولاً جذرياً من التخبط في دهاليز الدنايا، إلى السير في طريق الأخيار. وتكون توبته بذلك هي التوبة النصوح الواردة في قوله تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا)[20].
       فإذا كان السالك لطريق الحق قد أحكم هذه التوبة النصوح وقد قام من قبل بواجبات الاعتقاد والعلم والعمل فانه يكون قد إستوفى الخطوط العريضة للشريعة، وبقيت عليه معرفة الدقائق..ومعرفة حقائق النفس... ومعرفة بقية مراحل الطريق. وهذا كله يخفي على المبتدى، ولا سبيل للوصول إليه من نفسه، وإنما السبيل الوحيد لذلك هو : صحبة الشيخ .
       والشيخ هو المرشد الروحي الذي الذي سلك طريق الحق وعرف المخاوف والمهالك والحدود، فتولى التربية للوصول إلي قرب الخالق عز وجل. ولا بد أن يكون الشيخ قد أخذ الطريق من شيخ سابق، بحيث تتسلسل متابعته إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكون قد ذاق حقائق الطريق وتحقق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم.
       ويرى الشيخ عبد القادر الجيلاني - وسائر الصوفية- انه لابد لكل مريد من شيخ، فالمشايخ هم الطريق إلي الله، والادلاء عليه، والباب الذي يدخل منه إليه.  فالمريد إذا جاء وقت إرادته، وإنفرد برأيه ولم يصحب شيخا، ضل وكان الشيطان له قائدا وشيخا! وهنا يستند الشيخ عبد القادر الجيلاني للحديث الشريف (إستعينوا على كل صنعة بصالح أهلها) [21] ليتوجه به توجها ذوقياً، مفادة أن الشيخ هو صالح أهل الطريق إلي الحق سبحانه وتعالى، فلا محالة من الاستعانة به على هذه الصنعة (السلوك). وجرت سنة الله بأن يكون في الأرض شيخ ومريد، تابع ومتبوع وإن هذه تبدأ بأدم عليه السلام. فقد كان كالتلميذ حين تعلم من ربه الاسماء كلها، ثم كان شيخا للملائكة حينما ظهر عجزهم وعدم علمهم بقولهم (قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا)[22] فأنبأهم ادم عليه السلام بالاسماء .
      أن شيخ السلوك يختلف من علماء الظاهر الذين يأخذ المبتدئ منهم علوم الشرع، حيث يمكن للسالك أن يتلقى علوم وفنون الشريعة من جملة علماء، أما دقائق الطريقة فلا يدركها السالك إلا بصحبة شيخ واحد ، فلا يصح لتربية المريد غير شيخ واحد في نفس الوقت. ولأن صحبة الشيخ في الطريق الصوفي، بإِعتباره حاجب باب الحق تعالى، تعمق اثره في نفوس السالكين المبتدئين، ولوجوب إِقتداء المريد بالشيخ والتأسي  به .
       أما ما جاء فى الشريعة الغراء فقد قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[23]، (الرَّحْمنُ فَسْئَلْ بِهِ خَبِيرًا)[24]، (أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)[25]، (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ )[26]، (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِيۤ إِبْرَاهِيمَ وَٱلَّذِينَ مَعَهُ)[27].
       كما نلحظ هذا الأمر فى جميع الحرف والصناعات والمهن، وما شابهها، مهما علت أو سفلت، نلحظ أنه لا بد لمن يريد ممارستها وتعلمها من معلم متمرس، خبير بتلك المهنة أو الصناعة، أو الحرفة، هو هنا بمقام " الشيخ" لتلك المهنة، وكم عرفنا فى بلادنا وغيرها من البلدان مصطلح: شيخ الصاغة وشيخ النجارين، وشيخ الحدادين،....والمجلس الطبى والهندسى والقانون... إلى آخر ذلك من أسماء المهن، ما كان يسمح لأحد بممارسة تلك المهنة إلّا إن إذن له("شيخ) تلك المهنة بممارستها بعد التدرب والتريض عليها عند معلم معترف به بين أهل تلك الصناعة. وهو عند ساداتنا الصوفية ما يسمى بـ(الإذن)[28] سواء فى التلقين أو التربية، أو التزكية أو التعليم. فلماذا نقبل فى أعمال الدنيا وممارساتها   (الرخصة) فى ممارسة المهنة، و(الإذن) فى تعليمها، ولا نقبل فى الدين وسلوك الطريق إلى الله (الإذن) في التربية وتلقين الذكر، وتعليم الشرع الشريف!.
    وإذا كان في العلوم الدنيوية كالطب والهندسة والطيران والكيمياء وغيرها.. لا بد لطالبها من تعلمها على يد أستاذ مجاز من أعلى الهيئات والمراجع العملية يأذن له بتعليم تلك المهنة أو ذلك الاختصاص.
     فإذا كان فى العلوم الدنيوية وضرر الجهل بها مؤقت ينتهي بإنتهاء الدنيا مهما طالت، فما بالك بطب القلوب، وهندسة الطريق إلى الله، والطيران إلى حضرة الحق، وكيمياء الروح وسائر علوم الآخرة التي تبقى بقاء الآخرة ؟!.
   من هنا كان لا بد للمريد والسالك فى طريق الله تعالى من شيخ – تقي نقي صالح عارف بالله تعالى وبشرع الله – يربي المريد، وإمام يرشده ويوجهه، ويسدد خطاه، ويكشف له أحابيل الشيطان فى عباداته ومعاملاته، وخطراته النفسية، وإراداته القلبية، والواردات التي قد تكون خطراً على صاحبها أكثر من الكفر الصريح.
      وفي سائر كتب سلفنا الصلح المعتبرين من هذه الأمة نرى حرص كل واحد منهم على تسجيل أخذه وتلقيه عن كبار شيوخهم، كابراً عن كابر، بالإجازة الشريفة، والتثبت المحكم، سواء كان ذلك فى العلوم، أو في تلقي البيعة الصوفية الشريفة، واتصال السند .
وقديما قالوا : " لا تَأْخُذ العِلْمَ من صَحَفِيٍّ ولا من مُصْحَفِيٍّ ".
فالصحفي: هو الذي يجمع محصوله من الصحف وحدها دون مرشد، والمصحفي: من قرأ القرآن وحده من غير شيخ ، وهذا مجرح عند أهل العلم .
    وإن لإلتقاء روح الطالب والاستاذ وتبادل الود وأنسجام الإرادة، وأندماج الشخصيتين بالحب والتسامي  والإخلاص لله في القصد، كل ذلك له أكبر الأثر الروحي والنفسي كما هو مقرر عند أهل العلم فى القديم والحديث، وعندما يكون السند متصلا يكون من ورائه سر مجرب، يسميه ساداتنا الصوفية بـ ( بركة السند)[29]، ألا ترى قوله تعالى ) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّه بِإِذْنِهِ)[30] تأمل، فمن هنا تبدأ البركة ثم تتسلسل لمن أتصل بها .


[1] اختلف العلماء في مصطلح تصوف ، أو مصطلح صوفيه ، قال أبو نصر السراج الطوسي- صاحب كتاب اللمع-  أن لفظ صوفية ليس من الألفاظ المستحدثة بل وجد منذ الجاهلية قبل الإسلام ، وأن لفظ صوفية أطلق على قوم تميزوا عن غيرهم بالصلاح والفضل مقتدين بالأنبياء والصالحين في كل الأمور حتى ظاهر اللباس فكانوا يلبسون الصوف تأسياً بهم فنسبوا إليه ولم يسبوا إلى حال من الأحوال أو علم من العلوم – كما نسب مثلاً الفقهاء إلى الفقه أو أصحاب الحديث إلى التوكل ... الخ – لأنهم بوتقة انصهرت فيها جميع العلوم والمعارف والأخلاق الحميدة والصفات العالية ولما لم يتميزوا بعلم دون آخر ولا صفة دون غيرها ميزوا بظاهر لباسهم فنسبوا إليه ، وليست هذه النسبة بدعاً ففي الآية الكريمة )إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(سورة المائدة / 112 ، حيث نسب الله تعالى طائفة من خواص أصحاب موسى إلى ظاهر لباسهم وهو البياض.  وعندما جاء الإسلام كانت صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي الأسمى والأعلى فلا يمكن أن يطلق على الصحابة لفظ أشرف من الصحبة فلم يقل لهم زهاد ولا عباد ولا فقراء بل قيل لهم صحابة أئمة الزهاد وأئمة العباد ... الخ ، فلذلك لم يطلق عليهم لفظ صوفية. وأما في عهد التابعين فقد كان لفظ الصوفية موجوداً بدليل قول الحسن البصري : رايت صوفياً في الطواف فأعطيته شيئاً فلم يأخذه وقال : معي أربعة دوانيق فيكفيني ما معي. أبو نصر السراج الطوسي : اللمع ص42.
[2] الإمام النووي الحجة أبو زكريا يحيى بن شرف الدين النووي يقرر في رسالته المعروفة المقاصد -كتيب مطبوع للإمام النووي- يقول :(( أصول الطريق التصوف خمسة - فيأصل التصوف يقول أصول طريق التصوف خمسة- تقوى الله تعالى في السر والعلانية واتباع السنة في الأقوال والأفعال والإعراض عن الخلق في الإقبال والإدبار والرضا عن الله في القليل والكثير والرجوع إلى الله في السرَّاء والضرَّاء)) راجع مقاصد الإمام النووي في التوحيد والعبادة وأصول التصوف صفحة (20) عشرين.
[3] انظر كتاب: صلاح الدين الأيوبي وجهوده في القضاء على الدولة الفاطمية وتحرير بيت المقدس المؤلف: عَلي محمد محمد الصَّلاَّبي- الناشر: دار المعرفة، بيروت – لبنان.
[4] أنظر : المعجم العربي الأساسي – جماعة من كبار اللغويين العرب بتكليف من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم – جامعة الدول العربية – لاروس – 1989- ص 792 .
[5] سورة الأحزاب- الآية 21
[6] مسند الإمام أحمد 4 / 281
[7] المستدرك على الصحيحين - ج3 ص126- الحاكم
[8] هذه المدرسة قديمة العهد ، شيدها العالم الفاضل ابو سعيد المخرومي الفقيه المتوفي سنة 513 للهجرة وفوضها الى تلميذه العلم الشيخ عبد القادر الجيلاني الذى جددها ووسعها من بعده وكان يدرس فيها الشيخ عبد القادر الكيلاني العلوم العقلية والنقلية ، وظل عاكفاَ بها حتى وفاته سنة 561 للهجرة ـ 1165 للميلاد ودفن فيها وان اولاده منهم الشيخ عبد الرزاق والشيخ عبد الجبار والشيخ عبد العزيز شيدوا بأتصال المدرسة جامعاَ كبيراَ وكان هذا المسجد يلقب بذي القباب السبع المذهبة .وقد تصدر للتدريس في هذه المدرسة اولاد الشيخ عبد القادر ومن بعدهم علماء منهم العلامة الشيخ عبد الله السويدي وغيره .
[9] كان قيام السلطنة الزرقاء أو سلطنة الفونج نقطة تحول هامة في توسع وتوحيد رقعة الدولة السودانية، ومن ناحية التحديد المكاني والجغرافي، المقصود بسلطنة الفونج: هي التي نشأت علي حدود مملكتي المقرة وعلوة في الفترة(1504- 1821م)، امتدت مملكة الفونج من الشلال الثالث الي اقصي جبال فازوغلي شمالا وجنوبا من سواكن علي البحر الأحمر الي النيل الابيض شرقا وغربا، وكان الحد بين سنار ومشيخة قري (الحلفايا) مدينة اربجي بقرب المسلمية والتنظيم الاداري من اربجي فصاعدا جنوبا كان تابعا لملوك الفونج رأسا لادخل لمشايخ قري فيه ومنها شمالا الي الشلال الثالث كان تابعا لادارة مشيخة قري أو العبدلاب تحت سيادة ملوك الفونج. وكانت المملكة منقسمة الي عدة ممالك ومشيخات من سود ونوبة وحضر وبادية، وكان كل ملك أو شيخ يدفع الجزية لملك سنار ، الا أن له نوعا من الاستقلال والممالك هي: مشيخة خشم البحر، مملكة فازوغلي، مشيخة الحمدة، مملكة بني عامر، مملكة الحلنقة. أما الممالك والمشيخات التي خضعت للفونج بواسطة العبدلاب هي: مشيخة الشنابلة، مملكة الجموعية، مملكة الجعليين، مملكة الميرفاب، مملكة الرباطاب، مملكة الشايقية، مملكة الدفار، مملكة الخندق، مملكة الخناق، مملكة ارقو. اما البلاد الواقعة بين الشلال الثالث والشلال الأول فقد كانت بيد الكشاف الأتراك(نعوم شقير: 1981، ص 139- 140).
[10] انظر كتاب فيض المنان/الدكتور ابو ادريس عبد الرحمن: فالعركى نسبة الى قبيلة العركيين التى هى فى الاصل قبيلة شريفية حسينية فجاءت نسبتها للعركيين لاسباب)، ثم أورد ما ذكره الشيخ اسحق بن الشيخ حمد النيل فى كتابه (النفحات الزكية فى مناقب الطريفية ص 37)، وما ذكره الشيخ الحسن بن الشيخ أحمد الناجى (مخطوطة نسب العركيين)، وما أورده مستر : ج.أ ريد فى مقالاته التى جمعت وطبعت سنة1935م، وأورد أيضا رواية الامين محمد زين التاسخ فى كتابه (العرف المنشوق من تاريخ سكان بلدة معتوق ص 46) وقال: (بهذا قد تبين ان النسبة الى قبيلة العركيين اتت نتيجة لزواج السيد محمد نافع ببنت حسن المعارك الذى نسبت القبيلة اليه اما أباؤه وأجداده فيلقبون ام بكلمة: السيد أو الشريف )انتهى. وأضاف فى ص67-69 بعد أن أورد نص النسب الذى نقله الشيخ عبد الله العركى من دفتر الاشراف بالمدينة المنورة بيدهالشريفة وقال: (هذا هو النسب الصحيح المجمع عليه والذى ظل آباؤنا وأجدادنا يحافظون عليه ويحفطونه عن ظهر قلب).
[11] كانت بداية انتشار القادرية في السودان بوصول الشيخ تاج الدين محمد بهاري في حوالي العام 1577ميلادية النصف الثاني من القرن العاشر الهجري في أول عهد ملك الشيخ عجيب المانجلك وسكن في وادي شعير بالجزيرة وسلك علي يده الطريق القادري عدد من الرجال اشهرهم الشيخ محمد بن عبد الصادق الركابي والشيخ بان النقا الضرير والشيخ حجازي باني اربحي و مسجدها والشيخ شاع الدين ود التويم جد الشكرية والشيخ عجيب والفقة حمد النجيض صاحب مسجد اسلانج .بعد وفاة الشيخ تاج الدين البهاري ،سلك الطريق القادري الشيخ عبد الله العركي علي يد خليفته الشيخ حبيب الله العجمي ، وهذه تعتبر مدرسة تاج الدين البهاري في تلك الحقبة وتفرع منهم العديد من المشايخ بهذا السند القادري
[12] أسس:  الطريقة القادرية العركية فترجع نسبتها للشيخ عبد الله العركي المولود في القرن العاشر الهجري (923 هـ) منتصف القرن السادس، عشر الميلادي ( 1547م ) والذي كان له دور كبير في إنتشار الطريقة القادرية بالسودان فنجد أن معظم بيوت الدين في السودان يرجع سندها إلى الشيخ عبد الله العركي مباشرة أو عن طريق خلفائه خاصة في عهد خليفته وابن أخيه الشيخ دفع الله بن أبي إدريس (المشهور بالمصوبن ) فقد شهدت الطريقة اتساعاً عظيماً في وقته وكان تلاميذه يوفدون إليه بأعداد لا تحصى لتلقي العلم والإرشاد من مختلف بقاع السودان خاصة في المناسبات الدينية التي كان يقيمها ومن هؤلاء الوافدين تلميذه الشيخ محمد المسلمي كان يأتي إليه ومعه عشرة ألف من السالكين لطريق القوم وأيضا الشيخ عبد الله الحلنقي وبصحبته أربعة عشر ألف من المريدين السالكين هذا سوى الجماعات والأفراد والملاحظ كما ذكرنا أن معظم بيوت الدين ومدارس الصوفية في السودان ذات الأصل العريق والمشهورة تفرعت من هذه الطريقة مثالاً مدرسة الشيخ عبد الله ود العجوز ومدرسة الشيخ النيل ومدرسة الشيخ المكاشفي ومدرسة الشيخ عوض الجيد ومدرسة الشيخ طه البطحاني ومدرسة الشيخ ابراهيم الكباشي ومدرسة الشيخ العبيد ود بدر وغيرهم وقد كانت هذه المدارس المتعددة وما زالت مرتعاً خصباً لطلاب العلم والقرآن وملجأً للمحتاجين والمساكين وأبناء السبيل.
[13] الجنيد بن محمد بن الجنيد البغدادي القواريري الخزاز، أبو القاسم، سيِّدٌ من سادات ، واشتهر بصحبة خاله السّري السقطي، [أبو الحسن السري بن المغلس السقطي (ت251ھ): انظر حلية الأولياء، أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني الشافعي (ت430ھ)، دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط3، 1427ھ/2007م، 10/274.
[14] السيوطي في التدريب 2\157 ونقله ايضا عن المزي وقد صححه الشيخ الالباني في صحيح الجامع 3808 و 3809
[15] رواه مسلم الترمذي، النسائي
[16] رقم الحديث: 1099(حديث موقوف) حَدِيثٌ : حَدِيثٌ : " مَنْ عَبَدَ اللَّهَ بِجَهْلٍ كَانَ مَا يُفْسِدُ أَكْثَرَ مِمَّا يُصْلِحُ " ، قيل : إنه من كلام ضرار بن الأزور  الصحابي، وللديلمي من حديث واثلة بن الأسقع مرفوعا : المتعبد بغير فقه كالحمار في الطاحونة .كتاب: المقاصد الحسنة في الأحاديث المشتهرة على الألسنة :للإمام الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي المتوفى سنة (902 هـ) ، وهو كتاب جامع لكثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة ، مما ليس في غيره ، وتبلغ عدة أحاديثه (1356) حديثـًا .
[17] كتاب الـفـتـح الـربـانـي و الـفـيـض الـرحـمـانـي لـلـغـوث الأعـظـم ســـيـدنـا عـبـد الـقــادر الـجـيـلانـي المجلس التاسع والثلاثون قال رضى الله عنه ، بكرة الجمعة فى الرباط ثانى عشر رجب من سنة خمس وأربعين وخمسمائة: يـا قــوم، تورّعوا في جميع أحوالكم. الورع كسوة الدين. اطلبوا مني كسوة لأديانكم اتبعوني فإني على جادة الرسول صلى الله عليه وسلم. أنا تابع له فى أكله وشربه ونكاحه وأحواله وما كان يشير إليه، لا أزال كذلك حتى أقع بمراد الله عزَّ وجلَّ مني، فإني على ذلك ولا أفكر بحمد الله عـزَّ وجلَّ، لا أفكر بحمدك و لا ذمك، بعطائك و منعك، بخيرك و شرك، بإقبالك وإدبارك. أنت جاهل والجاهل لا يبالي به. إذا أفلحت وعبدت الله عزَّ وجلَّ، كانت عبادتك مردودة عليك لأنها عبادة مقرونة بالجهل، والجهـل كله مفسدة. قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " من عبد الله عزَّ وجلَّ على جهل، كان ما يفسد أكثر ممّـا يصلح ".لا فلاح لك حتى تتبع الكتاب والسنـّة. عن بعضهم رحمة الله عليه أنه قال: ( من لم يكن له شيخ فإبليس شيخه ). اتبع الشيوخ العلماء بالكتاب والسنـّة العاملين بهما، أو حسن الظن بهم وتعلم منهم، وأحسن الأدب بين أيديهم والعشرة معهم وقد أفلحت. إذا لم تتبع الكتاب والسنة ولا الشيوخ العارفين بهما، فما تفلح أبداً، ما سمعت، من استغنى برأيه ضلّ. هذب نفسك بصحبة من هو أعلم منك. اشتغل بإصلاحها ثم انتقل إلى غيرها. قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم: " ا بدأ بنفسك ثم بمن تعول ". و قال " لا صدقة وذو رحم محتاج ".
[18] سورة النور:31.
[19] أنظر لسان العرب: 1 : 223 ، مادة توب، ومجمع البحرين: 2 : 231
[20] سورة التّحـْـريم، من الآية: 8.
[21] انظركتاب : كشف الخفاء ومزيل الالباس عما اشتهر من الاحاديث على ألسنة الناس الحديث رقم 340 - المؤلف : العجلوني،إسماعيل بن محمد الجراحي
[22] سورة البقرة الآية 32 
[23] سورة النحل :43
[24] سورة فاطر : 14
[25] سورة الانعام:90]
[26] سورة لقمان :15
[27] سورة الممتحنة 6
[28] منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا تناقل هذا الإذنَ والتلقينَ والعهدَ رجالٌ عن رجال، فوصل إلينا محققاً مسلسلاً مسجلاً، والصوفية يُسمُّون البيعة والإذن والتلقين باسم "القبضة"، يتلقاها واحد عن واحد، يقبض كل منهما يد الآخر، فكأنما الْتقى السالب بالموجب فارتبط التيار واتصل السند، ونفذ التأثير الروحي المحسوس المجرب. وما هؤلاء المرشدون المجددون على توالي العصور والأزمان الذين يربطون قلوب الناس بهم حتى يوصلوها بنور سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إلا كالمراكز الكهربائية التي توضع في الأماكن البعيدة عن المولِّد الكهربائي فتأخذ النور من مركز التوليد لتعطيه لمن حولها قوياً وهَّاجاً؛ فهذه المراكز ليست مصدر النور ولكنها موزعة له وناقلة، ولكن لبعد المسافة يضعف نور الشريط المتصل بالمولِّد، فاحتاج الأمر إلى هذه المراكز التي تعيد لهذا النور قوته وحيويته. وهكذا فإن المرشدين يجددون النشاط الإيماني في عصرهم، ويعيدون النور المحمدي إلى ضيائه وبريقه بعد تطاول الزمن وتعاقب القرون، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام: "العلماء ورثة الأنبياء" (فقرة من حديث رواه الترمذي في كتاب العلم عن أبي الدرداء رضي الله عنه).
[29] نهج الورَّاث من مرشدي الصوفية منهج الرسول في أخذ البيعة في كل عصر، فقد ذكر الأستاذ الندوي في كتابه "رجال الفكر والدعوة في الإسلام": (أن الشيخ عبد القادر الجيلاني فتح باب البيعة والتوبة على مصراعيه، يدخل فيه المسلمون من كل ناحية من نواحي العالم الإسلامي، يجددون العهد والميثاق مع الله، ويعاهدون على ألاَّ يشركوا ولا يكفروا، ولا يفسقوا، ولا يبتدعوا، ولا يظلموا، ولا يستحلوا ما حرَّم الله، ولا يتركوا ما فرض الله، ولا يتفانوا في الدنيا، ولا يتناسوا الآخرة. وقد دخل في هذا الباب ـ وقد فتحه الله على يد الشيخ عبد القادر الجيلاني ـ خلق لا يحصيهم إلا الله، وصلحت أحوالهم، وحسن إسلامهم، وظل الشيخ يربيهم ويحاسبهم، ويشرف عليهم، وعلى تقدمهم، فأصبح هؤلاء التلاميذ الروحيون يشعرون بالمسؤولية بعد البيعة والتوبة وتجديد الإيمان "رجال الفكر والدعوة في الإسلام" ص248
[30] سورة الأحزاب الآية 46

ليست هناك تعليقات: