بحث هذه المدونة الإلكترونية

كتاب مفهوم الولاية والأولياء الفصل الثانى/الجزء 2



   ثالثا: التقوى
   التقوى هي سفينة النجاة، ومفتاح كل خير، كيف لا ؟ وهي الغاية العظمى، والمقصد الأسمى من العبادة ؟، إنها محاسبة دائمة للنفس، وخشية مستمرة لله، وحذر من أمواج الشهوات والشبهات التي تعيق من أراد السير إلى ربه، إنها الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل  والاستعدادُ ليوم الرحيل .
 من هنا كانت التقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه ، قال تعالى: ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ)[1]، وهي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لجميع أمته، ووصية السلف بعضهم لبعضهم، فلا عجب إذا أن يبتدأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيحته ل معاذ بن جبل و أبي ذر رضي الله عنهما. 
   قال القُرْطبي: (التَّقْوى مصدرٌ على وزن فَعلى، وأصلُه وَقْوَى فقلبت الواوُ تاءً، من وَقَيْته أقِيه أي مَنَعْته، ورجلٌ تَقِيٌّ أي خائف، أصلُه وَقِيٌّ، وكذلك تُقَاة كانت في الأصل وُقَاةً، كما قالوا: تجاه وتُراث، والأصل وجاه ووراث.
 وعن فهم الصحابة - رضوان الله عليهم - للتقوى جاء أن عُمَرَ سأل أُبَيًّا - رضي الله عنهما - عن التقوى؛ فقال أُبَيٌّ: هل أخذتَ طريقًا ذاتَ شوْكٍ؟ قال: نعم؛ قال: فما عمِلتَ فيه؟ قال: تشمَّرْتُ وحذرت؛ قال: فذاك التقوى. وأخذ ابن المعتز هذا المعنى فنظمه في قوله:
خَلِّ الذنوبَ صغيرها http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
                      وكبيرها، ذاك التُّقى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
واصنعْ كماشٍ فوق أرضِ http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
                        الشوْكِ يحذَرُ ما يَرى http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
لا تحقرنَّ صغيرةً http://www.alukah.net/Images/alukah30/space.gif
                     إن الجِبَال من الحَصى
ورُوِي عن عليٍّ - رضى الله عنه - أنه قال: التقوى هي: "الخوف من الجليل، والعمل بالتنـزيل، والرضى بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل"، وهذا من جماع القول، وفقه الصحابة.
  وروي عن ابن مسعود - رضى الله عنه - أنه قال يومًا لابن أخيه: يا ابنَ أخي ترى الناس ما أكثرهم؟ قال: نعم. قال: لا خَير فيهم إلا تائب أو تقيّ. ثم قال: يا ابنَ أخي ترى الناس ما أكثرهم؟ قلت: بلى؛ قال: لا خير إلا عالمٌ أو متعلم.
 وأما عن فهم العلماء للتقوى؛ فقد قال أبو يزيد البسطامي: المتَّقِي من إذا قال قال لله، وإذا عمل عمل لله. وقال أبو سليمان الداراني: المتَّقُون الذين نزَع اللهُ عن قلوبهم حبَّ الشهوات)[2].
 وقال القُرْطبي - في تفسيره -: (التقوى فيها جماع الخير كلِّه، وهي وصيَّة الله في الأوَّلين والآخرين، وهي خيرُ ما يستفيده الإنسان)[3].
    قال ابن منظور: التقوى: أصلها وقيا؛ لأنها فَعْلَى مِن وَقَيت في قوله تعالى: (ما لهم من الله مِن واقٍ): أي مِن دافِع، ووقاه وِقايةً: أي حَفِظَه، والتوقِية: الكَلاءة والحفظ وقوله تعالى: (هو أهل التقوى وأهل المغفرة) أي هو أهلٌ لأن يتقى عقابه وأهلٌ أن يعمل بما يؤدي إلى مغفرته.)[4]
    وقال الإمام الراغب: الوِقايةُ حفظُ الشيء مما يُؤذيه ويَضُرُّه. يقال: وقيت الشيء أقيه وقايةً ووقاءً. قال تعالى: ﴿ فَوَقَاهُمْ اللهُ[5]، ﴿ وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ[6]، ﴿ وَمَا لَهُمْ مِنْ اللهِ مِنْ وَاقٍ[7]، ﴿ مَا لَكَ مِنْ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ[8]، ﴿ قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً [9]، والتَّقوى جعْلُ النفس في وقايةٍ مما يُخاف، هذا تحقيقه، ثم يُسمَّى الخوفُ تارةً تقوى والتقوى خوفًا حسب تسمية مقتضَى الشيء بمقتضِيه والمقتضِي بمقتضاه، وصار التقوى في تعارُف الشرع حفظ النفس عما يؤثم، وذلك بترك المحظور؛ ويتم ذلك بترك بعض المباحات لِما رُوِي: "الحلال بيِّنٌ والحرام بين، ومن رتع حول الحمى فحقيقٌ أن يقع فيه)[10]. قال الله تعالى: ﴿ فَمَنْ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[11]،﴿ إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا [12]،﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً[13]، ولجعْل التقوى منازِلَ قال: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللهِ [14]، و﴿ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ﴾[15]، ﴿ وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقِهِ[16]، ﴿ وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ[17]،﴿ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ[18]... ويقال: اتَّقى فلانٌ بكذا: إذا جعله وقاية لنفسه، وقوله: ﴿ أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾[19] تنبيهٌ على شدَّةِ ما ينالهم، وأن أجدَر شيء يتقون به من العذاب يوم القيامة هو وجوهُهُم فصار ذلك كقوله:           ﴿ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ[20]، ( يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ[21])[22].
    إن عبارات العلماء في تعريف التقوى تدور على صيانةِ النفس من المعاصي، وترك الشركِ والفواحِشِ والكبائرِ، والتأدب بآدابِ الشريعة. فالتقوى إذن: فِعلُ الطاعات واجتنابُ السيئات.
      إن تقوى الله تعالى هي سفينة النجاة يوم القيامة إنها التزام طاعة الله وطاعة رسوله، إنها سلوك طريق نبينا المصطفى ووضع الدنيا على القفا، إنها علم وعمل، والتزام بأداء ما فرض الله واجتناب ما حرّم الله سبحانه وتعالى فهذا هو طريق الفلاح والنجاح. إنها الخوف من الجليل وإتباع التنزيل والاستعداد ليوم الرحيل، إن التقوى هي أداء الواجبات والفروض واجتناب المحرمات، فمن التزم بها كان من أحباب الله وأحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعالى: (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى )[23]  وكلنا في حال سفر إلى الله سبحانه وخير ما نتزود به لذلك اللقاء هي التقوى.
و يتقي العبد ربه باتباع الآتى:
في عقلك وفهمك:
 أ- الانقياد لشرع الله سبحانه قال تعالى: (لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[24].قال ابن عباس: (نهوا أن يتكلموا بين يدي كلامه)[25]
ب، التسليم لقضاء الله وقدره: قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)[26]
ج- التأمل والنظر في بديع صنع الحق سبحانه: وأنكر رب العزة سبحانه على الذين يمرون بآيات الله ولا يعتبرون فقال: (وَكَأَيِّنْ مِنْ آَيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ )[27].
في قلبك :  فلا غل ولا حسد: وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قَالَ : " كُلُّ مَخْمُومِ الْقَلْبِ صَدُوقِ اللِّسَانِ " ، قَالُوا : صَدُوقُ اللِّسَانِ نَعْرِفُهُ ، فَمَا مَخْمُومُ الْقَلْبِ ، قَالَ : " هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ ، لَا إِثْمَ فِيهِ ، وَلَا بَغْيَ ، وَلَا غِلَّ ، وَلَا حَسَدَ))[28]
في تعاملك: فلا غش ولا خداع ولا كذب: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا، وَالْمَكْرُ وَالْخِدَاعُ فِي النَّارِ بَاعَ عَيْبًا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَمْ يَزَلْ فِي مَقْتِ مِنَ اللَّهِ ، ))[29]. أو أن يستخدم اسم الله العظيم لترويج بضاعته للحديث: ((الْحَلِفُ مُنَفِّقَةٌ لِلسِّلْعَةِ مُمْحِقَةٌ لِلْبَرَكَةِ))[30]. أو يستخدم الرشوة لتيسير أمره في أمر لا يحق له للحديث: ((لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ وَالرَّائِشَ))[31]. أو أن يكتم عيبا للحديث: ((مَنْوَلَمْ تَزَلِ الْمَلَائِكَةُ تَلْعَنُهُ))[32].
في مطعمك وشربك: فلا يدخل جوفك الحرام، وإذا أكل العبد الحرام فلا تقبل منه طاعة للحديث: ((إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ حَاجًّا بنفَقَةٍ طَيِّبَةٍ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَلالٌ، وَرَاحِلَتُكَ حَلالٌ، وَحَجُّكُ مَبْرُورٌ غَيْرُ مَأْزُورٍ، وَإِذَا خَرَجَ بِالنَّفَقَةِ الْخَبِيثَةِ، فَوَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ، فَنَادَى: لَبَّيْكَ، نَادَاهُ مُنَادٍ مِنَ السَّمَاءِ: لا لَبَّيْكَ وَلا سَعْدَيْكَ، زَادُكَ حَرَامٌ وَنَفَقَتُكَ حَرَامٌ، وَحَجُّكَ غَيْرُ مَبْرُورٍ))[33] .
في جوارحك في لسانك: قال عقبة بن عامر: ((قُلْتُ : يَارَسُولَ اللهِ ، مَا النَّجَاةُ ؟ قَالَ : امْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَلْيَسَعْكَ بَيْتُكَ ، وَابْكِ عَلَى خَطِيئَتِكَ))[34]. قال النووي في الأذكار : بلغنا أن قس بن ساعدة، و أكثم بن صيفي اجتمعا فقال أحدهما لصاحبه: [ كم وجدت في ابن آدم من العيوب؟! فقال: هي أكثر من أن تحصى، والذي أحصيته: ثمانية آلاف عيب، فوجدت خصلةً إن استعملتها سترت العيوب كلها، قال ما هي؟ قال: حفظ اللسان.
في بصرك: قال تعالى: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[35]. قال ابن عباس: (هو الرجل يكون مع القوم فإذا مرت المرأة بهم نظر إليها إذا غفلوا عنه، وإذا فطنوا غض بصره وقد اطلع الله على ما في قلبه أنه يود أن يرى عورتها)، وللحديث: ((الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ ، وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ))[36].
في رحمك: للحديث: ((أَنَا اللَّهُ وَأَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا مِنِ اسْمِي فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قطعته.([37]..
في أهلك: فلا ظلم أو سوء عشرة للحديث: ((إِنَّ الرَّجُلَ لَيُدْرِكُ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ بِالْحِلْمِ ، وَإِنَّهُ لَيُكْتَبُ جَبَّارًا وَمَا يَمْلِكُ إِلا أَهْلَ بَيْتِهِ))[38].
ولا بخل في الإنفاق للحديث: ((فَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ))[39].
وأن يعدل بين نسائه إن كانوا أكثر من واحدة للحديث: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشِقُّهُ مَائِلٌ))[40].
    على المسلم أن يسأل الله أن يجعله من المتقين للحديث: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْهُدَى، وَالتُّقَى، وَالْعَفَافَ، وَالْغِنَى))[41]. هذا الدعاء العظيم، شامل لأربعة مطالب عظيمة، وجليلة، لا غنى عنها لأي عبد سائر إلى اللَّه عز وجل لما فيها من أهم مطالب الدنيا والآخرة. فبدأ بسؤال (الهدى) وهو أعظم مطلوب للعباد، لا غنى لهم عنه في هذه الدار؛ لأن الهدى: هو طلب الهداية، وهي كلمة شاملة تتناول كل ما ينبغي أن يُهتدى إليه من أمر الدنيا والآخرة من حسن الاعتقاد، وصلاح الأعمال، والأقوال، والأخلاق . قوله: (التُّقَى): أي التقوى: وهو اسم جامع لفعل ما أمر اللَّه به، وترك ما نهى عنه، ((قال الطيبي: أطلق الهدى والتقى؛ ليتناول كل ما ينبغي أن يهتدي إليه من أمر المعاش والمعاد ومكارم الأخلاق، وكل ما يجب أن يتقي منه من الشرك، والمعاصي، ورذائل الأخلاق، وطلب العفاف)). وأصل الكلمة من التوقي، وهو أن تجعل بينك وبين عقوبة اللَّه تعالى وقاية, ويكون بفعل الطاعات، واجتناب المحرمات . قوله: (العفاف):هو التنزُّه عما لا يُباح, والصيانة عن مطامع الدنيا، فيشمل العفاف بكل أنواعه ((العفاف عن الزنا كله بأنواعه: زنى النظر، وزنى اللمس، وزنى الاستماع، وزنى الفرج))،والتعفُّف عن الكسب، والرزق الحرام. قوله: (الغنى): وهو غنى النفس بأن يستغني العبد عن الناس، وعمّا في أيديهم، فيستغني العبد بما أعطاه اللَّه، سواء أُعطي قليلاً أو كثيراً، وهذه الصفة يحبها اللَّه عز وجل قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ))، وسؤال اللَّه (العفاف والغنى)، وهما داخلان في الهدى والتقى من باب التخصيص بعد التعميم، وذلك لعظم شأنهما، وشدة احتياج الخلائق لهما.
وعليه مغالبة النفس بالعمل الصالح للحديث: ((عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَوْصِنِي، قَالَ: اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، أَوْ أَيْنَمَا كُنْتَ، قَالَ  زِدْنِي، قَالَ : أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، قَالَ : زِدْنِي ، قَالَ : خَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ.))[42]
    لقد جمع الله تعالى لنا في كتابه شروط الولاية ، حين قال تعالى:( أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ)[43]
رابعا: القسط
القسط هو تمام العدل، والقسط هو الهدف من إرسال الرسل والأنبياء وإنزال الكتب السماوية، يقول تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ[44]  فإقامة الناس فى أى مجتمع للقسط والعدل هى إقامة لشريعة الله التى جاءت بها الرسالات السماوية فى كل عصر.
    في لسان العرب: " قسط" : من أسماء الله الحسنى المقسط هو العادل ، يقال: أقسط يقسط فهو مقسط إذا عدل ، وقََسط يقسط فهو قاسط إذا جار، فكان الهمزة في أقسط للسلب كما يقال : شكا إليه فأشكاه . وفي الحديث: ( إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط الميزان سمي به من القسط العدل أراد أن الله يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد المرفوعة إليه وأرزاقهم النازلة من عنده كما يرفع الوزان يده ويخفضها وهو تمثيل لقدرة الله وينزله, وقيل أراد بالقسط القسم من الرزق الذي هو نصيب كل مخلوق وخفضه تقليله, ورفعه تكثيره والقسط الحصة والنصيب)[45] .انتهى
    في مختار الصحاح : ( العدل ضد الجور ، يقال عدل عليه في القضية من باب ضرب فهو عادل وبسط الوالي عدله ومعدلته بكسر الدال وفتحها وفلان من أهل المعدلة بفتح الدال أي من أهل العدل ورجل عدْل أي رضا ومقنع في الشهادة . وهو في الأصل مصدر وقوم عدل وعدول أيضاً وهو جمع عدل وقد عدل الرجل من باب ظرف .قال الأخفش: العدل بالكسر المثل والعدل بالفتح أصله مصدر قولك عدلت بهذا عدلاً حسناً تجعله اسما للمثل لتفرق بينه وبين عدل المتاع وقال الفراء: العدل بالفتح ما عدل الشيء من غير جنسه والعِدل بالكسر المثل)[46] .. ” .انتهى
   قال تعالى :” (ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين)[47]
     وهذه السنة الإلهية العادلة المحكمة تجازي كل إنسان على قدر عمله ليس فقط بالعدل ولكن بميزان الله القسط وبميزان فضله سبحانه من حيث الحسنة بعشر أمثالها والصدقة بسبعمائة ضعف والحسنات يذهبن السيئات والتوبة النصوح مع العمل والإيمان يبدل الله بها سيئات العبد إلى حسنات ، ومقابل كل هذا الفضل تجازى السيئة بمثلها فقط.
      فعن طريق الكتاب الذى هو الميزان يعتمد الناس القسط فى تعاملهم مع الله تعالى وفى تعاملهم مع أنفسهم ، ولأن الميزان ينبغى أن يكون واحداً فقط فى أساسياته يتكرر فى كل الرسالات السماوية فإن الله تعالى يجعل الكتب السماوية كتاباً واحداً يقوم على أساسها العدل، والله تعالى يأمر خاتم النبيين أن يقول: ﴿وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ اللّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأعْدِلَ بَيْنَكُمُ[48]
   ونزل القرآن خاتم الرسالات السماوية قبل قيام الساعة، يقول تعالى عن القرآن الذى جاء ميزاناً محفوظاً إلى قيام الساعة ﴿اللّهُ الّذِيَ أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلّ السّاعَةَ قَرِيبٌ[49] .
    ويوم القيامة يتم وزن الأعمال بالقسط وعلى أساس الذرة، يقول تعالى ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَىَ بِنَا حَاسِبِينَ[50]
      إن موازين الله القسط ليوم القيامة تشمل ليس فقط موازين العدل بل وموازين الفضل من حيث أن السيئة بمثلها في حين أن الحسنة بعشر أو أكثر والحسنات يذهبن السيئات والتائب الحق تـُبدل سيئاته حسنات وتدبر معي أيها القارئ موازين الله الفضل كما وردت في الكتاب المجيد:
من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون)[51]، ( من جاء بالحسنة فله خير منها وهم من فزع يومئذ آمنون)[52]، ( من جاء بالحسنة فله خير منها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون)[53]، ( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين)[54]
    فأين بالله عليكم أي قانون من وضع الإنسان ، مهما سما وعلا في العدالة ، يقترب من هذا الفضل الإلهي؟  فإذا كانت محصلة أعمال الإنسان - بعد كل هذا الفضل الذي أذن به الله - أن خفت موازينه فهذا دليل على ارتكابه ذنوبًا عظيمة وكبائر لم يتب عنها، ومصيره الخلود في النار، ورد فى المعجم الكبير للطبراني: أَتَى رَجُلٌ رَسُولَ الله صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ الله ، أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : قُلِ *الْعَدْلَ* وَأَعْطِ الْفَضْلَ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ أَطِقْ ذَلِكَ ، قَالَ : فَأَطْعِمِ الطَّعَامَ وَأَفْشِ السَّلاَمَ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ أَطِقْ ذَلِكَ ، أَوْ لَمْ أَسْتَطِعْ ذَلِكَ ، قَالَ : فَهَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَانْظُرْ بَعِيرًا مِنْ إِبِلِكَ وَسِقَاءً وَانْظُرْ أَهْلَ بَيْتٍ لاَ يَشْرَبُونَ الْمَاءَ إِلاَّ غَبًّا فَاسْقِهِمْ ذَلِكَ لَعَلَّكَ لاَ يُنْفَقُ بَعِيرُكَ ، وَلاَ يَنْخَرِقُ سِقَاؤُكَ حَتَّى تَجِبَ لَكَ الْجَنَّةُ. فَانْطَلَقَ الأَعْرَابِيُّ يُكَبِّرُ ، فَمَا انْخَرَقَ سِقَاؤُهُ وَلا هَلَكَ بَعِيرُهُ حَتَّى قُتِلَ شَهِيدًا)[55] .
      عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ( كل سلامى من الناس عليه صدقة كل يوم تطلع فيه الشمس :* تعدل* بين اثنين صدقة وتعين الرجل في دابته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة والكلمة الطيبة صدقة وبكل خطوة تمشيها إلى الصلاة صدقة وتميط الأذى عن الطريق صدقة)[56] 
عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن، وكلتا يديه يمين، الذين يعدلون في حكمهم وأهلهم وما ولوا)[57]
 عن أبي هريرة مرفوعا: ((سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلا ظِلُّهُ ) وذكر أولهم (إمام عادل)[58].
يقول تعالى في (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا)[59]
    لذا فإن منهج القسط والعدل ينبغى أن يكون حاضراً لدى المسلم، وليتذكر دائماً أن القرآن الكريم يجعل ميزان القسط متناهى الحساسية، بمعنى أن القسط المطلوب هو بنسبة مائة فى المائة فإن تراجعت النسبة إلى 99% أصبح الحكم ظلماً، طالما دخلت فيه نسبة الواحد فى المائة من الظلم. المقسط يستحق حب الله تعالى، يقول تعالى ﴿إِنّ اللّهَ يُحِبّ الْمُقْسِطِينَ﴾[60]  فعلى المسلم أن يختار لنفسه منزلته عند الله تعالى، و يكون من القسطين المسلمين الحقيقيين ليكون ممن يحبهم الله تعالى.
خامسا: الصبر
    الصبر عادة الأنبياء والمتقين، وحلية أولياء الله المخلصين، وهومن أهم ما نحتاج إليه نحن في هذا العصر الذي كثرت فيه المصائب وتعددت، وقلّ معها صبر الناس على ما أصابهم به الله تعالى من المصائب، والصبر ضياء، بالصبر يظهر الفرق بين ذوي العزائم والهمم وبين ذوي الجبن والضعف والخور،والصبر ليس حالة جبن أويأس أوذل بل الصبر حبس النفس عن الوقوع في سخط الله تعالى وتحمل الأمور بحزم وتدبر, والصابرون يوفون أجورهم بغير حساب: (أُوْلَـئِكَ يُجْزَوْنَ ٱلْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَـٰماً )[61]، وقال تعالى عن أهل الجنة: (سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ )[62]، هذا هو الصبر، المحك الرئيسي، لصدق العبد في صبره ..
    الصبر أبرز الأخلاق الوارد ذكرها في القرآن حتى لقد زادت مواضع ذكره فيه عن مائة موضع، وما ذلك إلا لدوران كل الأخلاق عليه، وصدورها منه، فكلما قلبت خلقاً أو فضيلة وجدت أساسها وركيزتها الصبر، فالعفة: صبر عن شهوة الفرج والعين المحرمة، وشرف النفس: صبر عن شهوة البطن، وكتمان السر: صبر عن إظهار مالا يحسن إظهاره من الكلام، والزهد: صبر عن فضول العيش، والقناعة: صبر على القدر الكافي من الدنيا، والحلم: صبر عن إجابة داعي الغضب، والوقار: صبر عن إجابة داعي العجلة والطيش، والشجاعة: صبر عن داعي الفرار والهرب، والعفو: صبر عن إجابة داعي الانتقام، والجود: صبر عن إجابة داعي البخل، والكيس: صبر عن إجابة داعي العجز والكسل وهذا يدلك على ارتباط مقامات الدين كلها بالصبر.
  لكن اختلفت الأسماء واتحد المعنى، والذكي من ينظر إلى المعاني والحقائق أولاً ثم يجيل بصره إلى الأسامي فإن المعاني هي الأصول والألفاظ توابع، ومن طلب الأصول من التوابع زل. ومن هنا ندرك كيف علق القرآن الفلاح على الصبر وحده ((وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا))[63] ُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا))[64] .
 فلا نجاح في الدنيا ولا نصر ولا تمكين إلا بالصبر، ولا فلاح في الآخرة ولا فوز ولا نجاة إلا بالصبر، فلولا صبر الزارع والدارس والمقاتل وغيرهم ماظفروا بمقاصدهم.
   الصبر ضياء الإيمان واليقين نور مصباح الإيمان وهو الإيمان كله ...
يقول صلى الله علية وآله وسلم: (الصَّبْرُ نِصْفُ الْإِيمَانِ وَالْيَقِينُ الْإِيمَانُ كُلُّهُ)[65] ، وهو حال الأتقياء الأبرار وهو حال النعيم في الدارين ...يقول الله تعالى: ) إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ )[66] .
    ومما تقدم نجد أن الصبر هو مفتاح المعاني القلبية ، وبه تسمو النفس بالقرب من الله واليقين بالله وهو أعلى درجات التقوى
فالصبر أعلى خصال الأولياء الصالحين ...فقد خصهم الله بخمسة خصال ميزهم بها عن سائر الخلق بما فيهم العوام و الخواص. وهذه الخصال تجتمع في آية من آيات الكتاب هي قوله تعالى: ( الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ )[67] .
من حققها شهد الله له بحقيقة الإيمان والإحسان بالنيابة لأن من حققها حقق الفناء بالله ، وأشهد ملائكته وأولي العلم بعدالته مع هؤلاء السابقين المقربين الصالحين لقوله تعالى: ( شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )[68]...
فضـــائــــل الصبر
- الصبر منبع الإيمـــان .. عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله  "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء .."[69] .. فالصبر كالشمس التي تشع بالضوء لتُنير ما حولها من كواكب، فينشأ عنه أعمال البر والطاعات العظيمة .. فلن تستطيع أن تُكابد لقيـــام الليل وصيـــام النهار إلا بالصبر.
- الصبر نصف الإيمـــان .. عن علقمة قال: قال عبد الله بن مسعود "الصبر نصف الإيمان، واليقين الإيمان كله)[70]  .. فكلما زاد صبرك على طاعة الله وعلى ترك معاصيه، زاد مقدار ما قطعته في الطريق إلى الله سبحانه وتعالى.
- يستوجب محبة الرحمن .. يقول الله جلَّ وعلا (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)[71]  .. فبالصبر تصل إلى محبة الرحمن جلَّ جلاله.
- يجعلك في معيَّة الله .. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[72] .. فالله تعالى يحفظ عباده الصابرين ويرعاههم، وبقدر البلاء الذي ينزل عليهم، بقدر السكينة والطمأنينة التي تغشاهم.
- من صفـــات المتقين .. يقول تعالى في صفة أهل الإيمان المُتقين (.. وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[73]  .. بالصبر تُبلَّغ منزلة التقوى، وهي من أعظم المنازل ..).. وَالْآَخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)[74]
أعظم مقامات الإيمان  
- من أعظم المنن .. قال رسول الله  ".. ومن يتصبَّر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير وأوسع من الصبر"[75] .. فالصبر يهوِّن البـــلاء، وهو من أعظم نِعَم الله تعالى على عباده.
- لا فلاح للعبد إلا بالصبــر .. يقول الله جلَّ وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[76] .. فالفلاح في الطريق إلى الجنة لن يكون إلا بالصبر والمصابرة مع التحلي بالتقوى، والخسران كل الخسران في الجزع وعدم الصبر.
- لا مُضعِّف للأعمال مثل الصبر .. قال تعالى (.. إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ)[77].. فكل الأعمال الصالحة يُثاب فاعلُها بحساب مُقدَّر يوم القيامة، أما الصابرون فيتضاعف أجرهم إلى ما لايعلمه إلا الكريم الأكرم سبحانه وتعالى ..
- من أعظم أسبـــاب مغفرة الذنوب .. يقول الله تعالى (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ)[78]
وهل منا أحدٌ إلا وله ذنبٌ يخشى أن يلقى الله عزَّ وجلَّ به؟! ..
نسأل الله أن يغفر لنا ويعفو عنا،،
- صلاة الله على الصابرين ورحمته لهم وهدايته إياهم .. يقول الله عزَّ وجلَّ (.. وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ  الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ )[79] .. وهي ثلاثة أمور، لم تُجمع لغير الصابرين .. فصلاة الله تعالى عليهم، أي: ثناؤه عليهم في الملأ الأعلى .. ورحمته لهم سبحانه وتعالى، بمثابة الوقود الذي يدفع العبد للعمل الصالح .. ويهديهم إلى سواء السبيل ..
فما أعظمها من بُشرى لعبـــاد الله الصـــابـــريــن.
- النصر لن يأتي إلا بالصبر .. قال رسول الله  ( واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا)[80]  .. فكل المشاكل التي تواجهك في الطريق، بداية من نفسك الأمارة بالسوء إلى مشاكل الأمة الإسلامية أجمع لن تُحل إلا بالصبر ..
عن خباب بن الأرت قال: شكونا إلى رسول الله  وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟، قال "كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون)[81].
- الصبر علاج للفتن .. فلن تستطيع أن تواجه الفتن إلا بالصبر، كما قال تعالى في قصة قارون وقومه {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ)[82]
- كما إنه يحفظك من آفـــات النفس .. كحب الانتقام والانتصار للنفس، قال تعالى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ..}[83] .. ويقول جلَّ وعلا (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ )[84]
- الصبر من عزم الأمور .. أي أجلَّها وأشرفها، يقول تعالى (لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[85]  .. وكان الصبر من وصايا لقمان لابنه، كما في قوله تعالى (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[86]
- الفهم عن الله تعالى، لا يُنال إلا بالصبر ..  فقد خصَّ الله عزَّ وجلَّ أهل الصبر وأهل الشكر بالانتفاع بآياته، تمييزًا لهم بهذا الحظ الموفور .. فقال تعالى في أربع آيات من كتابه الكريم (.. إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ)[87].
فلن تفهم الحكمة من الفتن والابتلاءات التي تُحيط بك، إلا إذا صبرت وتعلمت،
- لن تهنأ وتعيش الحياة الطيبة إلا بالصبر .. قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه (وجدنا خير عيشنا بالصبر) [88]
- بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين .. قال تعالى (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[89]  .. فلن تنجح في أي مجال في حياتك إلا بالصبر.
فلابد من الصبر في بداية الطريق، ثمَّ يأتي الله تعالى بعد ذلك بالفتح،،
- صفة أهل اليمين .. فقد خصَّهم الله تعالى بصفتي الصبر والرحمة، يقول الله عزَّ وجلَّ (.. الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ )[90]
- الصبر طريـــق الجنة .. فالجنة هي سلعة الله الغالية، ولن تصل إلى تلك المنزلة العالية إلا بالكثير من الصبر .. يقول الله جلَّ وعلا (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)[91].
سادسا: التوكل
التوكل على الله عبادة الصادقين، وسبيل المخلصين، أمر الله تعالى به أنبياءه المرسلين، وأولياءه المؤمنين، ابتدأ مشايخنا المتصوفة كلامهم فى التوكل بذكر بعض الاصول الشرعية للتوكل، كقوله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ)[92]، وقوله (وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[93]. والحديث الشريف: (عُرِضَتْ عَلَيَّ الأُمَمُ فَجَعَلَ النَّبِيُّ وَالنَّبِيَّانِ يَمُرُّونَ مَعَهُمْ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ حَتَّى رُفِعَ لِي سَوَادٌ عَظِيمٌ قُلْتُ مَا هَذَا ؟ أُمَّتِي هَذِهِ ؟ قِيلَ بَلْ هَذَا مُوسَى وَقَوْمُهُ ، قِيلَ انْظُرْ إِلَى الأُفُقِ فَإِذَا سَوَادٌ يَمْلأُ الأُفُقَ ثُمَّ قِيلَ لِي انْظُرْ هَا هُنَا وَهَا هُنَا فِي آفَاقِ السَّمَاءِ فَإِذَا سَوَادٌ قَدْ مَلأَ الأُفُقَ قِيلَ هَذِهِ أُمَّتُكَ وَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ هَؤُلاءِ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ فَأَفَاضَ الْقَوْمُ وَقَالُوا نَحْنُ الَّذِينَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ فَنَحْنُ هُمْ أَوْ أَوْلادُنَا الَّذِينَ وُلِدُوا فِي الإِسْلامِ فَإِنَّا وُلِدْنَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ ؟ فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجَ فَقَالَ : هُمْ الَّذِينَ لا كَانُوا لا يَكْتَوُونَ وَلا يَسْتَرْقُونَ وَلا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)[94].
والمتوكل على الله حقا يعلم أن الله كافل رزقه وجميع شؤون حياته فيركن له وحده - سبحانه وتعالى - ولا يتوكل على سواه، ويثق أنه لا معطي ولا مانع، ولا ضار ولا نافع، ولا قابض ولا باسط، ولا رافع ولا خافض ولا معز ولا مذل إلا هو تبارك وتعالى.
قال - صلى الله عليه وسلم -: ((لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا))[95]
ورغم ذلك فكثير من الناس يعتقد أن روحه.. وحياته.. ورزقه خاصة في يد عبد ضعيف مثله في استطاعته أن يعطيه ويمنع عنه، بل لا يتوانى عن جميع الموبقات والمحرمات من ربا ورشوة وخلافه معتقدا بذلك أنه أكثر ذكاء ودهاء من غيره من البشر.
وجميع أمور المسلم إذا لم يتوكل فيها على الله وخاصة قضية الرزق قضية خطيرة إذا لم يتوكل فيها الإنسان على الله حق التوكل فقد ضاع دنيا وآخرة.. ففي الدنيا يمحق الله البركة، وفي الآخرة العذاب الشديد.
ونحن نجد الناس تتكالب على الدنيا وكلُُُ ُ ينظر إلى ما في يدي أخيه، فالكل يجري ويلهث كالوحوش وإن كانت الوحوش تهدأ بعد الشبع وتأنف من الاقتراب من الفريسة.. فأين نحن من التوكل الحق؟
ومن المعلوم أن العمل والسعي كان دأب الرسل؛ فقد قال النبي - صلي الله عليه وسلم -: ((ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده))[96].
وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن زكريا - عليه السلام - كان نجارًا))[97].
التوكل: في اللغة هو الاعتماد على الغير في أمر ما، واصطلاحا: صدق اعتماد القلب على اللّه تعالى في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا([98]، وقال الجرجاني رحمه الله: التوكل هو الثقة بما عند اللّه، واليأس عما في أيدي الناس)[99] .
مكانة التوكل في القرآن
وقد عُني القرآن الكريم بالتوكل لبيان آثاره فقد أمر - سبحانه وتعالى - رسوله - صلى الله عليه وسلم - بالتوكل في تسع آيات في كتابه الكريم، منها:
(وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ... )[100].
(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا)[101].
(رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا)[102].
وذلك من أوائل ما نزل من القرآن الكريم حتى يستعين النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتوكل على الله في حمل الرسالة الثقيلة التي ألقاها الله عليه.
الأمر بالتوكل للمؤمنين عامة
قال - تعالى -: (... وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ)[103].
وقال - تعالى -: (... وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)[104]       
فالتوكل هنا شرط لثبوت الإيمان.
وقال - تعالى -: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [105]
فقد جعل الله - عز وجل - التوكل من الصفات الأساسية للمؤمنين.
التوكل خلق الرسل جميعا
فقد جاء على لسان الرسل جميعا في قوله - تعالى -: (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) [106]
قال - تعالى - على لسان سيدنا إبراهيم والذين معه: (... رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ)[107].
مكانة التوكل في السنة
عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من قال - يعني إذا خرج من بيته بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هُديت ووُقيت وكُفيت، فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هُدي وكُفي ووُقي؟))[108].
وفي الصحيحين في حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب من هذه الأمة وُصفوا بأنهم: ((هم الذين لايكتوون، ولا يسترقون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون))[109].
لابد هنا من لفت الانتباه إلى ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أنّ التوكل لا ينافي أخذ الأسباب.
فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: قال رجل: يا رسول اللّه أعقلها وأتوكّل، أو أطلقها وأتوكّل؟- لناقته- فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكّل»[110] .
الأمر الثاني: تتخذ الأسباب وإن كانت ضعيفة في نفسها.
ولذلك أمر الله تعالى أيوب عليه السلام أن يضرب الأرض برجله بعد أن دعا لمرضه، وهل ضربة الصحيح للأرض منبعة للماء؟ لا، ولكن الله يريد أن يعلمنا أنه لابد من اتخاذ السبب ولو كان ضعيفاً، فالأمر أمره، والكون كونه، ولكن لابد من فعل الأسباب.
ولما أراد الله أن يطعم مريم وهي في حالة وهن وضعف أمرها أن تهز جذع النخلة؛ لأن السبب يتخذ ولو ضعف.
الأمر الثالث: أن لا يعتمد عليها، وإنما يجعل اعتماده على الله تعالى.
ابذل السبب ولو كان يسيراً، واعلم أنّ الله هو مسبب الأسباب، ولو شاء أن يحول بين السبب وأثره لفعل سبحانه، ولذا لما أُلقي إبراهيم في النار لم يحترق لأن الله قدر ذلك، وإسماعيل عليه السلام لما أمرَّ أبوه السكين على عنقه وهي سبب في إزهاق الروح لم تزهق روحه لأن الله لم يأذن في ذلك.
والمسلم الحق عليه أن يلجأ إلى الله تعالى في كل أحواله، فلا أشقى من عبد وكله الله إلى نفسه، قال سبحانه ( وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفى بِاللَّهِ وَكِيلا)[111].
الوكيل من أسماء الله - عز وجل -
الوكيل هو الذي يتولى بإحسانه شؤون عباده كلها فلا يضيعها لكن يأخذ بأيديهم فيما فيه مصلحتهم، فأحيانا تحدث مشاكل في الحياة كنقص في الرزق، فشل في الدراسة، أولاد بعيدين عن الله، أشخاص تعاني في حياتها الزوجية.. أثناء ذلك تحتاج للوكيل وتلجأ إليه.
والله عندما يسد طريقا عن الإنسان يفتح طرق عديدة.. إذا أظلمت الدنيا أمامك في لحظة اعلم أن الوكيل سيفتح لك طرقا أخرى تسعدك. فما منعك إلا ليعطيك وما ابتلاك إلا ليعافيك.
تلجأ للوكيل في شؤونك الدنيوية.. تثق به.. وتُسلم له جميع أمور حياتك وتعطيه مفتاح أسرارك..
    جاء فى كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى: الوكيل : الحفيظ المحيط ، وقيل : الشهيد . وهو المقيم الكفيل بأرزاق العباد القائم عليهم بمصالحهم ، وحقيقته أنه يستقل بالأمر الموكول إليه ، فالخلق والأمر كله له لا يملك أحد من دونه شيئاً ، وقيل : الحافظ ، الذي توكل بالقيام بجميع ما خلق .
وقيل : الكفيل ونعم الكفيل بأرزاقنا .
وقيل : الكافي ونعم الكافي .
وقوله تعالى : ( وقالوا حسينا الله ونعم الوكيل )[112]. أي كفانا الله ، ونعم المولى وليه وكفله ، والوكيل في كلام العرب هو المسند إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره ، ولما كان المؤمنون المذكورون في هذه الآية قد فوضوا أمرهم إلى الله ووثقوا به ، وأسندوا ذلك إليه ، وصف نفسه بقيامه بذلك ، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة فقال : ونعم الوكيل تعالى لهم . وتوكيل العبد ربه تسليم لربوبيته وقيام بعبوديته ، والله له الوكالة التامة وهي التي تجمع علم الوكيل بما هو وكيل عليه ، وإحاطته بتفاصيله وقدرته التامة عليه ليتمكن من التصرف فيه وحفظ ما هو وكيل عليه مع حكمته ومعرفة بوجوه التصرفات ليصرفها ويدبرها على ما هو الأليق .
والله سبحانه هو المنزه عن كل نقص في أي صفة من صفاته ، وهو على كل شيء وكيل ، وهذا يدل على إحاطة علمه بكل شيء ، وكمال قدرته على التدبير ، وكمال تدبيره ، وكمال حكمته ، فهو نعم الوكيل)[113] .
من أسماء الرسول :المتوكل
    و من أسماء رسول الله صلى الله عليه و سلم " المتوكل " كما في الحديث: "  و سميتك المتوكل " [114] وإنما قيل له ذلك لقناعته باليسير والصبر على ما كان يكره، و صدق اعتماد قلبه على الله عز وجل في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والأخرة و كلة الأمور كلها إليه، و تحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه، و لكم في نبيكم أسوة حسنة وقدوة طيبة، فلابد من الثقة بما عند الله واليأس عما في أيدي الناس، وأن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك، وإلا فمن الذي سأل الله عز وجل فلم يعطه، ودعاه فلم يجبه و توكل عليه فلم يكفه ، أووثق به فلم ينجه؟ إن العبد لا يؤتى إلا من قبل نفسه، و بسبب سوء ظنه، وفي الحديث: " أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء " و الجزاء من جنس العمل، فأحسنوا الظن بربكم و توكلوا عليه تفلحوا ، فإن الله يحب المتوكلين .
     فالتوكل عباده من كمال الإيمان يتبعها صبر ورضا وشكر فهى البدايه لكل هذه المعانى الإيمانيه الجميله التى نفتقدها فى عصرنا هذا ولو وجدت لوجدت الراحه والسعاده .. ونلت محبة الله.
سابعا: الصدق
   مما لاشك فيه أن أعظم زينة يتزين بها المرء في حياته بعد الإيمان هي زينة الصدق، فالصدق أساس الإيمان كما إن الكذب أساس النفاق، فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يحارب الآخر.
 الصدق بمعناه الضيق مطابقة منطوق اللسان للحقيقة، وبمعناه الأعم مطابقة الظاهر للباطن، فالصادق مع الله ومع الناس ظاهره كباطنه ، ولذلك ذُكر المنافق في الصورة المقابلة للصادق، قال تعالى : (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِين..َ)[115] .
  والصدق التزام بالعهد، كقوله تعالى: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)[116]، والصدق نفسه بجميع معانيه يحتاج إلى إخلاص لله عز وجل ، وعمل بميثاق الله في عنق كل مسلم ، قال تعالى : (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ )[117]، فإذا كان أهل الصدق سيُسألون، فيكف يكون السؤال والحساب لأهل الكذب والنفاق ؟
 الصدق خلق جامع لأبواب الخير الموصلة إلى الجنة، فلا يجتمع كذب وإيمان في قلب مؤمن، قال تعالى: (إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون)[118]  وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :« كُلِّ خُلَّةٍ يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ إِلا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ »[119]  فقد يجبن المسلم أو يبخل ولكنه لا يكذب، (قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا ؟ فَقَالَ: (نَعَمْ)، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ:( نَعَمْ )، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا ؟ فَقَالَ: ( لَا ))[120].  والصدق يورث محبة الله عز وجل، وقد أخبر الله تعالى أنه لا ينفع العبد يوم القيامة وينجيه من العذاب إلا صدقه، ومن كان الصدق وسيلته كان الرضا من الله جائزته، قال الله سبحانه وتعالى ( هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم)[121]
   وهو خلق من أخلاق الإسلام الرفيعة، وصفة من صفات عباد الله المتقين، ولذلك فقد وصف الله نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - بأنه جاء بالصدق، وأن أبا بكر وغيره من المسلمين هم الصادقون، قال تعالى: (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[122].
     كما أن التحلي بالصدق كان من أوليات دعوته - صلى الله عليه وسلم-؛ كما جاء مصرحاً بذلك في قصة أبي سفيان مع هرقل كما عند البخاري ومسلم، وفيها أن هرقل قال لأبي سفيان: فماذا يأمركم؟ يعني النبي -صلى الله عليه وسلم- قال أبو سفيان يقول: (اعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَاتْرُكُوا مَا يَقُولُ آبَاؤُكُمْ ؛ وَيَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّدْقِ وَالْعَفَافِ وَالصِّلَةِ)[123].
     وقال عن صحابة رسوله الأخيار: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)[124]
    ويكفي الصدق شرفاً وفضلاً أن مرتبة الصديقية تأتي في المرتبة الثانية بعد مرتبة النبوة؛ قال الله تعالى: (وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)[125].
     تتمثل هذه الخصلة عند أولياء الله في صدق النية مع الله ، وصدق النقل للخبر عن الله وصدق التطبيق لأمر الله من خلال الاستقامة ، وهي عندهم عين الكرامة  كما ورد الأثر القدسي عن الصالحين : ( كن لي كما أريد أكن لك كما تريد)[126]
عن الشافعي، عن فضيل، قال:قال داود النبي صلى الله عليه وسلم: إلهي كن لابني سليمان من بعدي كما كنت لي. فأوحى الله - تعالى - إليه: «يا داود، قل لابنك سليمان: يكون لي مثلما كنت لي؛ أكن له كما كنت لك فأنت تريد الكرامة وأنا أريد الاستقامة )[127]
ويوافق هذا الأثر قوله صلى الله عليه وسلم : (اسْتَقِيمُوا يُسْتَقَمْ لَكُمْ) [128] يقول الله تعالى   فمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)[129]. فبصدقهم رضوان الله عليهم بالقول و العمل مع الله كانوا من المقربين الأحرار والأئمة الأخيار ..
لقوله تعالى: ( وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ * لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ )[130]
      والصدق عند الشيخ عبد القادر الجيلانى عماد كل أمر وتمامه، وهو ثانى درجة بعد النبوة قال تعالى: (فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ)[131]، وفرض الله الدائم الذى يقبل بعد الفرض المؤقت)[132]، وسيف الله فى أرضه)[133]، وصحة التوحيد وعلامة المحبة التى تستهين بالموت.. كما قال تعالى: (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[134]
    ثامنا: التوبة والتطهر
    التوبة
     تعرِض للإنسان الذنوب والمعاصي ويقترف منها كثيرًا على مدار حياته.. وفي الحديث: "كلّ ابنِ آدم خطَّاء"، وهذه مثل الأوساخ والأقذار التي تعترضه أيضًا كثيرًا، ومثلما أُمِرَ أن يتطهر ويواظب على الطهارة والتطهّر، أمر أن يتوب ويواظب على التوبة لمشابهة الحالين. بل إن التوبة مقصدٌ من مقاصد خلق الإنسان؛ كما في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو أنكم لا تخطِئون لأتَى الله بقوم يخطئون يغفر لهم"؛ ذلك أن من أسماء الله "التوَّاب"، وهو اسمٌ للهِ تعالى قبل أن يخْلُقَ من يتوب عليهم؛ فخلق عبادَه ليتوب عليهم.. قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللهَ هوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾[135].
 التوبة هي الرجوع عن اختيار الشيطان، مرجعا ودليلا في الحياة، الى الله عز وجل، وصراطه المستقيم. اذا كانت الشريعة هى الاساس الذى يقوم عليه الطريق الصوفى.. فان التوبة هى أول مراتب السالكين لهذا الطريق، فالتوبة إلى الله من الذنوب والآثام واجبة لقول الله تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[136]، وفي هذه الآية إشارة خاصة وبشارة عامة: أما البشارة فهي علم العصاة والطائعين والموافقين والمخالفين بلفظ الإيمان وسماهم مؤمنين لئلا تتمزق قلوبهم من خوف القطيعة، وأما الإشارة الخاصة ففيها أمرهم مع طاعتهم بالتوبة لئلا يعجبوا بطاعتهم ويصير عجبهم حجبهم فتساوى في ذلك الطائع والعاصي.
   وقال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً)[137]. وسواء في ذلك الكفار والمسلمون العاصون، فقد قال الله تعالى بعد ذكر عقيدة اليهود والنصارى: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[138]. وأكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ)[139]..
    و(عن ابن عمر رضي اللّه تعالى عنهما، قال‏:‏ كنّا نعدُّ لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في المجلس الواحد مِئَةَ مرّة‏:‏ ‏"‏ربّ اغْفِرْ لي وَتُبْ عَلَيَّ إنَّكَ أنْتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ)[140].
لا شك أن أول التوبة الاستغفار المتضمن علما وحالا وعملا. وعلى ذلك، فإن الاستغفار هو درجة «العلّيين»، وهو اسم واقع - بحسب الإمام علي كرم الله وجهه على ستة معان: أولها الندم على ما مضى، وثانيها العزم على ترك العود إليه أبدا، وثالثها أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس لك تبعة، ورابعها أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، وخامسها أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان، حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد، وآخرها أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية، فعند ذلك تقول: أستغفر الله!)[141] انتهى
      ان الله تعالى ، يعلم ان العبد يضعف امام زينة الحياة الدنيا الى حد ما، فيأخذه الشيطان الى مهاوي الردى، غير ان لحظة حضور لمقومات الفطرة النقية تظهر في حياة ذلك العبد، تكشف عن عمق التردي والغواية التي يعيشها، فيحسم كل هذا السقوط لصالح الحق والايمان، فتصفو الفطرة ويصفو الاختيار فتكون المغفرة، يقول الله تعالى:( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[142].
   وقد اختبرنا الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم ، في الحديث الذي يرويه عن ربه عز وجل:( فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبّهِ عَزّ وَجَلّ قَالَ: " أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً. فَقَالَ: اللّهُمّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْباً، فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذَ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ . فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ: عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْباً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. ثُمّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ: أَيْ رَبّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي . َفقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَىَ أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبَاً. فَعَلِمَ أَنّ لَهُ رَبّا يَغْفِرُ الذّنْبَ، وَيَأْخُذُ بِالذّنْبِ. اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ)[143].
     ان التوابين هم الذين يحققون احد اسماء الله الحسنى وصفاته ألا وهو(التواب)، الذي يدل على ان الله عز وجل، اوجب محبته لمن اكثر من الرجوع اليه تائبا، وان كثرت ذنوبه، ولذلك كانت التوبة طريقا الى محبة الله للأنسان.
التَّطَهُّر
معنى التَّطَهُّرِ، وأنواعُه:
قال الإمام الراغب[144]، والفتح أقيس لأنها خلافُ طمثتْ؛ ولأنه يقال: طاهرة وطاهر؛ مثل: قائمة وقائم وقاعدة وقاعد. والطهارة ضربان: طهارةُ جسم وطهارة نفس، وحُمِل عليهما عامَّةُ الآيات. يقال: طهَّرته فطَهُر وتطَهَّر واطَّهَّر فهو طاهر ومتَطَهِّر.
قال تعالى: ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ﴾[145]؛ أي استعملوا الماء أو ما يقوم مقامَه، وقال: ﴿ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ﴾[146]، فدل باللفظين على أنه لا يجوز وطؤُهُنَّ إلا بعد الطهارة والتطهير[147] ويؤكد قراءة من قرأ: [حتى يطهرن] أي: يفعلن الطهارة التي هي الغسل. قال تعالى: ﴿ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾[148]؛ أي التاركين للذنب والعاملين للصلاح، وقال: ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ﴾[149]، و﴿أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ﴾[150]، و﴿ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾[151]؛ فإنّه يعني تطهير النفس. و﴿ وَمُطَهِّرُكَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾[152]؛ أي مخرجُك من جُملتهم ومنـزِّهُك أن تفعل فعلهم، وعلى هذا ﴿ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ﴾[153]، ﴿ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ ﴾[154]، ﴿ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ ﴾[155]، ﴿ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ ﴾[156]، ﴿ لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ﴾[157]؛ أي إنه لا يبلُغ حقائق معرفته إلا من طهَّر نفسه وتنقى من درن الفساد)[158]
وقوله: ﴿ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ ﴾[159] فإنهم قالوا ذلك على سبيل التهَكُّم حيث قال لهم: ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾[160]، وقوله تعالى: ﴿ لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ ﴾[161]؛ أي مطهراتٌ من درن الدنيا وأنجاسها( قال قتادة: طهرهن الله من كل بول وغائط وقذر ومأثم..)[162] وقيل: من الأخلاق السيئة بدلالة قوله:   ﴿عُرُباً أَتْرَاباً ﴾[163]، وقوله في صِفَة القرآن: ﴿مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ﴾[164]، وقوله: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾[165]  قيل: معناه نفسك فنقِّها من المعايب، وقوله: ﴿وَطَهِّرْ بَيْتِي﴾[166]، وقوله: ﴿ وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِي ﴾[167]  فحثَّ على تطهير الكعبة من نجاسة الأوثان، وقال بعضهم: في ذلك حثٌّ على تطهير القلب لدخول السكينة فيه المذكورة في قوله: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنزلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[168].
 والطّهُور قد يكون مصدرًا فيما حكى (سيبويه)[169] في قولهم: تطهَّرتُ طهورًا وتوضَّأْت وضُوءًا فهذا مصدر على فعول ومثله وقدت وقودا، ويكون اسمًا غير مصدر كالفطور في كونه اسمًا لما يُفْطَر به ونحو ذلك الوجور و(السّعوط)[170] والذّرور، ويكون صفة كالرَّسُول، ونحو ذلك من الصفات وعلى هذا ﴿ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً ﴾[171] تنبيها أنه بخلاف ما ذكره في قوله :         ﴿ وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ ﴾[172]، ﴿ وَأَنزلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً ﴾[173] قال أصحاب الشافعي - رضى الله عنه -: الطهور بمعنى المطهر، وذلك لا يصحّ من حيث اللفظ؛ لأن فَعولا لا يبنى من أفعل وفَعُل، وإنما يُبنى ذلك من فعل([174]).  وقيل: إن ذلك اقتضى التطهير من حيث المعنى، وذلك أن الطاهر ضربان: ضربٌ لا يتعداه الطهارة كطهارة الثوب فإنه طاهر غير مطهَّر به، وضرب يتعداه فيجعل غيره طاهرًا به، فوصف اللهُ تعالى الماءَ بأنه طهور تنبيهًا على هذا المعنى [175]
   وقال ابن الأثير:  طهر فيه "لا يَقْبلُ اللهُ صلاةً بغير طُهُور" الطُّهُور بالضم: التَّطَهُّر وبالفَتح الماءُ الذي يُتَطهَّر به كالوُضُوء والوَضوء والسُّحُور والسَّحور. وقال سيبويه: الطَّهور بالفتح يقَع على الماء والمصْدَر مَعًا فَعَلى هذا يجوز أن يكونَ الحديث بفتح الطاء وضمِّها والمرادُ بهما التطهُّر. وقد تكرر لفظُ الطَّهارة في الحديث على اختلافِ تصرُّفِه. يقال: طَهَر يَطْهُر طُهْرًا فهو طاهِر، وطَهُر يَطْهُر وتَطَهَّر يَتَطَهَّر تَطهُّرًا فهو مُتَطهِّر. والماء الطَّهُور في الفِقْه هو: الذي يَرفَعُ الحدَث ويُزيل النَّجَسَ لأن فَعُولاً من أبْنية المُبَالغة فكأنَّه تنَاهى في الطَّهَارة. والماءُ الطَّاهرُ غيرُ الطَّهُور هو: الذي لا يَرْفَع الحدَث ولا يُزِيل النَّجَسَ كالمُسْتَعْمَل في الوُضوء والغُسْل، ومنه حديث ماء البحر (هو الطَّهُورُ ماؤُه الحِلُّ مَيْتَتُه)[176].؛ أي (المُطَهِّر)[177]
 ونخلُص من قول الإمامين بجملة معانٍ هي:
- الطهر والطهارة والتطهر والطهور مشتقات من أصلٍ واحد هو "طهر"، وتدور كلها حول: النظافة، وتنقية الخبث الحسي الملموس والمعنوي المدرك بالعقل والمنعكس في الأفعال النافعة النقيّة.
 - بين هذه المشتقات خلافٌ؛ حيث يختص كل مشتق بمعنى في التطهر، وهو أصلُها جميعا، فالطهر اسمٌ جامع لكل شيءٍ نقيٍّ من الخبث والنجس، وأيضًا بمعنى الطِّيبة؛ فالطاهر: الطيِّب، والطهارة: النظافة وتُطلق على الختان. والطهارة شرطٌ لممارسة أركان الدين كالصلاة والصيام والحج؛ لكن طهارةَ الصلاة يشترط فيها أن تكون طهارة من الحدثين الأكبر والأصغر، و(طهارة الحج)[178] والصوم يشترط فيها الطهارة من الحدث الأكبر فقط (كالجنابة والحيض والنفاس).  والطهارة أيضًا الزكاة؛ أي طهارةُ المال من حقِّ من لهم فيه حقّ.. قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾[179]. كما تجب الطهارة على من دخل الإسلام لتوِّه؛ لحديث فاطمة بنت الخطاب مع أخيها عمر -رضي الله عنهما- فقد اشترطت عليه الطهارة حتى يمس (الصحيفة التي فيها قرآن)[180]  وبين العلماء خلافٌ في حكم طهارة الداخل في الإسلام لتوِّه؛ بحيث يغتسل، ويتوضأ، ويختتن إن كان غير مختتن، ويدور خلافهم ما بين استحباب هذه الأمور ووجوبها.. إلخ.
 - أما التَّطَهُّر فهو المجاهدة ضد الخبائث بكل أنواعها.. الحسية كالبول والغائط والجنابة والحيض والنفاس، وما يَطال الثوب والجسم من نجاساتٍ في الطريق ونحوه، وكذلك الخبائث الباطنية المعنوية كالكبر والحسد والرياء والشركيات والبدع بسائر أصنافها وأنواعها، والتطهر محل محبة الله تعالى، وهو درجةٌ أعلى من الطهر والطهارة؛ لأنَّ كل واحد من هذين مرةً واحدة، أما هذا فيوالى بينه، ويحدثه المرء مرَّة بعد مرة.. كلما أصابته نجاسة أو خَبَث سارع بالتطهر منه بالغسل والمسح والصعيد الطيِّب، والاستغفار والتوبة والذكر ومحاسبة النفس وتنقيتها، وهذا التطهر بمعنى جهاد النفس؛ بل هو أعمُ منه؛ حيث يشمل أيضًا التطهر المادي الذي لا يشمله جهاد النفس الذي قيل عنه في الحديث جهاد أكبر.
- وأما الطَّهُور فهو الشيء المطهر به كالماء، وخُصّ في الفقه بماء الوضوء؛ فيقال جئت النبي - صلى الله عليه وسلم - بطَهور أي بماء ليتوضأ.
 - والطُّهْر ضد لكل نجس وخبث وحدث وطمث ورجس وإثم ورذيلة وخسة وقبح. فهو اسم جامع لكل طيّب وفاضل ونقي وشريف.. إلخ.
- والتطهر هو فعل الطهر؛ فالمتوضئ متطهر من الحدث الأصغر؛ والمغتسل متطهر من الحدث الأكبر، والمستغفر متطهر من الإثم الذي اقترفه.. إلخ.
التطهر من النفاق وأمراض النفس:
يقول تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾[181].
 والمطَّهِّرون في هذه الآية يعني المُتَطَهِّرِينَ.. أدغم فيها المثلين التاء مع الطاء فصارا طاءً مشدَّدة ولا تُغَيِّرُ المعنى.
 والمطَّهِّرون هؤلاء أناسٌ كانوا يقيمون بمسجد قباء، أو هم الأنصار، على خلافٍ فيه، وكل الأدلة في سكّان قباء وفي الأنصار صحيحة، ويبدو أنهم مجموعةٌ من الأنصار كانوا يقيمون في مسجد قباء. إلا أنه ثمّة خلافٌ آخر حول المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم هل هو مسجد قباء أم مسجدُ رسولِ الله  صلى الله عليه وسلم ؛ فكلاهما أسِّسَ على التقوى من أول يومٍ، وكلاهما بناه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، وكلاهما قامَ فيه، ومن الأحاديث في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.. قال أبو سعيد الخدري - رضى الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هو مسجدي هذا)[182]..  وفي مسجد قباء عن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء ﴿ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ﴾.  قال: كانوا يستنجون بالماء فنـزلت فيهم هذه الآية)[183]
وقال السعدي - في تفسيرها -: وسألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بعدما نزلت هذه الآية في مدحِهم عن طهارتهم، فأخبروه أنهم يُتبعون الحجارة الماء فحمدهم على صنيعهم، وقال القرطبي: ثبَت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - "كان يحمل الماء معه في الاستنجاء؛ فكان يستعمل الأحجار تحفيظًا والماء تطهُّرًا". قال ابن العربي: وقد كان علماء القيروان يتخذون في متوضأتهم أحجارًا في تراب ينقون بها ثم يستنجون بالماء.
 فيستخلص من الآية - وبالمقارنة مع حال متخذي مسجد الضرار - أن هؤلاء المتطهرين كانوا على العكس منهم تمامًا؛ فهم اتخذوا مسجدهم نفعًا لا ضرارا وإيمانًا لا كفرًا، وتجميعًا بين المؤمنين لا تفريقًا بينهم، وإرصادًا لمن حارب مع الله ورسوله لا لمن حاربهما، وقد أرادوا الحسنى بالفعل والله شهد بصدقهم وزكاهم وأحبَّهم وأعلى ذكرهم في العالمين. وهذا - والله أعلم - هو معنى ﴿ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا ﴾. ثم إنه معلوم أن المحترز من الأحداث محترز أكثر من الشرِّ والضُّرِّ والكفر والتفريق وسائر العظائم والكبائر.
 خلاصة هذا السبب:
بجمع آيتي البقرة والتوبة يتبيَّن أن التطهر من كل نجاسةٍ وحدث وخبث.. ظاهرًا كان أو باطنًا.. هو ما يحبُّه الله تعالى، وما يحبُّ فاعلَه.. نسألُ اللهَ العلي الكبير أن نكون من المتطهرين ومن أحبائه، إنه نعم المولى ونعم المجيب.
      (التطهر)، فهو فعل مادي ومعنوي يشمل الجسد والروح فينقيهما من القذارة المادية والمعنوية، لذلك فأن الطهر الروحي والمادي، يعدان طريقا لنيل محبة الله عز وجل، ذلك ان علو مقام الله عز وجل، يفترض علو مقام الذين يحبهم، ويمثل الطهر الروحي والمادي احد مظاهر هذا العلو، فالقذرون ماديا تنفر منهم الكائنات البشرية، والقذرون روحيا- مثل المشركين والكفار والمنافقين والكاذبين والظلمة ومن سار على دربهم وسلك سبيلهم – تنفر منهم العقول المؤمنة النقية، انهم وسخ الارض.   
ومن الأسباب الداعية لشكر المولى عز وجل ما وعد به سبحانه وتعالى عباده المطهرين من خير عميم بسبب المحافظة على الطهارة بمعناها الشامل: طهارة الروح والبدن. ففي حديث نبوي شريف يشبه النبي صلى الله عليه وسلم طهارة الصلوات الخمس بمن يغتسل في نهر خمس مرات في اليوم والليلة، حيث يقول:
« عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: " أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ ، قَالُوا  لَا يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا ، قَالَ : فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا »[184] .
 وفي حديث آخر: «من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره»[185] ، فالصلاة إذن هي عبارة عن إقبال العبد على ربه بقلبه وجميع بدنه، وقد توضأ فأحسن الوضوء واستقبل القبلة بقلبه، وقدم على ربه، وجاهد كلا من وساوس الشيطان ووساوس النفس، وهنالك يكفر الله سيئاته ويمحو خطاياه. ومع أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، فإن طائفة من المصلين لا ينتهون رغم ذلك عن إتيان مثل هذه الأشياء، وذلك ليس عيب الصلاة وإنما عيبهم لأنهم لا يؤدونها على وجهها التام، ولا يقيمونها كما أمرهم المولى عز وجل.
       فالمقصود من إقامة الصلاة تأديتها بكامل شروطها وأركانها وواجباتها الظاهرة والباطنة، مع مراعاة الخشوع فيها والانسلاخ من شؤون الدنيا ومتعلقاتها.  يتحصل مما سبق إذن أن قيمة التطهر تعد من أهم القيم الروحية التي تتضمنها الصلاة، بحسب فهم المتصوفة الذين أولوا اهتماما وعناية كبيرة بمبحث التزكية، غير أن المقصود بالتطهر في عرفهم ليس المعنى الفقهي المتعارف عليه عند الفقهاء، والذي هو شرط ضروري لصحة الوضوء ومن ثم الصلاة، وإنما التطهر الأخلاقي بحيث يصبح ذلك الشرط بمثابة خصيصة لا تنفك عنها الصلاة في كل حركة من حركاتها وبحيث تلازم المصلي في قيامه وركوعه وسجوده على حد سواء.
     ومن هنا كان حديثهم عن آداب الوضوء والطهارات بصفة عامة، وفي ذلك يقول السراج الطوسي: إن أول أدب يحتاج إليه في باب الوضوء والطهارات: طلب العلم وتعلمه، ومعرفة الفرائض والسنن، وما يستحب وما يكره من ذلك، وما أمر به وما
ندب إليه وما رغب فيه للفضيلة. فأما المتصوفة ومَن ترك الأسباب، وخرج عن الاشتغال، وفرغ نفسه للعبادة والزهد، فلا عذر لهم في ترك التوقي والتقى والاهتمام بإسباغ الوضوء والتمسك بالاحتياط والأتم في أبواب الطهارة والنظافة لقول الله تعالى: «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ».
      ثم يعدد بعد ذلك آدابهم الباطنية في الطهارة فيقول: أن يكونوا دائما على الطهارة في سفرهم، لأنهم لا يدرون متى تأتيهم المنية، لقول الله تعالى: «فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ»، يريدون بذلك، إن جاءهم الموت بغتة يخرجوا من الدنيا على الطهارة. وينقل عن عيسى القصار الدينبوري قوله: هب أن الفقر من الله تعالى، فما بال الوسخ؟ إن أحب الأشياء إلى المتصوفة النظافة، والطهارة، وغسل الثوب، والمداومة على السواك، والنزول عند المياه الجارية، والاغتسال كل يوم جمعة، والرائحة الطيبة، وأطيب الطيب: الماء الجاري، والمداومة على الاغتسال، وتجديد الوضوء وإسباغه)[186]. انتهى
      وهم ينطلقون في ذلك من القول بأن الإسلام يوجب على المرء أن يتطهر من جميع الأوساخ الظاهرة منها والباطنة حتى يكون متشبها بالملائكة الكرام المنزهين عن سائر المخلوقات العابدين لربهم بتلك الطاهرة التامة الكاملة. ولعل ذلك هو ما دفع الشعراني لأن يقول في كتابه «البحر المورود»: أخذ علينا العهود أن لا ننام قط إلا عن طهارة باطنة، فإنها كالظاهرة سواء بسواء، وذلك كأن ينام أحدنا والعياذ بالله عن غل أو حسد أو غش أو مكر أو خديعة أو تكبر أو ساخطا على تقدير به)[187].
       ان طهر الروح بالتوحيد، وطهر الجسد بالغسل والوضوء ، يعدان اعلى مقامات الطهر، لذلك كان المطهرون، احباء الله سبحانه وتعالى ،لأنهم في مقامات الانسانية العالية، التي تحقق بفعل جهادي حضاري ايماني عملي شامل، دليله كتاب الله عز وجل، وسنة الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ومآله(محبة الله)، وهي ارقى اشكال الحب الذي لايقارن بحب غيره.
     ونختم هذا الفصل ونقول: إذا عاد أحدنا إلى نفسه، وشعر بأن شعاعا من محبة الله يسري إلى قلبه، ونظر فوجد أن الله قد أقامه من شؤون الحياة ووظائفها فيما يرضيه وصرفه عما لا يرضيه، فلترقص الفرحة بين جوانحه، إذ كان - وهو التافه الحقير-  مكانا لعناية الله به والتفاته إليه، وإقامته له مقام الوداد والقرب منه.  أما إن عاد إلى نفسه فرآها محجوبة عن شمس الهداية، غارقة في ظلمات الأوهام، وعاد إلى سلوكه فرأى نفسه سجينا في أودية المعاصي والآثام، شاردا عن ساحة الطاعات والعبادات، فليعلم إذن، أن هذا هو عنوان منـزلته عند الله، وليعلم أنه إن طال به الوضع على هذه الحال، فإنما هو نذير شقاء دائم لا مردّ له ولا رجوع عنه. فإذا كانت ذاته عزيزة عليه، ولم تكن قد هانت عليه إلى درجة اللامبالاة، فليتدارك شأنه اليوم ولينتهز الفرصة التي لا تزال سانحة أمامه. سبيلُ هذا التدارك أن يدخل على الله من باب الفاقة والذل، وأن يشكو إليه حاله، وأن يعتذر إليه بضعفه وعجزه، وليناجه قائلا: “لئن طردتَني يا رب عن منازل تكريمك وعن مدارج توفيقك، فحاشاك أن تطردني من أبواب رحمتك المفتّحة أمام جميع عبادك. وها أنا يا سيدي قد وفدت إليك من بابك هذا، وارتميت بنفسي في أعتاب كرمك، وكلّي ضعف وعجز وذل وهوان، فاجعل من ضعفي المتهالك وذلي المنكسر شفيعاً لي بين يديك".
     ألا ولنعلم أننا إن تداركنا أمرنا فدخلنا على الله من هذا الباب، فلسوف يستجيب دعاءنا ويقبل رجاءنا ويذيقنا بَرْدَ ألطافه الخفية ومغفرته الواسعة.
    وبذلك يصل الإنسان إلي هذه الدرجة العليا بالتقرب إلي الله سبحانه وتعالي بهذه
النوافل ، فإذن كثرة هذه النوافل وإخلاصها لله جل وعلا تقرب العبد من الله جل وعلا ولذلك جاءت نصوص أخرى مؤيدة لهذا (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ )[188]..
تاسعا: صلة الأرحام و بر الوالدين
 عن قتادة عن رجل من خثعم قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في نفر من أصحابه قال قلت: أنت الذي تزعم أنك رسول الله؟ قال: "نعم"، قال قلت: يا رسول الله أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: "إيمان بالله"، قال قلت: يا رسول الله ثم مه؟ قال: "ثم صلة الرحم" الحديث.
 أولاً: صلة الأرحام:
وصلة الرحم أمر كبير في الإسلام.. أكد عليه القرآن والسنة كثيرًا، وتوعَّدا قاطعي أرحامَهم.. قال الله  عز وجل: ﴿ وَاتَّقُوا الله الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ ﴾[189].. قال القرطبي: الرحم اسم لكافة الأقارب من غير فرق بين المحرم وغيره)[190]، وقال الطبري: بمعنى واتقوا الأرحام أن تقطعوها؛ لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهر من الأسماء على مكنيٍّ في حال الخفض إلا في ضرورة شعرٍ على ما قد وصفت قبلُ)[191]، وقال تعالى: ﴿ وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله﴾[192]. يعني في الميراث، قال قتادة: كان المسلمون يتوارثون بالهجرة[193]، فبين الله تعالى أن القرابة أولى من الحلف فتركت الوارثة بالحلف وورثوا بالقرابة([194])، وقال - عز وجل:           ﴿وَاعْبُدُوا الله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾[195] عطف على الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى القرابات من الرجال والنساء، كما جاء في الحديث: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة" ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾، عن ابن عباس: يعني الذي بينك وبينه قرابة... وقال أبو إسحاق عن نوف البكالي في قوله ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى ﴾: يعني الجار المسلم... وعن علي وابن مسعود: ﴿ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى﴾ يعني المرأة([196] وعن أبي أيوب الأنصاري - رضى الله عنه - أن رجلا قال: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، فقال القوم: ما له ما له؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرب ما له". فقال النبي - صلى الله عليه وسلم: "تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم ذرها"؛ قال: كأنه كان على راحلته[197]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا يدخل الجنة قاطع)[198]؛ أي قاطع رحم، والمراد به هنا من استحل القطيعة، أو أي قاطع والمراد لا يدخلها قبل أن يحاسب ويعاقب على قطيعته، وقطع الرحم هو ترك الصلة والإحسان والبر بالأقارب([199])، وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ من خلقه قالت الرحم: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك". قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "فاقرؤوا إن شئتم ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾[200]، وعن عبد الرحمن بن عوف - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (قال الله تعالى: أنا الرحمن وهي الرحم، شققت لها اسمًا من اسمي من وصلها وصلته ومن قطعها بتته)[201] وإذًا فالرحم مشتقة من اسم الله الرحمن، وقد وعد - سبحانه وتعالى - من وصلها أن يصله وصلته سبحانه من محبته، كما توعد من قطعها بقطعه وهو - سبحانه وتعالى - لا يقطع إلا من يبغضه.
 ثانيًا: بِرُّ الوَالِدَين:
عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - قال: سألتُ النبي - صلى الله عليه وسلم -، أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها". قال: ثم أيّ؟ قال: "ثم بِرُّ الوالِدَين"
 قال النووي - رحمه الله تعالى -: وأما بر الوالدين فهو الإحسان إليهما، وفعل الجميل معهما، وفعل ما يسرهما. ويدخل فيه الإحسان إلى صديقهما، كما جاء في الصحيح "أن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه)[202]، وضد البر: العقوق... قال أهل اللغة: يقال برِرْت والدي -بكسر الراء- أبرُّه -بضمها، مع فتح الباء- برًّا، وأنا بَرٌّ به - بفتح الباء- وبارٌّ، وجمع البَر الأبرار، وجمع البار البررة([203]).
 وقال الحافظ - رحمه الله تعالى -: قال بعضهم: هذا الحديث موافق لقوله تعالى: ﴿ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ﴾[204] ، وكأنه أخذه من تفسير ابن عيينة؛ حيث قال: من صلى الصلوات الخمس فقد شكر لله، ومن دعا لوالديه عقبها فقد شكر لهما([205]).
 وبر الوالدين باب عظيم في الإسلام، وهو خُلُقٌ يمدحه الناس على مر الأزمان، وقد اعتنى به الإسلام عنايةً بالغةً؛ فقد وصى الله تعالى بالوالدين في القرآن.. قال عز من قائل: ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً ﴾[206] ، وقال تعالى: ﴿ وَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ ﴾[207] ، وقال سبحانه: ﴿ وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً ﴾[208]. وقد جعل الله - عز وجل - الإحسان إلى الوالدين تاليًا مباشرةً للأمر بعبادته وحده وحذَرِ الشرك.. قال - عز وجل: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الله وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾[209] ، وقال سبحانه: ﴿ وَاعْبُدُوا الله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾[210] ، وقال - عز وجل: ﴿ قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً ﴾[211]. كما امتنَّ - سبحانه وتعالى - على زكريَّا ويحيى - عليهما السلام - قال سبحانه في يحيى - عز وجل: ﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً ﴾[212] ، وفي عيسى - عز وجل: ﴿ وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ﴾[213].
 حتى وصل الأمر إلى أن يقول الله - عز وجل - في الوالدين: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً﴾[214]؛ فحذَّر من أصغر كلمةٍ تقال لهما أو لأحدهما، وحذّر من نهرهما، وأمر بإكرامهما بالقول فكيف بالفعل؟ وبخفض الجناح وبالدعاء لهما.
 وقال الشوكاني - رحمه الله تعالى: قوله: "أي العمل أحب إلى الله"؟ في رواية للبخاري وغيره "أي العمل أفضل"، وظاهره أن الصلاة أحب الأعمال وأفضلها... قوله "بر الوالدين" كذا للأكثر وللمستملي "ثم بر الوالدين"  بزيادة "ثم"، وفي الحديث فضل تعظيم الوالدين، وأن أعمال البدن يفضل بعضها على بعض... قوله: "ففيهما فجاهد"[215]؛ أي خصصهما بجهاد النفس في رضائهما... المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد، وهو تعب البدن وبذل المال... ولا يخفى أن كون المفهوم من تلك الصيغة إيصال الضرر بالأبوين إنما يصح قبل دخول لفظ "في" عليها، وأما بعد دخولها كما هو الواقع في الحديث فليس ذلك المعنى هو المفهوم منها؛ فإنه لا يقال جاهد في الكفار بمعنى جاهدهم، كما يقال جاهد في الله؛ فالجهاد الذي يراد منه إيصال الضرر لمن وقعت المجاهدة له هو جاهده لا جاهد فيه وله، وفي الحديث دليل على أن بر الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد. قوله: (فإن أذنا لك فجاهد)[216]، فيه دليل على أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد، وبذلك قال الجمهور، وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الأبوان أو أحدهما؛ لأن برهما فرض عين، والجهاد فرض كفاية؛ فإذا تعيَّن الجهاد فلا إذن، ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن أفضل الأعمال قال: "الصلاة"، قال: ثم مه؟ قال: "الجهاد"، قال: فإن لي والدين؛ فقال: "آمرك بوالديك خيرا"؛ فقال: والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما، قال: "فأنت أعلم[217]"، وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقًا بين الحديثين، وهذ بشرط أن يكون الأبوان مسلمين، وهل يلحق بهما الجد والجدة الأصح عند الشافعية ذلك، وظاهره عدم الفرق بين الأحرار والعبيد. قال - في "الفتح" -: واستدل بالحديث على تحريم السفر بغير إذنهما؛ لأن الجهاد إذا منع منه مع فضيلته فالسفر المباح أولى، نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر طريقا إليه فلا منع، وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف[218].
    أن صلة الرحم من أسباب تحصيل محبته - سبحانه وتعالى - للواصل بظاهر نص الحديث، وأن قطعها من موانع حصول تلك المحبة بمفهوم مخالفة هذا الحديث، وما أوردنا من آياتٍ وأحاديث، وإن لم تصرح بلفظ المحبة، أدلةٌ صالحةٌ على ذلك.
     وأن بر الوالدين أول المأمورات بعد توحيد الله تعالى، أو على الأكثر بعده وبعد الصلاة والزكاة.. قال سبحانه: ﴿ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً * وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً ﴾[219] ، وأن عُقُوقَهما أول المحذورات بعد الشرك، وأن هذا البر هو السبب الثالث من أسباب تحصيل محبة الله - عز وجل - بعد الإيمان والصلاة على وقتها؛ وذلك بظاهر نص حديث عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - المتفق عليه، الذي جمع فيه بين الصلاة على وقتها وبر الوالدين والجهاد، ثم إذا أضفنا حيث أحب الأعمال إيمان بالله يكون الإيمان بالله سابقا على الثلاثة التي تضمنها حديث ابن مسعود شرعا وعقلا؛ لأن ثلاثتها تأتي بعد الإيمان شرعا وعقلا.
 فإن قلت: جعل الحديث الآخر صلة الرحم بعد الإيمان بالله مباشرة ولم يفصل بينهما لا بالصلاة ولا بغيرها، قلت: معلوم من جملة الشرع أن الصلاة التي جاءت قبل بر الوالدين في حديث ابن مسعود لا بد أن تسبق صلة الرحم لأنها سبقت بر الوالدين وهما أول ذوي الأرحام وأمسهم بالمسلم، عدا أدلة أخرى كثيرة.
عاشرا: تزكية النفس بمكارم الأخلاق
     دعا الإسلام دومًا إلى مكارم الأخلاق ونفَّر من رذائلها؛ بل أجزل الله تعالى للخلوقين وتوعد لؤماء الأخلاق، حتى حصر النبيُّ  صلى الله عليه وسلم  وظيفتَه في تتميم مكارم الأخلاق فقال  صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[220].
 وشُرِعت سائر العبادات لتحسين الأخلاق الذي هو تزكية النفس، والتي حصر الله تعالى فيها الفلاح؛ فقال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى [221]، وقال: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [222]، ومعلوم أن النبي  صلى الله عليه وسلم  إنما بُعث في أقوامٍ كانوا يُعلون الأخلاق الفاضلة وأصحابَها؛ إلا أنَّهم كانوا قد تطرّفوا ببعضها حتى خرجوا به عن طور الاعتدال، فأبقى النبيُّ  صلى الله عليه وسلم  على الحسَن من أخلاقهم وصرف عن الرذل منها، واستعمل الشرعُ في ذلك ترغيب من حسنت أخلاقهم وضرَبَ الأمثلةَ عليهم بالنبيين والصالحين، وترهيبَ من ساءت أخلاقهم وضرب المثل عليهم بالهالكين أمثال فرعون وهامان وقارون عليهم من الله ما يستحقون.
وعَنْ أُسَامَةَ بْنِ شَرِيكٍ قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِنَا الطَّيْرَ مَا يَتَكَلَّمُ مِنَّا مُتَكَلِّمٌ، إِذْ جَاءَهُ ناس من الأعراب فَقَالُوا: يَا رَسُولَ الله! أَفْتِنَا فِي كَذَا، أَفْتِنَا فِي كَذَا، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ وَضَعَ الله عنكم الْحَرَجَ؛ إِلا امرءًا اقْتَرَضَ مِنْ عرض أَخِيهِ قَرْضًا فَذَلِكَ الَّذِي حَرِجَ وَهَلَكَ"، قالوا: أَفَنَتَدَاوَى يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: "نَعَمْ؛ فإِنَّ الله - عز وجل - لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلا أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ الله! وَمَا هُوَ؟ قَالَ: "الْهَرَمُ"، قَالُوا: فأي الناس أحب إلى الله يا رسول الله؟ قال: "أحب الناس إلى الله أحسنهم خلقا")[223].
     قال المناوي: قال ابن عبد السلام: الصفاتُ الإلهية ضربان: أحدهما يختصّ به كالأزلية والأبدية والغنى عن الأكوان، والثاني يمكن التخلُّق به وهو ضربان: أحدهما لا يجوز التخلّق بها كالعظمة والكبرياء، والثاني ورد الشرع بالتخلُّق به كالكرم والحلم والحياء والوفاء، فالتخلُّقُ به بقدر الإمكان مُرضٍ للرحمن مرغِمٌ للشيطان. وقال في الصحاح: السفساف الرديء من الشيء كلّه والأمر الحقير، وقال الزمخشري: تقول العرب شعر سفساف وكل عمل لم يُحكمِه عامله فقد سفسفه. وكل رجل مسفسف لئيم العطيّة، ومن المجاز قولهم: تحفظ من العمل السفساف ولا تسف له بعض الإسفاف..
وسام جسيمات الأمور ولا تكن
مُسفًّا إلى ما دقّ منهن دانيا[224]

 الرِّفْقُ واللِّين:
وأول الأخلاق التي يحبّها الله ويندب إليها الإسلام الرِّفق؛ لأنه المدخل إلى جميع الأخلاق العالية، فعن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوجَ النبي  صلى الله عليه وسلم  قالت:  دخل رهطٌ من اليهود على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا السامُ عليكم، قالت عائشة: ففهمتها فقلت وعليكم السامُ واللعنة، قالت: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مهلاً يا عائشة! إن الله يحبّ الرفق في الأمر كلِّه"، فقلت: يا رسول الله أوَلَم تسمع ما قالوا؟ قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد قلت وعليكم")[225]. وعنها -رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:( "إن اللهَ يحبُّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه)[226].
 قال الحافظ: في حديث عمرة عن عائشة عند مسلم أن "الله رفيقٌ يحبّ الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف"، والمعنى أنه يتأتَّى معه من الأمور ما لا يتأتَّى مع ضدِّه، وقيل المراد يثيبُ عليه ما لا يثيب على غيره والأول أوجَه، وله في حديث شريح بن هانئٍ عنها أن "الرفق لا يكون في شيءٍ إلا زانه ولا يُنـزَع من شيء إلا شانه[227]"، وفي حديث أبي الدرداء "من أُعطِي حظَّه من الرفق فقد أُعطي حظه من الخير" الحديث[228] ، وفي حديث جريرٍ عند مسلم "من يُحرَم الرفقَ يُحرَم الخيرَ كلَّه")[229].
 وقال الإمام النووي: هذا من عظيم خُلُقِه - صلى الله عليه وسلم - وكمال حلْمه، وفيه حثٌّ على الرِّفق والصبر والحلم وملاطفة الناس، ما لم تدعُ حاجةٌ إلى المخاشنة[230].
 الحلم والأناة:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأشَجّ عبد القيس: "إن فيك خَصْلَتين يحبُّهما الله.. الحلم والأناة[231]".  قال المباركفوري: ويجوز فيه وجهانِ: النصبُ على البدَليِّة والرفعُ على أنه خبر مبتدإٍ محذوف؛ أي هما الحلم والأناة. قال النوويّ: الحلم هو العقل، والأناة هي التثبُّت وترك العجلة، وهي مقصورة يعني بوزن نواة، وسبب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك له ما جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلُوا إلى المدينة بادروا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقام الأشج عند رِحالهم فجمعها وعقَل ناقتَه ولبِس أحسنَ ثيابه، ثم أقبل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرَّبه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأجلسه إلى جانبه، ثم قال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: "تبايعون على أنفسِكم وقومكم"، فقال القوم: نعم، فقال الأشجّ: يا رسولَ الله إنك لم تزاود الرجل عن شيءٍ أشدَّ عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا ونرسلُ إليهم من يدعوهم، فمن اتَّبَعنا كان منّا ومن أبى قاتلناه، قال: "صدقتَ إن فيك خصلتين..[232]" الحديث. قال القاضي عياض: فالأناة تربُّصُه حتى نظر في مصالحه ولم يعجَل، والحلم هذا القول الذي قاله الدالُّ على صحَّة عقله وجَودة نظره للعواقب[233]  .
 العفو:
عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت يا رسول الله! أرأيت إن علمت أيّ ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفُوٌّ كريمٌ تحبُّ العفو فاعفُ عنِّي[234]".
 وإذا كان عز وجل يحب العفو فقد أمرَنا به وحثَّنا عليه.. قال عز من قائل: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ [235] ، وقال تعالى: ﴿ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ الله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [236]، وقال سبحانه: ﴿ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ الله بِأَمْرِهِ [237]، وقال - عز وجل -: ﴿ خُذْ الْعَفْوَ [238]، وقال تعالى: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَالله يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [239].
 التماس الأعذار:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (وليس أحدٌ أحبّ إليه العذر من الله؛ من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل)[240].
 قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى: (قال ابن بطال: هو من قوله تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ السَّيِّئَاتِ [241]؛ فالعذر في هذا الحديث التوبة والإنابة، كذا قال، وقال عياض: المعنى بعث المرسلين للإعذار والإنذار لخلقه قبل أخذهم بالعقوبة، وهو كقوله تعالى: ﴿ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى الله حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [242]، وحكى القرطبي - في المفهم - عن بعض أهل المعاني قال: إنما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا أحد أحب إليه العذر من الله" عقب قوله "لا أحد أغير من الله"، منبِّها لسعد بن عبادة على أن الصواب خلاف ما ذهب إليه، ورادعا له عن الإقدام على قتل من يجده مع امرأته؛ فكأنه قال: إذا كان الله مع كونه أشد غيرة منك يحب الإعذار ولا يؤاخذ إلا بعد الحجة؛ فكيف تقدم أنت على القتل في تلك الحالة؟!... وقال القرطبي: ذكر المدح مقرونًا بالغيرة والعذر تنبيهًا لسعد على أن لا يعمل بمقتضى غيرته ولا يعجل؛ بل يتأنى ويترفق ويتثبت حتى يحصل على وجه الصواب، فينال كمال الثناء والمدح والثواب لإيثاره الحق وقمع نفسه وغلبتها عند هيجانها، وهو نحو قوله "الشديد من يملك نفسه عند الغضب"، وهو حديث صحيح متفَقٌ عليه)[243].
 وإذا كان الإعذار محبوبًا إلى الله - عز وجل -، وأنه - عز وجل - يعذر؛ فيجب علينا أن يعذر بعضُنا بعضًا؛ لكنّ لابد لهذا الإعذار من ضوابط، حتى ينوء كل إنسانٍ بمسئولياته وذنوبه، فالإنسان يجري عليه النسيان والخطأ غير المتعمّد، ولكنه مسئولٌ مكلّف.. هذا هو الأصل أنه مسئول عما يفعل، ويعذر للعوارض؛ من جهل وخطأ ونسيان وضعف... الخ.
 التحدُّث بنعم الله تعالى وإبداؤها:
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدِّه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله يحبُّ أن يرى أثر نعمته على عبده)[244].
 قال المناوي - في شرح هذا الحديث-:
"إذا آتاك اللهُ مالاً"؛ أي متمولا وإن لم تجب فيه الزكاة "فلير" - بسكون لام الأمر- "عليك؛ فإن الله يحبّ أن يرى أثره" - محرَّكا- أي أثر إنعامه "على عبده حسنًا" بحسن الهيئة والتجمّل. قال البغَوِيُّ: هذا في تحسين ثيابه بالتنظيف والتجديد عند الإمكان من غير مبالغة في النعومة والترفُّه ومظاهرة الملبس على الملبس على ما هو عادة العجم والمترفِّهين، "ولا يحب" يعني يبغض "البؤس" -بالهمز والتسهيل- أي الخضوع والذّلة ورثاثة الحال؛ أي إظهار ذلك للناس، "ولا التباؤس" - بالمد وقد يقصر- أي إظهار التمسكُن والتخلقُن والشكاية؛ لأنَّ ذلك يؤدّي لاحتقار الناس له وازدرائهم إيّاه وشماتة أعدائه، فأمّا إظهار العجز فيما بينه وبين ربّه بلا كراهةٍ لقضائه ولا تضجُّر فمطلوب[245]. 
التجمُّل:
عن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخلُ الجنَّةَ من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر"، قال رجلٌ: إن الرجل يحب أن يكون ثوبُه حسنًا ونعلُه حسنة، قال: "إن الله جميلٌ يحب الجمال، الكِبْر بطَرُ الحق وغمْطُ الناس" )[246] وعن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مِثقال ذرّة من كبر، ولا يدخل النار يعني من كان في قلبه ذرة من إيمان"، فقال له رجل: إنه يعجبني أن يكون ثوبي حسنًا ونعلي حسنًا، قال: "إن الله يحب الجمال؛ ولكن الكبر من بَطر الحق وغمَص الناس)[247].
 وأما قوله: "قال رجل إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا"، فهذا الرجل هو مالك بن مرارة الرهاوي قاله القاضي عياض وأشار إليه أبو عمر بن عبد البر - رحمهما الله تعالى - وقيل معاذ بن جبل ذكره ابن أبي الدنيا في "كتاب الخمول والتواضع"، وقيل مالك بن مرارة الرهاوي ذكره أبو عبيد في "غريب الحديث"، وقيل عبد الله بن عمرو بن العاص ذكره معمر في "جامعه"، وقيل خريم بن فاتك هذا ما ذكره ابن بشكوال[248].
 وقال المباركفوري: "إنه يعجبُنِي أن يكون ثوبي حسنًا ونعلي حسنا"؛ أي من غير أن أُراعِي نظرَ الخلق، وما يترتب عليه من الكبر والخيلاء والسُّمعة والرياء، ثم النعل ما وُقِيت به القدم، ولعل سبب ذلك السؤال ما ذكره الطيبي أنه لما رأى الرجلُ العادة في المتكبرين لبس الثياب الفاخرة ونحو ذلك سألَ ما سأل، قال مجيبًا له "إن الله يحبّ الجمال"، وفي رواية "إن الله جميلٌ يحبُّ الجمال"؛ أي حسن الأفعال كامل الأوصاف، وقيل أي مجمِّل، وقيل جليل، وقيل مالك النور والبهجة، وقيل جميل الأفعال بكم والنظر إليكم.. يكلّفكم اليسير ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه. وقال المناوي: "إن الله جميل" أي له الجمال المطلق جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال يحب الجمال" أي التجمل منكم في الهيئة أو في قلة إظهار الحاجة لغيره والعفاف عن سواه، انتهى. "ولكن الكبر"؛ أي ذا الكبر بحذف المضاف كقوله تعالى: ﴿ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ [249]، "من بطرَ الحق"؛ أي دفعه ورده "وغمصَ الناس"؛ أي احتقرهم ولم يرهم شيئًا، من غمصْته غمصًا، وفي رواية "الكبر بطر الحق وغمط الناس".. قال -في "المجمع"-: الغمط الاستهانة والاستحقار، وهو كالغمص، وأصل البطر شدة الفرح والنشاط، والمراد هنا قيل سوء احتمال الغني، وقيل الطغيان عند النعمة والمعنيان متقاربان، وفي "النهاية": بطر الحق هو أن يجعل ما يجعله الله حقًّا من توحيده وعبادته باطلاً، وقيل هو أن يتجبّر عند الحق فلا يراه حقًّا، وقيل: هو أن يتكبر عن الحق فلا يقبله، وقال التوربشتي: وتفسيره على الباطل أشبه لما ورد في غير هذه الرواية "إنما ذلك من سفه الحق وغمص الناس"[250] أي رأى الحق سفَهًا[251].
 وصف الله تعالى بـ"جميل"، ومذاهب العلماء فيه:
قال الإمام النوويّ: وقوله - صلى الله عليه وسلم - "إن الله جميلٌ يحب الجمال" اختلفوا في معناه؛ فقيل: إن معناه أن كلَّ أمره - سبحانه وتعالى - حسن جميل وله الأسماء الحسنى وصفات الجمال والكمال، وقيل: جميلٌ بمعنى مجمل ككريم وسميع بمعنى مكرم ومسمع، وقال الإمام أبو القاسم القشيرى - رحمه الله تعالى -: معناه جليل، وحكى الإمام أبو سليمان الخطّابي أنه بمعنى ذي النور والبهجة أي مالكهما، وقيل: معناه جميل الأفعال بكم باللطف والنظر إليكم يكلّفكم اليسير من العمل ويعين عليه ويثيب عليه الجزيل ويشكر عليه، واعلم أن هذا الاسم ورد في هذا الحديث الصحيح ولكنه من أخبار الآحاد، وورد أيضًا في حديث الأسماء الحسنى وفي إسناده مقال، والمختار جواز إطلاقه على الله تعالى، ومن العلماء من منعَه، وقال الإمام الجويني - رحمه الله تعالى -: ما ورد الشرع بإطلاقه في أسماء الله تعالى وصفاته أطلقناه، وما منع الشرع من إطلاقه منعناه، وما لم يرد فيه إذن ولا منع لم نقضِ فيه بتحليلٍ ولا تحريم؛ فإن الأحكام الشرعية تُتلقّى من موارد الشرع، ولو قضيْنا بتحليل أو تحريم لكنا مثبتين حكمًا بغير الشرع، قال: ثم لا يشترط فى جواز الإطلاق ورود ما يقطع به الشرع؛ ولكن ما يُقتضى للعمل وإن لم يوجب العلم فإنّه كافٍ؛ إلا أنّ الأقيسة الشرعية من مقتضيات العمل ولا يجوز التمسك بهن في تسمية الله تعالى ووصفِه، هذا كلام إمام الحرمين، ومحلّه من الإتقان والتحقق بالعلم مطلقًا وبهذا الفن خصوصًا معروفٌ بالغاية العليا، وأما قولُه لم نقض فيه بتحليل ولا تحريم لأن ذلك لا يكون إلا بالشرع فهذا مبنيٌّ على المذهب المختار في حكم الأشياء قبل ورود الشرع؛ فإن المذهب الصحيح عند المحقِّقين من أصحابِنا أنه لا حكم فيها لا بتحليل ولا تحريم ولا إباحة ولا غير ذلك؛ لأنّ الحكم عند أهل السنة لا يكون إلا بالشرع، وقال بعض أصحابنا: إنها على الإباحة، وقال بعضهم: على التحريم، وقال بعضهم: على الوقف لا يعلم ما يقال فيها، والمختار الأوّل، والله أعلم، وقد اختلف أهل السنة في تسمية الله تعالى ووصفه من أوصاف الكمال والجلال والمدح بما لم يرد به الشرع ولا منعه؛ فأجازه طائفة ومنعه آخرون إلا أن يرِد به شرع مقطوع به من نص كتاب الله أو سنة متواترة أو إجماع على إطلاقه، فإن ورد خبرٌ واحد فقد اختلفوا فيه؛ فأجازه طائفة وقالوا الدعاء به والثناء من باب العمل، وذلك جائز بخبر الواحد، ومنعه آخرون لكونه راجعًا إلى اعتقاد ما يجوز أو يستحيل على الله تعالى، وطريق هذا القطع، قال القاضي: والصواب جوازُه لاشتماله على العمل، ولقوله الله تعالى: ﴿ وَللهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [252]، والله أعلم[253].
الحنيفية السمحة:
فعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الأديان أحب إلى الله؟ قال: "الحنيفية السمحة"[254]
 قال الحافظ: الحنيفية السمحة؛ أي السهلة، قوله: مكانًا سمحًا؛ أي سهلا، وكذا أسمح[255] وقال المناوي: قال الحراليّ: "إنما بعث بالحنيفية السمحة" البيضاء النقيّة، واليسر الذي لا حرج فيه    ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ )[256] اه‍، واستنبط منه الشافعية قاعدة إن المشقة تجلب التيسير[257].
والخلاصة أن هذا الدينَ الإسلاميَّ يُسرٌ.. ليس دينَ التقعُّرِ والتشدُّدِ، ولا هو دين الرهبانيَّةِ والانقطاع، وكذلك ليس دينَ التسيُّب والانفلات؛ بل دين العدل والاعتدال والإحسان في كل شيء، والتوسط بين أمرَيْ الإفراط والتفريط.
الحياءُ والسّتْرُ:
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إنَّ اللهَ حيِيٌّ سِتِّيرٌ.. يحبُّ الحَياء والسّتْر؛ فإذا اغتسل أحدُكم فلْيَسْتَتِر)[258].
 وحقيقة الحياء أنه خُلُقٌ يَبعث على ترك القَبائح، ويمنَع من التفرِيط في حقِّ صاحبِ الحق، وقد اختَّص اللهُ - عز وجل - به الإنسانَ ليرتدعَ به عمَّا تنـزِع إليه الشهوةُ من القبائح؛ كيْلا يكونَ كالبهيمة التي تهجم على ما تشتهي دون حَيَاء. وبين اقترافِ الذنوب وقِلَّةِ الحياء وعدمِ الغَيْرة تلازمٌ من الطرَفين، وكلٌّ منهما يستدعِي الآخرَ ويطلبُه حثيثًا[259].
 والحياء خلُق الإسلام كما دلّت السنة.. قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمن لام غيره على الحياء-: "دَعْهُ؛ فإنَّ الحياءَ من الإيمان"[260]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "والحياءُ شُعبَةٌ من الإيمانِ"[261]؛ ولم يذكر من أخلاق الإسلام إلا الحياء شعبةً من الإيمان، وكأنَّ الإيمان إنما ينقُص بقلَّة الحياء، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "الحياءُ من الإيمان، والإيمان في الجنَّة، والبذَاءُ من الجفَاء، والجفاء في النار"[262]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما كان الفحشُ في شيءٍ إلا شانَه، وما كان الحياءُ في شيءٍ إلا زَانه"[263]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ مما أدرك الناسَ من كلام النُّبَوَّةِ الأولى؛ إذا لم تستحِ فاصنعْ ماشئت"[264]


[1] سورة النساء  الآية: 131 
[2] انظر: "تفسير القرطبي" [ج1 ص250-251] بتصرف كبير وزيادة.
[3] انظر: نفس المصدر [ج1 ص250].
[4] (لسان العرب 15/110)) - ابن منظور
[5] سورة الإنسان الاية: 11
[6] سورة الدخان الاية: 56
[7] سورة الرعد الاية: 34
[8] سورة الرعد الاية: 37
[9] سورة التحريم الاية: 6
[10] متفَقٌ عليه بغير هذا اللفظ] أخرجه البخاري في الإيمان [ح52] وفي البيوع [ح1946]، ومسلم في المساقاة [ح1599] من حديث النعمان بن بشير - رضى الله عنه -، ولفظه: "إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام؛ كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب".
[11] سورة الأعراف الاية: 35
[12] سورة النحل الاية: 128
[13] سورة الزمر الاية: 73
[14] سورة البقرة الاية: 281
[15] سورة النساء الاية: 1
[16] سورة النور الاية: 52
[17] سورة النساء الاية: 1
[18] سورة آل عمران الاية: 102
[19] الزمر الاية: 24
[20] سورة إبراهيم الاية: 50
[21] سورة القمر الاية: 48
[22] انظر: "مفردات القرآن" [ص1610] مختصرا. الامام الراغب
[23] سورة البقرةالآية:197.
[24] سورة الحجرات الآية:1
[25] مختصر ابن كثير ص357 .
[26] سورة البقرةالآية:216.
[27] سورة يوسف الآية:105
[28] سنن ابن ماجه رقم الحديث: 4214
[29] صحيح ابن حبان رقم الحديث: 572
[30] أخرجه  البخاري انظر ( فتح الباري ) ج4،ص315
[31] روى أحمد (6791) وأبو داود (3580)
[32] المغني - عبد الله بن قدامه - ج ٤ - الصفحة ٢٣٨
[33] أخرجه الطبرانى فى الأوسط (5/251 ، رقم 5228)
[34] أخرجه أحمد 4/148(17467) و\"التِّرمِذي\"2406
[35] سورة غافرالآية:9
[36] أخرجه البخاري ( 4 / 170 و 255 ) ومسلم ( 8 / 52 )
[37] ابن حبان رقم" 443"
[38] لمعجم الأوسط للطبراني 6443
[39] أخرجه مسلم، برقم (2359).
[40] أخرجه أبو داود في سننه ج 2، ص 601
[41] أخرجه مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب التعوذ من شر ما عمل، ومن شر ما لم يعمل، برقم 2721.
[42] أخرجه أحمد 5/228(22337) و\"الدارِمِي\" 2791 و\"التِّرمِذي\" 1987 وقال حديث حسن.
[43] سورة يونس الآية : 62 – 63
[44] سورة الحديد آية 25.
[45]  لسان العرب ج7/377 ط دار صادر بيروت
[46] مختار الصحاح ج 1 /467 ( باب العين ) ط مكتبة لبنان .
[47] سورة الأنبياء آية 47
[48] سورة الشورى الآية:15
[49] سورة الشورى الآية: 17
[50] سورة الأنبياء الآية: 47
[51] سورة الأنعام : الاية : 160.
[52] سورة النمل: الاية89 .
[53] سورة القصص: الاية:84.
[54] سورة هود : الاية:114.
[55] المعجم الكبير للطبراني 15781
[56]  أخرجه البخاري – كتاب: الصلح، باب: فضل الإصلاح بين الناس والعدل بينهم، (2707). ومسلم – كتاب: الزكاة، باب: بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع من المعروف، (1009)،(56).
[57] روى الإمام مسلم في صحيحه 1827
[58] متفق عليه
[59] سورة النساء: لآية 58
[60] تكرر  فى القرآن ثلاث مرات (المائدة 45، الحجرات 9، الممتحنة 8).
[61] سورة الفرقان:75
[62] سورة الرعد:24
[63] سورة الانسان الاية:12
[64]سورة الفرقان الاية: 75.
[65] شعب الإيمان للبيهقي رقم الحديث: 9082
[66] سورة المطففين الآية : 22و الانفطارالآية : 13
[67] سورة آل عمران الآية : 17
[68] سورة آل عمران الآية : 18
[69] صحيح مسلم
[70] رواه الطبراني في الكبير ورواته رواة الصحيح
[71] آل عمران الآية : 146
[72]سورة البقرة الآية: 153
[73]سورة  البقرة الآية: 177
[74] سورة الزخرف الآية: 35
[75] متفق عليه
[76] سورة آل عمران الآية: 200
[77] سورة الزمر الآية:  10
[78] سورة هود الآية:  11
[79] سورة البقرة الآية: (155) (157)
[80] ظلال الجنة في تخريج كتاب السنة (315) - الألباني
[81] صحيح البخاري
[82]سورة  القصص الآيات: 80) -79).
[83] سورة النحل الآية: 126,127
[84] سورة فصلت الآية(34) (35)
[85]سورة آل عمران الآية: 186
[86]سورة لقمان الآية: 17
[87] سورة إبراهيم الآية: 5 .
[88] صحيح البخاري
[89] سورة السجدة الآية: 24
[90]سورة البلد الآيات: (17- 18)
[91]سورة البقرة الآية: 214
[92] سورة الطلاق الآية: الاية3
[93] سورة المائدة: الاية23.
[94] رواه البخاري 5270
[95] رواه أحمد [1/30-52]، الترمذي [2344]، ابن ماجه [4164]، ابن المبارك في "الزهد" [559]، والبغوي في شرح السنة [4108]، وصححه ابن حبان [730]، والحاكم [4/318]، والطيالسي [139].
[96] رواه البخاري [1966]، وأحمد [4/131-132].
[97] رواه مسلم [2379].
[98] جامع العلوم والحكم - ابن رجب
[99] التعريفات - الجرجاني
[100] سورة الفرقان: من الآية: 58
[101] سورة الأحزاب الآية: 3
[102] سورة المزمل الآية: 9
[103] سورة آل عمران: من الآية 122
[104] سورة المائدة: من الآية 23
[105] سورة الأنفال الآية: 2
[106] سورة إبراهيم الآية: 12
[107] سورة الممتحنة: من الآية 4
[108] صحيح الترمذي [3/151].
[109] البخاري، باب الإيمان [6175] صحيح البخاري، كتاب الرقائق[6472]، مسلم [218] في الإيمان.
[110] سنن الترمزى
[111] سورة النساءالآية : 81
[112] سورة آل عمران الآية:173
[113] كتاب شرح أسماء الله تعالى الحسنى ص 276 - للدكتورة حصة الصغير
[114]  الادب المفرد للبخارى رقم الحديث: 239 :عَنْ عطاء بن يسار قَالَ : لَقِيتُ عبد الله بن عمرو بن العاص فَقُلْتُ : " أَخْبِرْنِي عَنْ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّوْرَاةِ ، قَالَ : فَقَالَ : أَجَلْ وَاللَّهِ ، إِنَّهُ لَمَوْصُوفٌ فِي التَّوْرَاةِ بِبَعْضِ صِفَتِهِ فِي الْقُرْآنِ : يَأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا سورة الأحزاب آية 45 ، وَحِرْزًا لِلأُمِّيِّينَ ، أَنْتَ عَبْدِي وَرَسُولِي ، سَمَّيْتُكَ الْمُتَوَكِّلَ ، لَيْسَ بِفَظٍّ وَلا غَلِيظٍ ، وَلا صَخَّابٍ فِي الأَسْوَاقِ ، وَلا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَغْفِرُ ، وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ ، بِأَنْ يَقُولُوا : لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَيَفْتَحُوا بِهَا أَعْيُنًا عُمْيًا ، وَآذَانًا صُمًّا ، وَقُلُوبًا غُلْفًا
[115] سورة الأحزاب/الآية (24)
[116] سورة الأحزاب الآية:23
[117] سورة الأحزابالآيات: (7 ، 8)
[118] سورة النحل الاية:105
[119] مسند الشهاب 565- الشهاب القضاعي
[120] رواه مالك في "الموطأ" (2/990) (19)
[121] سورة المائدةالآية:119
[122] سورة الزمرالآية :(33(
[123] رواه البخاري 7 ومسلم 1773.
[124] سورة الأحزاب الآية (23)
[125] سورة النساءالآية (69)
[126] مدارج السالكين . ابن القيم
[127] بستان العارفين ص 112 - النووي
[128] طبقات المحدثين بأصبهان والواردين عليها 962- أبو الشيخ الأصبهاني
[129] سورة التوبةالآية : 7
[130] سورة الزمر الآية : 34
[131] سورة النساء : الاية69.
[132] كتاب الغنية - الشيخ الجيلانى
[133] كتاب الفتح الربانى – الشيخ الجيلانى.
[134] سورة البقرة : الاية94- سورة الجمعة : الاية6.
[135] سورة التوبة الآية: 118
[136] سورة النورالآية:31
[137] سورة التحريم الآية:8
[138] سورة المائدةالآية:74
[139] رواه مسلم (2702)
[140] أخرجه أبو داود ح (1516)، والترمذي ح (3434)، والنسائي في عمل اليوم والليلة ح (458)، وابن ماجه ح (3804)
[141] كتاب نهج البلاغة/ حكمة417 – الشريف الرضى.
[142]  سورة الشورى الآية:25
[143] متفق عليه
[144] طهَر انظر: "الأفعال" [ج3 ص273]، والفعل مثلث الثاني [العين]
[145] سورة المائدة الآية: 6
[146] سورة البقرة الآية: 222
[147] وهذا مذهب الشافعي. انظر: "أحكام القرآن" لإلكيا الهراس [ج1 ص137]
[148] سورة البقرة الآية: 222
[149] سورة التوبة الآية: 108
[150] سورة الأعراف: 82
[151] سورة التوبة الآية: 108
[152] سورة آل عمران الآية: 55
[153] ا سورة لأحزاب الآية: 33
[154]س سورة ورة آل عمران الآية: 42
[155] البقرة الآية: 232
[156] الأحزاب الآية: 53
[157] سورة الواقعة الآية: 79
[158] (راجع: "روح المعاني" [ج27 ص154[
[159] سورة الأعراف الآية: 82
[160] سورة هود الآية: 78
[161] سورة النساء الآية: 57، والبقرة الآية: 25
[162] انظر: "الدر المنثور" [ج1 ص98[
[163] سورة الواقعة الآية: 37
[164] سورة عبس الآية: 14
[165] سورة المدثر الآية: 4
[166] سورة الحج الآية: 26
[167] سورة البقرة الآية: 125
[168] سورة الفتح الآية: 4
[169] انظر: "الكتاب" [ج4 ص42[.
[170] السعوط: كل شيء صببته في الأنف، والوجور: في الفم ومثله النشوق واللدود، راجع في ذلك: "المخصص" [ج5 ص101-102]، و"تصحيح الفصيح" [ج1 ص155]، و "الحجَّة" للفارسي [ج2 ص323[
[171] سورة الإنسان الآية: 21
[172] سورة إبراهيم الآية: 16
[173] سورة الفرقان الآية: 48.
[174] راجع: "أحكام القرآن" ج3 ص1417.
[175] راجع فيما سبق: "مفردات القرآن" [ص919].
[176] أخرجه أبو داود [ح83]، والترمذي [ح69]، والنسائي [ح332 و4350]، وابن ماجه [ح386 و3246] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
[177] انظر: "النهاية في غريب الحديث والأثر" [ج3 ص328. ]
[178] وفي بعض مناسك الحج كالطَّوَاف بالبيت يجب التطهر من الحدث الأصغر أيضًا. انظر: "بداية المتفقِّه" لفضيلة الشيخ وحيد بن عبد السلام بالي ص14 ط4 دار ابن رجب - القاهرة 1422
[179] سورة التوبة الآية: 103
[180] قصة إسلام عمر بن الخطاب - رضى الله عنه - مشهورة في كتب التراجم والسير، وانظرها في "عيون الأثر" [ج1 ص159] لابن سيد الناس، و"الخصائص الكبرى" للسيوطي [ج1 ص217].
[181] سورة التوبة الآية: 107-108
[182] أخرجه مسلم في الحج [ح1389] من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
[183] أخرجه أبو داود في الطهارة [ح44]، والترمذي في تفسير القرآن [ح3100]، وابن ماجه في الطهارة وسننها [ح357] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[184]صحيح مسلم رقم الحديث: 1077
[185] ‏أخرجه مسلم كتاب الطهارة باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء رقم ‏(‏244 و 245‏)‏ ص
[186] كتاب اللمع – السراج الطوسى.
[187] كتاب البحر المورود- الشيخ عبد الوهاب الشعراني
[188] سورة البقرةالآية:152
[189] سورة النساء الآية: 1
[190] انظر: "تفسير القرطبي" [ج5 ص5]
[191] انظر: "تفسير الطبري" [ج3 ص565].
[192] سورة الأنفال الآية: 75، والأحزاب الآية: 6
[193] انظر: "معالم التنزيل" للبغوي [ص 318].
[194] انظر: "تفسير القرطبي" [ج14 ص110].
[195] سورة النساء الآية: 36
[196] انظر: "تفسير ابن كثير" [ج1 ص656] باختصار وتصرف.
[197] متفق عليه] أخرجه البخاري في الأدب، باب فضل صلة الرحم [ح5637] وطرفه في الزكاة، باب/ وجوب الزكاة [ح1332]، ومسلم في الإيمان، باب/ بيان الإيمان الذي يدخل به الجنة [ح13].
[198] متفق عليه] أخرجه البخاري في الأدب، باب/ إثم القاطع [ح5638]، ومسلم في البر والصلة والآداب باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها [ح2556]
[199] انظر: "الجامع الصحيح المختصر" تحقيق د. مصطفى ديب البغا [ج5 ص2231].
[200] أخرجه البخاري في الأدب، باب/ من وصل وصله الله [ح5641].
[201] أخرجه أبو داود في الزكاة، باب/ في صلة الرحم [ح1694]، والحاكم في المستدرك [4/173 ح7267].
[202] أخرجه مسلم في البر والصلة والآداب، باب/ فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما [ح2552] من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
[203] انظر: "شرح النووي على مسلم" [ج2 ص76].
[204] سورة لقمان الآية: 14
[205] انظر: "فتح الباري" [ج2 ص10].
[206] سورة العنكبوت الآية: 8
[207] سورة لقمان الآية: 14
[208] سورة الأحقاف الآية: 15
[209] سورة البقرة الآية: 83
[210] سورة النساء الآية: 36
[211] سورة الأنعام الآية: 151
[212] سورة مريم الآية: 14
[213] سورة مريم الآية: 32
[214] الإسراء: 23-24
[215] متفق عليه] أخرجه البخاري في الجهاد والسير، باب/ الجهاد بإذن الأبوين [ح2842] وطرفه في [5627]، ومسلم في البر والصلة والآداب، باب/ بر الوالدين وأنهما أحق به [ح2549]، من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- يقول: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستأذنه في الجهاد، فقال: "أحي والداك"؟ قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد
[216] صحيح بجموع طرقه] أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" [2/131 ح2334]، ومن طريقه: أبو داود في الجهاد، باب/ في الرجل يغزو وأبواه كارهان [ح2530]، وأخرجه الحاكم في "المستدرك" [2/114 ح2501]، جميعهم من طريق: ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري - رضى الله عنه - أن رجلا هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من اليمن فقال: يا رسول الله! إني هاجرت، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد هجرت من الشرك ولكنه الجهاد هل لك أحد باليمن"؟ قال: أبواي، قال: "أذنا لك"؟ قال: لا، قال: "فارجع فاستأذنهما؛ فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما"، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه بهذه السياقة، إنما اتفقا على حديث عبد الله بن عمرو "ففيهما فجاهد"، ورده الذهبي بقوله: "قلت: دراج واه"، قال الألباني في "الإرواء": "فأصاب - أي الذهبي - لكن الحديث بمجموع طرقه صحيح".
[217] أخرجه أحمد في "مسنده" [ح6602] ، وتابعه ابن وهب عند ابن حبان في "صحيحه" [ح1722] عن حيي بن عبد الله أيضًا.
[218] انظر: "نيل الأوطار" [ج8 ص24]
[219] سورة مريم الآية: 31-32
[220] حسن] أخرجه أحمد [2/381 ح8939]، وابن سعد في "الطبقات" [1/192] بلفظ: "صالح الأخلاق". أخرجه الحاكم [2/670 ح4221] والبيهقي [10/191 ح20572]، والديلمى [2/12 ح2098]، والقضاعي في "مسنده" [2/192 ح1165] من حديث أبي هريرة - رضى الله عنه -. وقال: "صحيح على شرط مسلم". وأخرجه مالك بلاغا [2/904 ح1609] بلفظ "إنما بعثت لأتمم حسن الأخلاق".
[221] سورة الأعلى: 14
[222] سورة الشمس: 9
[223] إسناده صحيح] أخرجه ابن حبان في "صحيحه" [2/236 ح486] بإسناد حسن رجاله ثقات عدا عبد الله بن محمد القنطري وهو صدوق حسن الحديث، والطبراني في "الأوسط" [7/140-141 ح7103]، بلفظ: "عن أنس قال: لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا ذر فقال: يا أبا ذر ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر وأثقل في الميزان من غيرهما، قال: بلى يا رسول الله! قال: عليك بحسن الخلق وطول الصمت؛ فوالذي نفس محمد بيده ما عمل الخلائق عملا أحب إلى الله منهما".
[224] انظر: "فيض القدير" [ج2 ص226 و251[.
[225] متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري [ح5678 و2777]، ومسلم [2165] من حديث عائشة رضي الله عنها.
[226] أخرجه مسلم في البر والصلة [ح2593] من حديث عائشة رضي الله عنها.
[227] أخرجه مسلم في البر والصلة [ح2594] من حديث عائشة رضي الله عنها.
[228] صحيح] أخرجه الترمذي في البر والصلة [ح2013]، والبخاري في "الأدب المفرد" [ح464]، والحميدي [ح393 و394]، أحمد [6/451 ح28104 و28106]، وعبد بن حميد [ح214] عن أم الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكره. وقال الترمذي: "حديث حسن صحيح".
[229] أخرجه مسلم في البر والصلة [ح 2592] من حديث جرير بن عبد الله البجلي - رضى الله عنه -. وانظر: "فتح الباري" [ج10 ص 449]، وانظر: "فتح الباري" [ج10 ص449].
[230] انظر: "شرح النووي على مسلم" [ج14 ص145].
[231] أخرجه مسلم في الإيمان [ح17 و18]، والبخاري في "الأدب المفرد" [ح586]، والترمذي [ح2011]، وابن ماجه [ح586] جميعًا عن أبي جمرة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله الحلم والأناة". وفي لفظ: أن النبى - صلى الله عليه وسلم - قال للأشج العصري: "إن فيك خصلتين يحبهما الله؛ الحلم والحياء".
[232] كذا ذكره الإمام النووي في "شرح مسلم" [ج1 ص189]
[233] انظر: "تحفة الأحوذي" [ج6 ص128-129].
[234] صحيح] أخرجه الترمذي في الدعوات [ح3513]، وقال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح"، وابن ماجه في الدعاء، باب/ الدعاء بالعفو والعافية [ح3850]، وأحمد في "المسند" [ح25423 و25534 و25536 و25544 و25782 و26258]، والحاكم في "المستدرك" [1/712 ح1942] بأسانيد صحيحة بعضها رجال الشيخين، وبألفاظ متقاربة من حديث عائشة رضي الله عنها، وهذا لفظ الترمذي.
[235] سورة آل عمران: 159
[236] سورة المائدة: 13
[237] سورة البقرة: 109
[238] سورة الأعراف: 199
[239] سورة آل عمران: 134
[240] متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في التوحيد، باب/ باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - [لا شخص أغير من الله] [ح6980]، ومسلم في كتاب اللعان [ح1499]، وفي كتاب التوبة، باب/ غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش [ح2760]، واللفظ له.
[241] سورة الشورى: 25
[242] سورة النساء: 165
[243] انظر: "فتح الباري" [ج13 ص399-400] مختصرا.
[244] حسن] أخرجه الترمذي في "الأدب" [ح2819].
[245] انظر: "فيض القدير" [ج1 ص236].
[246] أخرجه مسلم في الإيمان [ح91] من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
[247] صحيح] أخرجه الترمذي [ح1999] بهذا اللفظ، وقال الترمذي: "قال بعض أهل العلم في تفسير هذا الحديث لا يدخل النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان إنما معناه لا يخلد في النار، وهكذا روي عن أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان" وقد فسر غير واحد من التابعين هذه الآية ﴿ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ [آل عمران: 192] فقال: من تخلّد في النار فقد أخزيته، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب". اه‍.
[248] انظر: "شرح النووي على مسلم" [ج2 ص89-92] باختصار شديد.
[249] سورة البقرة الآية: 177
[250] في حديث عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - يرفعُه "ولكن الكبر من سَفِه الحق وازدرى الناس" رواه أحمد في "المسند" (1/399 ح3789).
[251] انظر: "تحفة الأحوذي" (ج6 ص116-117)
[252] سورة الأعراف الآية: 181
[253] انظر: "شرح النووي على مسلم" (ج2 ص90-91).
[254] ] أخرجه أحمد في "المسند" [ح2107]، والبخاري في "الأدب المفرد" [ص108 ح287]، وفي "الصحيح" معلَّقًا، والطبراني في "الكبير" [11/227 ح11572]، وعبد بن حميد في "مسنده" [ص199 ح569].
[255] انظر: "فتح الباري" [ج1 ص134]
[256] سورة الأنفال الآية: 42
[257] انظر: "فيض القدير" [ج3 ص203]
[258] ] أخرجه أبو داود، في الحمام [ح4012]، والنسائي، في الغسل والتيمم [ح406]، وأحمد [ح17509]، والبيهقي [ح7783]، وفي "السنن الكبرى" [ح984] الجميع من حديث يعلى بن أمية - رضى الله عنه -،
[259] انظر: "فقه الحياء" لفضيلة الشيخ الدكتور محمد بن إسماعيل المقدّم [ص9] ط. دار ابن الجوزي - القاهرة 1428.
[260] متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري، في الإيمان [ح24]، ومسلم [ح36] من حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه.
[261] متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الإيمان، باب/ أمور الإيمان [ح9]، ومسلم في الإيمان، باب/ بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها وأدناها [ح35] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[262]أخرجه أحمد [2/501]، والترمذي [ح2010]، وقال: "حسن صحيح"، وابن حبان [ح1929]، وصححه، وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" [ح3381] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[263] أخرجه الترمذي في البر والصلة [ح1974]، وقال: "حديث حسن غريب"، وابن ماجه في الزهد [ح4185]، وصححه الألباني من حديث أنس رضي الله عنه.
[264] أخرجه البخاري، في الأدب، باب/ إذا لم تستح فاصنع ما شئت [ح6120] من حديث أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه.

ليست هناك تعليقات: