بحث هذه المدونة الإلكترونية

كتاب مفهوم الولاية والأولياء الفصل الثانى/ الجزء1



الفصل الثانى
الولاية والطريق إليها

       يخبرنا القرآن الكريم أن كل مؤمن صادق في الإيمان ولي لله سبحانه وتعالى،  قال تعالى: (اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلى النُّوُرِ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إلى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[1]، وأنه بفضل هذه الولاية يخرج الله المؤمنين من الظلمات إلى النور، وقال تعالى  أيضاً: (إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)[2]. والآيات في هذا المعنى كثيرة جداً اذ هى تبين ولايته سبحانه وتعالى  لكل مؤمن صالح متق لله سبحانه وتعالى ..
    فالله سبحانه وتعالى  إذا والى عبداً فإنه يحبه وينصره ويعزه ويكرمه كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[3].
     وكذلك العبد إذا قيل إنه يوالى الله فمعنى ذلك أنه يحب الله وينصره كما قال تعالى: (  وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ)[4]، وقال تعالى:( إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)[5]. ومن هذه الآيات نخلص الى أن معنى الولاية هي المحبة والنصرة..
      أن ولاية الله تعالى  هذه مبذولة لكل من سعى إليها وسار في طريقها ووفقه الله سبحانه وتعالى  إلى بلوغها كما قال جل وعلا: (فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى  وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى  وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى  وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى  فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)[6]. وقال أيضاً جل وعلا: )وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)[7]، كما أن ولاية الله للعبد ومحبته له تتفاوت بحسب الإيمان والتقوى والعمل الصالح فكل ما ازداد إيمان العبد وترقى في درجات الكمال والصلاح وتحلى بالتقوى كان أعظم ولاية، وأقرب من ربه سبحانه وتعالى، هذا مفهوم الولاية في الإسلام على وجه الإجمال.
معنى الولاية في اللغة:
كلمتا (ولاية) و (ولاء) بمعنى واحد، وهما مصدران من ولي الشيء يليه، إذا لزمه، أو توجه إليه، أو تبعه فكان إلى جانبه، قبله أو بعده، وفي جملة مشتقات هذا الفعل، (والٍ) وهو صاحب السلطان، و(مولى) و(وليّ) بتشديد الياء، وهما كذلك بمعنىً واحد، وكل واحدة منهما تحمل معنى التابع والمتبوع، ولا يعرف معناها إلاَّ بالقرينة. فنقول: الله عزّ وجل مولانا وولينا، وفلان الذي من أولياء الله مولاك ووليك. وتقول أنا ولايتي لله وولائي، وأنا وليُّ الله، والعبد الرقيق مولى سيده وسيده مولاه، وفلان وليّ الشيطان أو مولاه، والشيطان وليُّه أو مولاه ... وولَّى وتولَّى ومشتقاتهما لهما معانٍ كثيرة غير ما ذكرنا تعرف بالقرائن .
الوَلاية : مصدر وَلِيَ . ـ : النصرة " الناس عليه ولاية " مجتمعون لنصرته في خير أو شر . ـ : القرابة والنسب .
الوِلاية : مصدر وَلِيَ . ـ السلطة والإمارة . ـ : البلاد التي يحكمها الوالي . ـ في القانون : إدارة شؤون القصَّر أو المحجور عليهم .
والىَ موالاةً وولاءً ( ولي ) بين الأمريـن: تابع .ـ الشيء تابعه. ـ فلاناً : صادقه وصافاه وناصره وحاباه .
الوالي : صاحب السلطة . وكانت رتبة إدارية في بعض البلدان[8] .
  تعريف القاشاني: الولاية هي قيام العبد بالحق عند الفناء عن نفسه، وذلك بتولي الحق إياه حتى يبلغه غاية مقام القرب والتمكن[9].
        أما الولاية عند الجرجاني، فهي: من الولي بمعنى القرب، فهي القرابة الحكمية الحاصلة من العتق، أو من الموالاة .
        والولاية في الشرع: تنفيذ القول على الغير، شاء الغير أو أبى[10] .
الإمام الشوكاني: والولاية ضد العداوة، وأصل الولاية المحبة والتقرب كما ذكره أهل اللغة، وأصل العداوة البغض والبعد[11].
      فالولاية إذن أثر لمجموع أمرين؛ رعاية إلهية تحيط بالعبد، فلا تكله إلى نفسه لحظة، ويترتب على هذه الرعاية أن لا يقصر في حق من حقوق الله، ورعاية من العبد لواجباته، وأداء الطاعات المطلوبة منه، ولا يمكن أن يصل إلى مرتبة الولاية إذا أهمل أو قصَّر في هذه الرعاية[12].
ولا خلاف إذن بين التعريفات السابقة على أن الولاية تقوم على المحبة والقرب.
    درجات وأقسام الولاية:
لتوضيح ذلك نورد بعض أقوال العلماء:
      يُقسم الحكيم الترمذى الولاية إلى نوعين: النوع الأول: ولاية العموم ويسميها ولاية حق الله، وهى لرجل أفاق من سكرته فتاب إلى الله تعالى، وعزم على الوفاء لله تعالى بتلك التوبة، فنظر إلى ما يراد له فى القيام بهذا الوفاء، فإذا هى حراسة هذه الجوارح السبع لسانه وسمعه وبصره ويده ورجله وبطنه وفرجه، فصرفها من باله، وجمع فكرته وهمته فى هذه الحراسة ولها عن كل شئ سواها حتى استقام، فهو رجل مؤدى الفرائض حافظ للحدود، لا يشتغل بشئ غير ذلك، يحرس هذه الجوارح حتى لا ينقطع الوفاء لله تعالى بما عزم عليه، فسكنت نفسه وهدأت جوارحه .
النوع الثانى: ولاية الخصوص وهى لهؤلاء المجذوبين، الذين جذبهم الله إليه عن طريقه، فيتولى اصطفاءهم وتربيتهم حتى يصفى نفوسهم الترابية بأنواره كما يصفى جوهر المعدن بالنار، حتى تزول ترابيته، وتبقى النفس صافية وتمتد تلك التصفية حتى إذا بلغوا الغاية من الصفاء، أوصلهم إلى أعلى المنازل وكشف لهم الغطاء عن المحل، وأهدى إليهم عجائب من كلماته وعلومه وإنما يمتد ذلك لأن القلوب، والنفوس لا تحتمل مرة واحدة كل ذلك، فلا يزال يلطف بهم حتى يعودهم احتمال تلك الأهوال التى تستقبلهم من ملكه )[13] .
    وقال الكلاباذى: ( الولاية ولايتان، ولاية تخرج من العداوة، وهى لعامة المؤمنين، فهذه لا توجب معرفتها، والتحقق بها للأعيان، لكن من جهة العموم، فيقال: المؤمن ولى الله، وولاية اختصاص واصطفاء واصطناع وهذه توجب معرفتها والتحققق بها، ويكون صاحبها محفوظا عن النظر إلى نفسه، فلا يدخله عجب، ويكون مسلوبا من الخلق بمعنى النظر إليهم بحظ، فلا يفتنونه ويكون محفوظا عن آفات البشرية، وإن كان طبع البشرية قائما معه باقيا فيه، فلا يستحلى حظا من حظوظ النفس استحلاء يفتنه فى دينه، واستحلاء الطبع قائم فيه، وهذه هى خصوص الولاية من الله للعبد )[14] .
       جاء فى كتاب جامع العلوم الحكم: ... أن أولياء الله على درجتين أحداهما المقربون إليه بأداء الفرائض وهذه درجة المقتصدين أصحاب اليمين وأداء الفرائض أفضل الأعمال كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أفضل الأعمال أداء ما افترض الله والورع عما حرم الله وصدق النية فيما عند الله تعالى "، وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته أفضل العبادات أداء الفرائض واجتناب المحارم وذلك أن الله تعالى إنما افترض على عباده هذه الفرائض فيقربهم عنده ويوجب لهم رضوانه ورحمته وأعظم فرائض البدن التي تقرب إليه الصلاة كما قال تعالى ‏(‏وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ‏)[15]‏ ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:  قرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وقال إذا كان أحدكم يصلي فإنما يناجي ربه وربه بينه وبين القبلة، وقال إن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت، ومن الفرائض المقربة إلى الله تعالى عدل الراعي في رعيته سواء كانت رعيه عامة كالحاكم أو خاصة كعدل آحاد الناس في أهله وولده كما قال:      ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)‏.‏
   وفي صحيح مسلم عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم:  (قال إن المقسطين عند الله على منابر من نور على يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما والوا وفي الترمذي عن أبي سعيد عن النبي: (قال إن أحب العباد إلى الله يوم القيامة وأدناهم إليه مجلسًا إمام عادل).
 الدرجة الثانية درجة السابقين المقربين وهم الذين تقربوا إلى الله بعد الفرائض بالاجتهاد في النوافل والطاعات والانكفاف عن دقائق المكروهات بالورع وذلك يوجب للعبد محبة الله كما قال ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ومن أحبه الله رزقه محبته وطاعته والاشتغال بذكره وخدمته فأوجب له ذلك القرب منه والزلفي لديه والحظ عنده كما قال الله تعالى ‏(‏مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ‏)[16]ففي هذه الآية إشارة إلى أن من أعرض عن حبنا وتولي عن قربنا ولم يبال استبدلنا به من هو أولي بهذه المنحة منه وأحق فمن أعرض عن الله فما له عن بدل ولله منه أبدال‏.‏
مالي شغل سواه مالي شغل *** يصرف عن هواه قلبي عذل
ما أصنع إن جفا وخاب الأمل *** مني بدل وما لي منه بدل
وفي بعض الآثار يقول الله تعالى ابن آدم اطلبني تجدني فإن وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء، وكان ذو النون يردد هذه الأبيات بالليل كثيرًا‏:‏
اطلبوا لأنفسكم *** مثل ما وجدت أنا
قد وجدت لي سكنا *** ليس في هواه عنا
إن بعدت قربني *** وإن قربت منه دنا
من فاته يرى الله فلو حصلت له الجنة بحذافيرها لكان مغبونا فكيف إذا لم يحصل له إلا نزر حقير يسير من دار كلها لا تعدل جناح بعوضة ولذا قيل‏:‏
من فاته أن يراك يومًا *** فكل أوقاته فوات
وحيثما كنت في بلاد *** فلي إلى وجهك التفات
     وقال النبي: (أتاني ربي يعني في المنام فقال لي يا محمد قل اللهم إني أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك، وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك اللهم ما رزقتني ما أحب فاجعله قوة لي فيما تحب اللهم ما زويت عني مما أحب فاجعله فراغا لي فيما تحب)، وروي عنه : (أنه كان يدعو اللهم اجعل حبك أحب الأشياء إلي وخشيتك أخوف الأشياء عندي واقطع عني حاجة الدنيا بالشوق إلى لقائك فإذا أقررت أعين أهل الدنيا من دنياهم فاقرر عيني من عبادتك)[17] اهـ.
       نرى أن هذا التقسيم جاء حسب درجة امتثال العبد لأوامر الله فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور وأوامر الله جل وعلا فرائضُ ومستحبات، ونواهيه سبحانه محرماتٌ ومكروهات، وأولياء الله عز وجل هم من حققوا الولاية فعلاً للمأمور وتركاً للمحظور، فمن كان تحقيقه للمأمور قاصراً على فعل الفرائض والواجبات وتركه للمنهي قاصراً على البعد عن المحرمات فإن درجته في الولاية درجة المقتصدين، أما من علا شأنه وارتفعت منزلته إلى العناية بالمستحبات بعد الواجبات والبعد عن المكروهات بعد البعد عن المحرمات فإن درجته في الولاية درجةُ السابقين في الخيرات وهي أعلى الدرجات وأرفع الرُّتب .
   إن الولاية أمرٌ بين المؤمن وبين الله جل وعلا، يجاهد المؤمن نفسه على تحقيقه راجياً بذلك فضل الله - جل وعلا- ونواله؛ ولهذا فإن ولي الله حقاً وصدقا لا يدّعي ذلك لنفسه بل لا يزالُ يرى نفسه مقصراً مذنباً مفرطا، قال الله - جل وعلا- في وصف عباده المؤمنين الكمَّل: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ )[18] .
الطريق إلى ولاية الله :
      هو طريق التقرب إلى الله قد بينه الله عز وجل لنا في كتابه أوضح بيان، وبعث إلينا نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، فلم يترك خيرا إلا ودلنا عليه، ولا ترك شرا إلا وحذرنا منه، قال صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى  …وَمَا تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بِالنَّوَافِل حَتَّى أُحِبَّهُ، …..)[19]، هنا بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن طريق الولاية للعبد هو أن يقوم بأداء الفرائض أولاً التي هي أحب الطاعات إليه سبحانه وتعالى ، ثم يتدرج في أداء النوافل حتى يحبه الله، فإذا أحبه الله سبحانه وتعالى  كان ولياً حقاً له جل وعلا، وقد جاء في الحديث عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ ، إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ . قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام ، قَالَ : ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا ، قَالَ : فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ . وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا ، دَعَا جِبْرِيلَ ، فَقَالَ : يَا جِبْرِيلُ، إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا ، فَأَبْغِضْهُ . قَالَ : فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، قَالَ: فَيُبْغِضُهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ)[20].
      يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي: يقول ابن عطاء الله السكندري رحمه الله تعالى: "نعمتان ما خرج موجودٌ عنهما، ولا بد لكل مكوَّن منهما، نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد؛ أنعم عليك أولاً بالإيجاد، وثانياً بتوالي الإمداد.. ". انتهى، أن الحكمة التي استتبعت إيجاد الله الإنسان، هي اختيار الله له خليفة في الأرض، ألم يقل الله عز وجل للملائكة:(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ)[21] وحذارِ أن نفهم من كلمة الخلافة هذه المعنى المتبادر الذي يفهمه الناس منها عندما يخلف بعضهم بعضاً في بعض المهام أو الوظائف المنوطة بهم، وإن كثير من الناس لا يفهمون من معنى كلمة (الخلافة) إلا هذا المعنى المتداول بين الناس، فأنكروا بسبب ذلك خلافة الإنسان عن الله في الأرض، إذ لا يصح أن يكون الإنسان خليفة عن الله - بهذا المعنى- وتأولوا الآية: ففسروا الخليفة بصفة الاستخلاف في الوجود ما بين جيل سابق من الناس، وجيل لاحق وهكذا... غير أن هذا المعنى الثاني لا يعبّر عنه بالخليفة في اللغة، وإنما يُعبَّر عنه بالخلَف (بفتح اللام إن كان صالحاً - (وبسكون اللام) إن كان فاسداً.. قال تعالى:((خَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً)[22] .
  أما الخليفة فهو من يخلف غيره في مهمة أو وظيفة ينهض بها، ومن هذا القبيل قول الله تعالى:( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )[23] وقوله تعالى: يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ)[24] اهـ.
    علي الانسان أن يُجنِّد كل عمله وطاقاته وملكاته ليعتصر من الدنيا أسباباً يحقق بها ما أمره الله تعالى أن يقيم المجتمع الإنساني على أساسه من العبادات والمبادئ والقيم التي أمرنا الله بها، والتعاليم والإرشادات الصادرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وأن نشدّ صلتنا بالله عن طريق الذكر والفكر والمراقبة.
     قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)[25]. فقد دلت هذه الآية على أن هناك غاية معينة لوجود الجن والإنس، ووظيفة محددة، هي العبادة، أوهي العبودية لله تعالى. ومن هذه الآية يتبين كذلك أن مدلول العبادة لابد أن يكون أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر التعبدية.
       فالإنسان مكلف بالخلافة في الأرض، وهي تقتضي ألواناً كثيرة من النشاط الحيوي في عمارة الأرض والتعرف إلى طاقاتها، وتحقيق إرادة الله في استخدامها وتنميتها، كما تقتضي الخلافة القيام على تنفيذ شريعة الله في الأرض.
    وكيف يمارس العبد عبوديته لله عز وجل؟... عليه أن ينبِّه جمع مداركه إلى أنه مملوك لله عز وجل، وأنه ليس تحت يده من نعمة يتمتع بها إلا وهي وديعة من الله عز وجل عنده يتمتّع بها إلى حين ثم تُستلب منه عند أجل معلوم.. وأن يسخر جميع النعم والقدرات التي منحه الله إياها لتحقيق المبادئ والأهداف التي أمره الله بالسعي إليها من خلال اتباع شرع الله تعالى، ومنهاجه الذي رسمه على يد الأنبياء والرسل، وليعلم أن توجه الإنسان فى الحياة إلى رضا الله بأداء رسالته وتنفيذ شرعته هو الهدف الأسمى الكلي الأقدس..
   أما تعامله مع مقومات العيش وأسباب الرزق والمتع التي تزخر بها المكونات فخدمٌ وحشم أقامهم الله في الطريق إلى تحقيق رسالته وتنفيذ أوامره، والنهوض بأعباء الخلافة عنه، وأن لا ينسى وهو يسير في رحلة حياته الدنيا، ويتقلّب بين خيرها وشرها أن هذه الحياة ليست إلا مرحلة، وما هي إلا جسر منصوب بين ماضٍ من العدم المطلق، وآت من الحياة الخالدة بتخليد الله تعالى وقضائه..
يقول الشيخ الشعراوى: ولكن هل العبادة هي الجلوس في المساجد والتسبيح أم أنها منهج يشمل الحياة كلها .. في بيتك وفي عملك وفي السعي في الأرض؟ .. ولو أراد الله سبحانه وتعالى من عباده الصلاة والتسبيح فقط .. لما خلقهم مختارين بل خلقهم مقهورين لعبادته ككل ما خلق ما عدا الإنس والجن .. والله تبارك وتعالى له صفة القهر .. من هنا فإنه يستطيع أن يجعل من يشاء مقهورا على عبادته .. مصداقا لقوله جل جلاله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)[26] .  
 فلو أراد الله أن يخضعنا لمنهجه قهراً .. لا يستطيع أحد أن يشذ عن طاعته .. وقد أعطانا الله الدليل على ذلك بأن في أجسادنا وفي أحداث الدنيا .. ما نحن مقهورون عليه .. فالجسد مقهور لله في أشياء كثيرة. القلب ينبض ويتوقف بأمر الله دون إرادة منا .. والمعدة تهضم الطعام ونحن لا ندري عنها شيئا .. والدورة الدموية في أجسادنا لا إرادة لنا فيها .. وأشياء كثيرة في الجسد البشري كلها مقهورة لله سبحانه وتعالى .. وليس لإرادتنا دخل في عملها .. وما يقع على في الحياة من أحداث أنا مقهور فيه .. لا أستطيع أن أمنعه من الحدوث .. فلا أستطيع أن أمنع سيارة أن تصدمني .. ولا طائرة أن تحترق بي .. ولا كل ما يقع علي من أقدار الله في الدنيا..
     إذن فمنطقة الاختيار في حياتي محددة .. لا أستطيع أن أتحكم في يوم مولدي .. ولا فيمن هو أبي ومن هي أمي .. ولا في شكلي هل أنا طويل أم قصير؟ جميل أم قبيح أو غير ذلك. إذن فمنطقة الاختيار في الحياة هي المنهج أن أفعل أو لا أفعل. الله سبحانه وتعالى له من كل خلقه عبادة القهر .. ولكنه يريد من الإنس والجن عبادة المحبوبية .. ولذلك خلقنا ولنا اختيار في أن نأتيه أو لا نأتيه .. في أن نطيعه أو نعصيه. في أن نؤمن به أو لا نؤمن.
     فإذا كنت تحب الله فأنت تأتيه عن اختيار. تنازل عما يغضبه حبا فيه، وتفعل ما يطلبه حبا فيه وليس قهرا .. فإذا تخليت عن اختيارك إلي مرادات الله في منهجه .. تكون قد حققت عبادة المحبوبية لله تبارك وتعالى .. وتكون قد أصبحت من عباد الله وليس من عبيد الله .. فكلنا عبيد لله سبحانه وتعالى، والعبيد متساوون فيما يقهرون عليه. ولكن العباد الذين يتنازلون عن منطقة الاختيار لمراد الله في التكليف .. ولذلك فإن الحق جل جلاله .. يفرق في القرآن الكريم بين العباد والعبيد .. يقول تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)[27] .
   ويقول سبحانه وتعالى:( وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً)[28] ، هذه صورة عباد الرحمن كما رسمها القرآن الكريم، تتكون من خطوط وألوان من النشاط الإنساني. متآلفة تشمل الأخلاق والشعائر التعبدية والمعاملات، والعادات في سياق واحد، تشمل التواضع والإعراض عن الجاهلين، وإمضاء الليالي في العبادة سجوداً وقياماًً، والخوف من عذاب الله، والاعتدال في الإنفاق، والإخلاص في عبادة الله، وتجنب قتل النفس، وترك الزنا وتجنب شهادة الزور، وتجنب الاشتغال باللغو، والاستجابة الكاملة لآيات الله إذا ذكروا بها.
 وهكذا نرى أن الله سبحانه وتعالى أعطى أوصاف المؤمنين وسماهم عبادا .. ولكن عندما يتحدث عن البشر جميعا يقول عبيد .. مصداقا لقوله تعالى:( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيد)[29] .
   ولكن قد يقول قائل: أن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه العزيز: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَؤُلَاء أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ)[30] .
 الحديث هنا عن العاصين والضالين. ولكن الله سبحانه وتعالى قال عنهم عباد. نقول إن هذا في الآخرة .. وفي الآخرة كلنا عباد لأننا مقهورون لطاعة الله الواحد المعبود تبارك وتعالى .. لأن الاختيار البشري ينتهي ساعة الاحتضار .. ونصبح جميعا عباداً لله مقهورين على طاعته لا اختيار لنا في شيء.
      والله سبحانه وتعالى قد أعطى الإنسان اختياره في الحياة الدنيا في العبودية فلم يقهره في شيء ولا يلزم غير المؤمن به بأي تكليف .. بل إن المؤمن هو الذي يلزم نفسه بالتكليف وبمنهج الله فيدخل في عقد إيماني مع الله تبارك وتعالى .. ولذلك نجد أن الله جل جلاله لا يخاطب الناس جميعا في التكليف .. وإنما يخاطب الذين آمنوا فقط فيقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[31]، ويقول سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)[32] .
    أي أن الله جل جلاله لا يكلف إلا المؤمن الذي يدخل في عقد إيماني مع الله.  وسيد المرسلين محمد صلى اله عليه وسلم عندما نضعه في معيار العبادية يكون القمة فهو صلى الله عليه وسلم الذي حقق العبادية المرادة لله من خلق الله كما يحبها الله .
     إذن فالذي يقول غاية الخلق كله محمد عليه الصلاة والسلام .. نقول أن هذا صحيح، لأنه صلى الله عليه وسلم حقق العبادية المثلى المطلوبة من الله تبارك وتعالى .. والتي هي علة الخلق ..  وهكذا نعرف المقامات العالية لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند خالقه)[33] اهـ.
      فالمسلم عليه أن يجاهد نفسه أولا للقيام بالفرائض التي افترضها الله عليه، كالصلوات الخمس، وهي أعظم الفرائض العملية، وأداء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت إن كان مستطيعا، وكذا باقي الفرائض العملية الأخرى كبر الوالدين، وصلة الأرحام، وأداء حق الزوجة، والأبناء ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيما يقدر عليه، ونحو ذلك من العبادات الجليلة التي لا تزيده من الله إلا قربا، وكذا العبادات القلبية من الإخلاص لله تعالى وحبه، وحب رسوله وشرعه وحب المؤمنين والتوكل على الله والخوف منه إلى غير ذلك من عبادات القلب المفروضة عليه .
     وعليه أن يجاهد نفسه أيضا للقيام بحق الله تعالى في النوع الثاني من الفرائض، وهي فرائض الترك، أي: التي فرض الله علينا فيها الترك ، كترك الزنى، والربا وشرب الخمر والسرقة والظلم والغيبة والنميمة إلى غير ذلك من المحرمات، فإذا فعل شيئا من ذلك بادر بالتوبة والإصلاح .
        ثم ينبغي للمؤمن بعد ذلك أن يكثر من نوافل الأعمال ، فإنه بها ينال الدرجة الرفيعة عند الله ، ويحصل بذلك محبة الله تعالى كما وردت فى حديث الولى الذى أفردنا له فصلا كاملا بهذا الكتاب، وهذه النوافل كثيرة ينبغي للمسلم أن يبدأ بالأهم فالأهم منها، ومن ذلك :
النوافل المؤكدة من الصلوات كالرواتب وقيام الليل وصلاة الوتر، وكذا الإكثار من ذكر الله تعالى والصدقات، ومما يعين المسلم على القيام بهذا أن يرتب ساعات يومه وليلته فيجعل للفريضة وقتها وللنافلة وقتها ويستعين على ذلك بمجالسة ومصاحبة الصالحين والأخيار . لأن المسافر إلى مكان ناء لا يخلو حاله: اما أن يكون عالما بالطريق متمرنا عليه أولا، فان كان عالما به احتاج الى رفيق يعينه على مهام شئونه، حتى يكون على يقين من أنه اذا نسى ذكّره واذا ذكره أعانه . وفى الحكمة: (الرفيق قبل الطريق) وإن كان جاهلا بالطريق إحتاج الى دليل موثوق به مشهور بين الناس بتوصيل المسافرين. قَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم :( الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلُ)[34].
      نبى الله موسى عليه السلام  وهو الملقب بالقوي الأمين في كتاب الله، يوم كلفه الله بالرسالة احتاج إلى المعين والوزير فقال كما أخبر الله في كتابه: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيراً * وَنَذْكُرَكَ كَثِيراً * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيراً)[35]. ،ماذا قال الله ؟ قال: (قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى)[36] .
  والقصة الاخرى:   داخل موسى عليه السلام يوما شعورٌ بشري بأنه أعلم الناس بما أفاض الله عليه من علم النبوة العظيم.
   ولما كان العلم ضربا من ضروب الكمال، وكان الكمال لا يتناهى و(اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)[37]، لما كان كذلك ضرب الله لموسى مثلا عمليا تربويا يكون أدبا له ولغيره من بعده، وبخاصة أولئك الذين يقفون على باب الله، وهم القدوة الكبرى للبشر.  وأذن الله لموسى أن يلتقي بالعبد الصالح عند مجمع البحرين.  وبيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  المنافعَ والمضارَّ فِي الصُّحبةِ فِي أجملِ صورةٍ وأكملِ بيانٍ فقالَ صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحَامِلِ الْمِسْكِ وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحَامِلُ الْمِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبَةً، وَنَافِخُ الْكِيرِ إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ رِيحاً خَبِيثَةً)[38].
      ومِنْ ثمراتِ صحبةِ الأخيارِ التَّأَثُّرُ بِهِمْ والاقتداءُ بسلوكِهِمْ وأخلاقِهِمْ واستقامتِهِمْ, وهذَا مَا كانَ مِنَ الصِّدِّيقِ أَبِي بكرٍ رضيَ اللهُ عنْهُ مِنْ تأثُّرِهِ واقتدائِهِ واتِّباعِهِ لصاحبِهِ نبيِّنَا محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم  وقَدْ سجَّلَ اللهُ هذِهِ العلاقةَ فِي كتابِهِ فقالَ سبحانَهُ:( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)[39]، لذلك كان لا بد من الرفيق قبل الطريق، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم (اللَّهُمَّ ارْحَمْ خُلَفَائِي, ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ خُلَفَاؤُكَ ؟ قَالَ: الَّذِينَ يَأْتُونَ مِنْ بَعْدِي، وَيَرْوُونَ أَحَادِيثِي، وَسُنَّتِي، وَيُعَلِّمُونَهَا النَّاسَ)[40] اهـ، وهم العلماء الربانيون الذين يحيون سنته بعد مواتها.
   لما كان العلم لا بد أن يكون بالتعليم، وكان السالك فى الطريق لا بد له من المعلم، والمعلم (الشيخ) محل الاجلال والتعظيم، وهو الذى له السمع والطاعة، لأن السالك يسلمه نفسه فيزكيها له، ويتلقى منه احكام دينه ليقلده فى عقيدته وأعماله وأحواله، فأول واجب على السالك فى طريق الله تعالى، أن يبذل غاية الهمة فى البحث عن هذا العالم(الشيخ) ليفوز برضوان الله الأكبر، ويعمل لخير نفسه وخير المسلمين جميعا.
      ومن أهمل فى هذا الموضوع الجليل فلم يبحث عن عالم ليتعلم، أو لم يدقق فى البحث عنه، وسلم نفسه لمدع أو مبتدع، فقد أخطأ نيل الوسيلة، ومن أخطأ نيل الوسيلة حرم المقصد.
        إن السير إلى الله تعالى تحت إشراف(المعلم) الشيخ المربي هو سير داخل النفس الإنسانية لطي مراحلها ، واختراق مسافاتها المعنوية، والرجوع إلى مصدرها الأصلي. وهو سير محفوف بالمخاطر بالنسبة لمن يغامر فيه بدون خريطة أو دليل. 
      إن المهمة الغيبية للشيخ المربي هي تكييف الأنوار مع " الطاقة الاستيعابية " الروحية للمريد مما يجعل هذا الأخير متوازنا عقليا واجتماعيا مع تحقيق سيره الروحي إلى الله تعالى .
       الطريق إلى ولاية الله هو مجاهدة الشهوات والصبر على الآلام ، فليحاول كل منا أن يلتجئ إلى الله وكما أن احمرار الشفق علامة على قرب طلوع الشمس إذ أن الأفق يحمر قبيل طلوع الشمس فكذلك حين يأذن الله لأحد من عباده أن تطلع في آفاق قلبه شمس القرب من الله يقوي همته ليذبح مراداته المحرمة وشهواته الآثمة فتنهمر دماء نفسه الأمارة بالسوء ويصطبغ قلبه بحمرة الدم القانية من جهاته كلها لا من جهة المشرق فقط لأنه لن تشرق عليه شمس واحدة بل ستطلع عليه شموس معرفة الله ولأن ولي الله سيمتنع عن رغباته المحرمة كلها دون اقتصار على بعضها .إنها حال رفيعة لا يعرف لذتها إلا من ذاقها .
محبة الله تعالى للانسان:
     للمحبة في الإسلام أهمية كبيرة ومنزلة عظيمة، فقد وردت كلمة الحب ومشتقاتها في أكثر من مائة آية في القرآن الكريم، وللمحبة مراتب عديدة أسماها وأعظمها حب العبد لربه تبارك وتعالى، فمن أحب ربه جل وعلا سهلت عليه العبادات وهانت عليه الطاعات، فنال بذلك أعلى الدرجات، وفاز برضا رب الأرض والسموات، ومحبة الله تعالى هي الأساس في أفعالنا وأقوالنا وعلاقاتنا مع من حولنا، وهي دليل على كمال الإيمان، قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم:    (من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)[41].
    ان تعلق القلب بالله، والطمأنينة الى الكفاية، والرضا بقضائه والتيقن به والانس بوجوده، والقرب منه بالطاعة، هي أفعال تعمق حب الله فينا. وهي الحالة التي يكون المؤمنون فيها اشد حباً لله من سواه. يقول الله تعالى:( وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ)[42] .
       يقول محمد سعيد البوطى: إن مشكلة توجه الإنسان إلى الله تكمن في أن العاطفة التي هي الوقود المحرك لأنشطة الإنسان، تكون في الغالب مستلبة لصالح الرعونات والأهواء النفسية.
    كيف السبيل إلى أن نكون ممن قال الله عنهم: ﴿فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ[43]. ونلاحظ أنه جل جلاله لم يقل: " فسوف يأتي الله بقوم لا يرتابون في وجوده ووحدانيته لأن المشكلة لا تكمن في الارتياب أو عدم الارتياب العقلي، وإنما تكمن في الحب إذ يكون متجها إلى الله أو إلى غير الله جل جلاله.  والجواب يحتاج إلى تفصيل طويل الذيل، ولكنه يتلخص فيما يلي:
     عوامل الحب في حياة الإنسان ثلاثة لا مزيد عليها: إحسان يأسر القلب، أو جمال يأخذ بمجامع النفس، أو عظمة تبهر الوجدان. وهذه العوامل الثلاثة موجودة في ذات الله جل جلاله، غير أن الغفلة التي تحيق بالإنسان تجعله يتيه عن ذلك.
   ونحن هنا إنما نتحدث عمن آمن بالله جل جلاله إيمانا حقيقيا بمقتضى الدلائل العقلية والعلمية؛ من هو المحسن الذي تفد إلى الإنسان في كل لحظة منائحه وإنعامه؟
     لا يرتاب ذو عقل آمن بألوهية الله بأن المحسن الأوحد إلى الإنسان في الكون إنما هو الله؛ هو الذي ينيمك إذا تمددت على سريرك في انتظار نعمة الرقاد، وهو الذي يوقظك إذا أخذت حظك الكافي من هذه الإجازة الربانية، وهو الذي ينقيك من شوائب السموم ويطهرك من أوضارها إذا دخلت الحمام، وهو الذي أنجدك بالماء الذي تحققت فيه عوامل التطهير، وهو الذي إذا جلست إلى مائدة الطعام أنعم عليك بكل ما لذ وطاب فوقها، إن جميع ذلك ليس إلا حصيلة سماء أمطرت وأرض أنبتت وأنعام سخر الله لك لحومها والألبان التي في ضروعها، وهو الذي يمدك بالعافية ومقومتها لحظة فلحظة. فإذا تذكرت هذه النعم وأضعافها التي تفد إليك وربطتها بالمنعم المتفضل جل جلاله، تفجرت في قلبك من هذه المشاعر محبة عارمة لهذا الذي يتوالى إليك إكرامه ولا تنقطع عنك مننه.
     ثم من هو الجميل الذي لم تتفرع صور الجمال كلها إلا من جماله؟ لا يرتاب أيضا ذو عقل سبق أن آمن بألوهية الله في أن مصدر الجمال كله بشتى صوره وأنواعه إنما هو الله جل جلاله. فمن كان من شأنه أن تأسر صور الجمال المتنوعة لبه وأن تأخذ بمجامع نفسه، وكان ممن عرف الله وآمن به، لابد أن تهيمن عليه محبة خالق الجمال في الكون ومبدع الرائحة في العطر، ومفجر العبق في الزهر ومنسق الألوان في الورد. وهل هو إلا الله جل جلاله؟ هل من خالق غير الله؟ أما الذين تأسرهم مظاهر العظمة والهيبة والكبرياء، فلن يجدوا بعد الله عظيماً لا تخرج الأكوان كلها عن قبضته ولا يفتر ملكوته عن التسبيح بحمده والدينونة لسلطانه، هو المسيّر لنواميس العالم كلها، أعطى كل شيء صورته التي أفرغه فيها، ثم أقامه على الوظيفة التي هداه إليها.  إذن فعوامل الحب الثلاثة لابد أن تسوق إلى محبة الله. لا يستثنى من هذا القرار إلا من لم يهتد إلى معرفة الله بعد.
نتائج محبة الله:
ما هي النتائج التي تحققها محبة الله في كيان الإنسان؟  إنها تحقق أولا طهارة النفس من آفة الضغائن والأحقاد ومشاعر الحسد والاستكبار على الآخرين.
     إن من توهج قلبه بمحبة الله جل جلاله، لا يبقى في جوانبه أي مكان لرعونات النفس وأهوائها الغريزية كالضغائن والشحناء ودوافع الظلم ونحوها. لأن هذه الرعونات إنما تثور في النفس بدافع من حب الذات والعصبية للـ"أنا" فإذا هيمنت محبة الله على النفس غابت محبة الذات وحل محلها الانشغال بمراقبة الله وذكره ومحاسبة النفس على ما يصدر عنها من سوء أو تقصير.
   وإنها ثانياً تحقق معنى الأخوّة مع الآخرين من أفراد الأسرة الإنسانية. وبيان ذلك: أن الذي يحول دون مدّ جسور هذه الأخوّة بين أفراد الأسرة الإنسانية حواجزُ الضغائن والحقد والحسد والتنافس على المصالح والاستكبار على الآخرين. فإذا ذابت هذه الحواجز في ضرام محبة لله جل جلاله فلابد أن تتجلى في مكانها مشاعر الأخوة التي كانت غائبة عن الأذهان والمشاعر تحت تأثير تلك الرعونات والآفات النفسية.
    أما النتيجة الثالثة التي تحققها محبة الإنسان لله، فهي شيوع صلة التراحم لاسيما بين الذين يتمتعون بوهج هذا الحب لله تعالى بين جوانحهم. عندما يتلاقى القلبان على معين صاف من محبة الله تعالى، فلابد لهذين القلبين أن يتآلفا وأن يتراحما، كيف لا وقد جمعهما الارتشاف من كأس واحدة هي محبة الذات الإلهيه؟ تأملوا في هذا الذي وصف الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم إذ قال له: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ[44]، إنها الرحمة التي كان يعامل بها الآخرين وهي - فيما تقرره الآية - منحة له من رب العالمين، ولكن من أي طريق وصلت إليه هذه المنحة؟ إنها وصلت إليه عن طريق الحب الرباني المهيمن على قلبه، وهو حب متبادل بينه وبين مولاه جل جلاله. فبهذا الحب كان يعامل الناس أيا كانوا باللين واللطف، ولم يُعهد عنه أنه واجه أحدا من الناس بالغلظة أو الفظاظة. 
    والنتيجة الرابعة التي تثمرها محبة الإنسان لله الاندفاع إلى الموعظة والنصح والدعوة بعامل الشفقة والرحمة والغيرة. ذلك لأن حبه لله تعالى يدعوه إلى الانقياد لأوامره واتباع وصاياه وهو يقرأ فيما يقرأ من وصاياه وأوامره قوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[45]، ولأنه يقرأ فيما يقرأ قرار تكريم الله للإنسان وأمره الملائكة بالسجود له متمثلا في شخص أبيه آدم. إذن، لابد أن يقوده حبه لله جل جلاله إلى تكريم من كرّمه الله وتبجيله، فإذا قام بواجب نصحه ودعوتِه إلى الحق وتحذيره من التوجه إلى الباطل، فإنما يقوم بذلك بدافع من حبه له وغيرته عليه والرحمة به.  وهيهات أن يجتمع الحب الحقيقي لله مع الدعوة إلى الله بدافع من التعالي على من يلاحَقُون بالدعوة ويواجهون بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، أو بدافع الانتقاص من مكانتهم أو التشهير بهم أو ابتغاء الوصول إلى مصالح شخصية أو مكاسب مادية لأنفسهم.  وإن لنا في سيرة رسول الله ومواقفه من المشركين وأذاهم له واستكبارهم عليه، ما يجسد لك هذه الحقيقة ويضعنا أمام المزيد من نتائج محبة الإنسان لله جل جلاله)[46] اهـ.
       فأذا كانت هذه الافعال هي التي تنمي حبنا لله عز وجل، فما الافعال التي تحقق محبة الله عز وجل لنا؟ ان الاحساس بمحبة الله عز وجل يثير في النفس الثقة والامان والاطمئنان فليس المهم أن نحب ولكن أن تحب، تلك هي المسألة، في القرآن الكريم، نقف أمام رحمة الله عز وجل، بأروع معانيها. ذلك ان القرآن الكريم، لا يعلمنا كيف نحب الله عز وجل، وحسب، ولكنه يخبرنا متى نكون محبوبين عند الله.
      ان محبة الله تعالى للانسان، هي أحد أشكال رحمة الله عز وجل به، كما يوضحها القرآن الكريم، الذي رسم بأعجازه الرائع حدود الطرق المؤدية الى محبة الله عز وجل .
      يقول محمد سعيد البوطى فى موضع آخر من بحثه:  محبة الله للإنسان أسبق من محبة الإنسان له وبعد، فلنتسائل أيهما أسبق من الآخر: حب الله للإنسان أم حب الإنسان لله؟   والجواب أن مما لا ريب فيه أن محبة الله للإنسان أسبق من محبة الإنسان لله. والدليل الأول على ذلك قول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ[47].
    فقد قرر البيان الإلهي محبته لهم قبل محبتهم له، أي فهم يحبونه بحبه سبحانه وتعالى لهم.      والدليل الثاني يتمثل في التكريم الذي أضفاه الله على الإنسان، إذ نسب روحه السارية في كيانه إلى ذاته العلية، وفي أمره الملائكة بالسجود له متمثلا في شخص أبيه آدم، وفي إعلانه البياني عن هذا التكريم بقوله: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً[48]، والتكريم لا يكون إلا أثرا من آثار الحب. إذن، فقد كان حب الله للإنسان سابقا على حبه له. ثم إن مآل هذا التكريم إلى ما يقرره الإنسان ويصنعه بحق نفسه. فمن الناس من ازدادت مكانتهم عند الله علوا وتكريما، ومنهم من تدنّت بشكل جزئي، ومنهم من تحولت بهم إلى النقيض، فردهم الله - كما قال- أسفل السافلين. والمهم أن الإنسان - أيا كان- مكرّم في أصل نشأته عند الله، وذلك دليل على حبه السابق له.
     ومما لا ريب فيه أن كل مسلم صادقٍ في إسلامه لابد أن يكون له نصيب من محبة الله له. وأقل ذلك ما يدل عليه إسلامه وإيمانه بالله جل جلاله. إذ لو لم يكن له عند الله من المنـزلة ما يستدعي انجذابه إلى الإسلام وتوجُّهَ قلبه إلى الإيمان، لما تمتع مظهره بتعاليمه، ولما سرت عقائده إلى قلبه. وصدق الله القائل: ﴿وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ[49]. ثم إن المسلم تزداد منـزلته عند الله علوًّا، كلما ازداد صدقاً مع الله في إسلامه والتزاماً بأحكامه وأوامره.
     وإذا علم أحدنا أن ما يشعر به من حب وتعظيم لله تعالى ليس إلا ثمرة محبة الله له ورحمته به وفضله عليه، فإن علمه هذا سيحول دون دخول شيء من التباهي أو العجب في نفسه، بل يشعر بمزيد من منة الله وفضله عليه. والشأن في هذا الشعور أن يزيده حبا لله وتعظيماً له وتعلقاً به. لقد أحبك الله فجذبك إليه وعرّفك على ذاته وحبب إليك الانقياد لأوامره، أفلا تنبعث في نفسك نشوة قدسية من هذا الشعور؟ ومن ثَمَّ أفلا تُلهِبُ هذه النشوة فؤادك بمزيد من الحب له؟ هذه النشوة هي التي دفعت امرأة صالحة كانت تخدم في دار رجل ثريّ أن تناجي ربها ليلا في سجودها قائلة: "أللهم إني أسألك بحبك لي أن ترحمني وتكرمني". فسمع الرجل دعاءها وانتقدها قائلا: "ما أدراك أنه يحبك؟ أفلا قلت: أسألك بحبي لك؟" فقالت: "يا سيدي لولا حبه لي ما أيقظني في هذه الساعة، لولا حبه لي ما أوقفني بين يديه، لولا حبه لي ما أنطقني بهذه النجوى")[50] اهـ.
     أن محبة الله للإنسان هدف يجب أن يسعى إليه الإنسان فالإنسان في الدنيا يصنع أهدافا له هدفي أن أتزوج، هدفي أن أتوظف هدفي أن أكسب مال كذا في هذا العام في هذا السنة ، أهداف متعددة للناس، هذه الأهداف كلها أهداف دنيوية يجب أن يتوصل بها إلي الأهداف البعيدة من الأهداف البعيدة محبة الله سبحانه وتعالي، يجب أن أسعى إلي أن أنال هذه المحبة ولذلك جاء في الحديث اللهم أسألك حبك فالنبي صلي الله عليه وسلم سأل ربه أن يصل إلي هذا الهدف العظيم فإذن فمحبة الله للعبد هدف يجب أن يسعى لها هذا العبد بأي وسيلة من الوسائل وحب الله تعالى للعبد له أسباب، فمن طمع في حبه عز وجل فليأخذ بها حتى تبلغه غايته وتحقق أمله. ولو تدبرنا آيات الذكر الحكيم بحثا عن تلك الطرق التي تؤدي الى محبة الله عز وجل، لوجدنا ان (محبة الله) لنا تتحقق عبر فعل حضاري ايماني شامل، تتمثل ابعاده في العناصر الآتية:
 أولا: اتباع الرسول محمد صلى الله عليه وسلم:
    تعد محبّة الرسول صلى الله عليه وسلم فريضةً على كلّ إنسان، وهذه المحبّة لازمةٌ للإيمان؛ ومن الآيات والأحاديث في ذلك قول الله تعالى:﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ[51]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم: ( والذى نفسي بيده لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده)[52] ، وقال: (ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهن طعم الإيمان" وذكر منهن "من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما)[53]، وعن أنس - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده، وولده، والناس أجمعين[54]، وفي رواية للنسائي: "حتى أكون أحبَّ إليه من ماله وأهله والناس أجمعين)[55]، وعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال: قال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده)[56]، وفي الصحيح قال عمر: يا رسول الله! لأَنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلا نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكِ"، قَالَ عُمَرُ: فَأَنْتَ الآنَ، وَاللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:  "الآنَ يَا عُمَرُ")[57] .
    من هنا نُدرِك أن الإنسان إذا آنس من نفسه ضعف محبّة، أو آنس غلبة محبّة شيءٍ آخر على حبّ رسول الله  صلى الله عليه وسلم ؛ فعليه أن يداوي نفسه، وهذا واجبٌ على كل مسلم. وإذًا فمحبة رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فريضةٌ، وأن هذه المحبة ليست محبّة عقلية فحسب؛ بل هي محبة عاطفيّة، فالإنسان يحب ابنه وأهلَه ووالده ونفسه ليس مجرد حبٍّ عقليٍّ بل هناك شيءٌ وراء ذلك، والمسلم مطالبٌ بأن يحبّ رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم  أكثر من ماله وولده وأهله وعشيرته ومسكنه وتجارته ونفسه، وتلك فريضةٌ من فرائض الله على الإنسان.
     ويعد حبُّ النبي صلى الله عليه وسلم أصلاً من أصول الإسلام ومبدأً من مبادئه.. لا يستقيم إيمان إنسان بدونه .. ولا يسع مسلم أن يتجاوزه.. ولا يصح لمسلم أن يكون متردِّدًا فيه؛ فهو مرتبطٌ بمحبّة الله عز جل ؛ إذ إنه مبعوثُه ورسوله ومصطفاه ومجتباه؛ ففي الصحيحين عن أنسٍ قال: جاء رجل إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددتَ لها؟". قال: لا شيء، إلا أنِّي أحبُّ اللهَ ورسولَه، فقال: "أنت مع من أحببْت". قال أنس: فما فرِحنا بشيءٍ فرَحَنا بقول النبِيِّ  صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت"، قال أنس: "فأنا أُحِبّ النبي  صلى الله عليه وسلم  وأبا بكر وعمر، وأرجو أن أكون معهم بحبي إياهم، وإن لم أعمل بمثل أعمالهم)[58].
     وقد اقترن حبّه  صلى الله عليه وسلم  بحبّ الله تعالى في كثيرٍ من الآيات القرآنية والأحاديث الشريفة؛ فمن الآيات قوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللهُ[59] ، وقوله تعالى: ﴿ قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ [60] الآية، ومن الأحاديث قوله  صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهن طعم الإيمان: من كان الله ورسولُه أحبّ إليه مما سواهما..." الحديث[61].
    ان   التدبر والنظر في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم فيها لمن تدبر عظة وذكرى، ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم وخير من دب على الثرى وهو الأسوة أنه كان يجلس على الأرض. ويأكل على الأرض . ويعتقل الشاة . ويجيب دعوة المملوك ويركب الحمار. ويقول: إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد، ويقف بين يديه رجل يرعد كما ترعد السعفة فيقول : هون عليك فإنما انا إبن إمرأة من قريش كانت تأكل القديد . يمر بالصبيان ويسلم عليهم.
قسم التواضع في الأنام جميعهم* ذهبت أنت فقدته بزمامه
كانت الأمة من إماء المدينة لتأخذ بيد النبي صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت. كان يكون في مهنة أهله فإذا حضر وقت الصلاة خرج إلى الصلاة . كان يخيط ثوبه ويخصف نعله . ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم. وإذا صافح الرجل لم ينزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده . لا يأنف صلى الله عليه وسلم أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له الحاجة، وكان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم . ويعود مرضاهم. ويشهد جنائزهم يدعونه إلى خبز الشعير فما يردهم كما ثبت ذلك كله عنه .

فكم خصف النعال وخاط ثوبا ... وكم من شأنه ملأ الجفانا
زعيم القوم خادمهم فطوبى ....... لمن خدم الرعية أو أعانا
تشبه بالرسول تفز بدنيا ......... وأخرى والشقي من استهانا
فأخلاق الرسول لنا كتاب ........ وجدنا فيه أقصى مبتغانا
وعزتنا بغير الدين ذل ........... وقدوتنا شمائل مصطفانا

      في خضم الحياة المعاصرة نجد الأمور قد اختلطت، والشرور قد سادت، وأصبح النشء والشباب يرددون: نحن لا نجد القدوة الصالحة ... وبدلاً من أن يبحثوا عنها نراهم قد اتخذوا المشاهير من المفكرين أو الممثلين السينمائيين، أو اللاعبين، أو المطربين قدوة ومثلاً ... وما نراهم إلا استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير!!!
   من هنا كانت الحاجة ملحة لأن نعيد إلى أذهاننا وأذهان أبنائنا الصورة الصحيحة للقدوة الصالحة، والشخصية التي تستحق أن تُتبع وأن يُحتذى بها.
    إن المقصود بحبه صلى الله عليه وسلم ليس فقط العاطفة المجردة، وإنما موافقة أفعالنا لما يحبه صلى الله عليه وسلم، وكراهية ما يكرهه، وعمل ما يجعله يفرح بنا يوم القيامة...ثم التحرق شوقاً للقياه، مع احتساب أننا لا نحبه إلا لله،  ‍وفي الله، وبالله.
         يقول الله تعالى:( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ ..ٌ)[62] ذلك ان الرسول صلى الله عليه وسلم، هو المكلف بتبليغ رسالة ربه، وهو المكلف بتنزيلها على الواقع، وهو المكلف بتطهير النفوس من ادران الجاهلية والخبائث، وهو المكلف بتعليم الحكمة، وتزكية النفوس وتنقيتها من الانحراف الزيغ وهو طريقنا الى الله واليوم الآخر. ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[63] لذلك فأن حسن الاقتداء به وحسن اتباعه، يعد الطريق الاساس لنيل محبة الله عز وجل. ولنعش مع هذه الاية العظيمة لعلنا نتعلم قطرة من بحر من علم الله: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)[64]
      وعملية التزكية عملية غاية في القوة وهي مصدر الرقة والتصوف والعيش مع الله بما يرضي الله ورسوله وهي عملية تربوية للاجيال لحمل كل الصفات الحميدة من صدق وامن وسلم وامان ووفاء وحلم واناة وشجاعة وتدبر وغيرها.
نعم .. ان عملية التزكية لا يمكن لأحد ان يقوم بها الا اذا كان يحمل في اعماقه اعلى درجات الخلق الفاضلة والعلم الغزير وهي عبارة عن مرحلتين:
الاولى:- التخلية بمعنى ان يقوم المربي بتخلية التلميذ، اي تخلية باطنه واعماقه وخلقه من كل رذيلة وخسة وكذب وزور وبهتان وفساد وفحش وظلم وجهل وكل الرذائل.
الثانية:- التحلية بمعنى ان يقوم المربي بعد التفريغ والتخلية بزرع كل الصفات الحميدة العالية باتجاه معاكس لما قام به من تخلية فيزرع الحب بدلا عن الكراهية والعلم بدلا عن الجهل والصدق بدلا عن الكذب والحلم بدلا عن التهور والعدل بدلا عن الظلم وفوق كل ذلك الايمان بدلا عن الكفر والشرك والعفة بدلا عن الفحشاء وهكذا زرع كل صالح بدلا عن كل فاسد. فترى ان ذلك الانسان الفاسد يتحول الى انسان صالح بعملية التزكية والذي يشغل المربون انفسهم بها فسيدنا عمر رضي الله عنه يتحول من انسان يدفن ابنته وهي  حية في مجتمع جاهلي قبل عملية التزكية ويتحول الى هذا الرجل العادل والشجاع العظيم بعد عملية التزكية، وابو ذر رضي الله عنه وهو رجل في مرحلة من مراحل التزكية قبل التخلية في قضية جزئية يقول لبلال )ياابن السوداء) وبعد التزكية يتغير بحيث يتحلى بكل صفة احترام للاخر ويتواضع لبلال رضي الله عنه، وهكذا كل الصحابة تربوا على التزكية والتابعون والى يومنا هذا.
       واخبرنا جل وعلا قائلا :( إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[65] فاخبار بصلاة الله وملائكته على هذا الرسول الكريم وامر للمؤمنين بالصلاة والتسليم عليه.       
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مَن صلَّى عليَّ حينَ يصبحُ عَشراً ، وحينَ يُمسي عشراً أدرَكَتْهُ شفاعتي يومَ القيامةِ)[66]
وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَحَد يُسَلِّم عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّه عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدّ عَلَيْهِ السَّلَام)[67]   وقال صلى الله عليه وسلم:(أولى النَّاسِ بي يومَ القيامةِ أَكثرُهم عليَّ صلاةً)[68]                               
 وقال صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرَ صَلَوَاتٍ ، وَحُطَّتْ عَنْهُ عَشْرُ خَطِيئَاتٍ ، وَرُفِعَتْ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ)[69].   
محبة أهل البيت -  رضي الله عنهم - وأرضاهم:
أ- المقصودون بأهل البيت رضي الله عنهم:  قال الله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً[70]...   قال المباركفوري: "باب مناقب أهل بيت النبي  صلى الله عليه وسلم ، قال الشيخ عبدُ الحقّ في اللمعات: .. وقد جاء بمعنى أهلِه - صلى الله عليه وسلم - شاملاً لأزواجه المطهَّرات، وإخراج نسائه  صلى الله عليه وسلم  من أهل البيت في قوله ﴿وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [71]، مع أن الخطابَ معهنّ سباقًا وسياقًا، فإخراجهن مما وقع في البيت يُخرِج الكلامَ عن الاتساق والانتظام، قال الإمام الرازي: إنّها شاملةٌ لنسائه  صلى الله عليه وسلم؛ لأن سياق الآية ينادي على ذلك، فإخراجُهن عن ذلك وتخصيصُه بغيرهن غير صحيح، والوجه في تذكير الخطاب. "إني تركت فيكم من إن أخذتم به" أي اقتديتم به واتبعتموه، وفي بعض النسخ "تركت فيكم ما إن أخذتم به"[72] أي إن تمسكتم به علمًا وعملاً، "كتاب الله وعِتْرتي أهل بيتي" قال التوربشتي: عترة الرجل أهلُ بيته ورهطُه الأدْنَون، ولاستعمالهم العِترة على أنحاء كثيرة بيَّنها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله "أهل بيتي" ليعلم أنّه أراد بذلك نسلَه وعصابته الأدنين وأزواجه، انتهى. قال القارئ: والمراد بالأخذ بهم التمسّك بمحبتهم ومحافظة حرمتهم والعمل بروايتهم والاعتماد على مقالتهم، وهو لا ينافي أخذ السنة من غيرهم؛ لقوله تعالى: ﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[73]، وقال ابن الملك: التمسّك بالكتاب العمل بما فيه وهو الائتمار بأوامر الله والانتهاء عن نواهيه، ومعنى التمسك بالعترة محبتُهم والاهتداء بهديهم وسيرتهم" [74]
 ب- محبة عليّ - رضى الله عنه -: عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: أشهدُ أنّي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (من أحبّ عليًّا فقد أحبّني، ومن أحبّني فقد أحبّ الله، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله)[75]
 وقال رجلٌ لسلمانَ - رضى الله عنه: ما أشدّ حبِّك لعليّ! قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أحب عليًّا فقد أحبني، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني"[76] ، وقال علي - رضى الله عنه -: "والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنه لعهد النبيّ الأمّي - صلى الله عليه وسلم - إليَّ أن لا يحبني إلا مؤمنٌ ولا يبغضني إلا منافق [77].
 قال العلامة المناوي:  ("من أحبّ عليًّا فقد أحبني ومن أبغض عليّا فقد أبغضني" لِمَا أُوتِيه من كرم الشيم وعلوّ الهمم، قال السهروردي: اقتضى هذا الخبر وما أشبهه من الأخبار الكثيرة في الحثّ على حبّ أهل البيت والتحذير من بغضهم تحريمَ بغضِهم ووجوبَ حبّهم، وفي توثيق عرى الإيمان عن الحرالي أن خواصّ العلماء يجدون لأجل اختصاصهم بهذا الإيمان حلاوةً ومحبةً خاصّة لنبيّهم، وتقديمًا له في قلوبهم حتى يجد إيثاره على أنفسهم وأهليهم[78]  ، وقال جابر - رضى الله عنه : "ما كنّا نعرف المنافقين إلا ببغض عليّ")[79]  
 وقال النووي:  ومعنى هذه الأحاديث ( يعني قوله: "لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر"، وقول علي: "أن لا يحبنى إلا مؤمن ولا يبغضنى إلا منافق)". أنّ من عرَف مرتبة الأنصار… وعرف من علي بن أبي طالب - رضى الله عنه - قربَه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - له، وما كان منه في نصرة الإسلام وسوابقه فيه، ثم أحبّ الأنصار وعليّا لهذا، كان ذلك من دلائل صحة إيمانه وصدقه في إسلامه؛ لسروره بظهور الإسلام، والقيام بما يُرضِي الله - عز جل - ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أبغضَهم كان بضد ذلك، واستدلّ به على نفاقه وفساد سريرته والله أعلم، وأما قوله "فلق الحبة" فمعناه شقّها بالنبات، وقوله "وبرأ النسمة" هو بالهمزة أي خلق[80] .
  جـ- محبة فاطمة - رضي الله عنها: قال  صلى الله عليه وسلم: (إن فاطمة منِّي وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها)[81] ، وقال: (فاطمة بِضعةٌ منّي فمن أغضبها أغضبني)[82] ،  ومناسبة حديث "فاطمة بضعة مني" أن عليًّا - رضى الله عنه - خطب بنت أبي جهل إلى عمّها الحارث بن هشام، فاستشار النبيّ  صلى الله عليه وسلم  فقال: "أعن حسبِها تسألُنِي"؟ فقال: لا ولكن أتأمرُنِي بها؟ قال: "لا، فاطمة مضغة مني، ولا أحسب إلا أنّها تحزن أو تجزع"، فقال علي: لا آتي شيئا تكرهه[83] ... فترك عليٌّ الخِطبة وتزوجها عتابُ بن أسيد بن أبي العيص لما تركها علي، وقوله - صلى الله عليه وسلم: "إلا أن يريدَ ابنُ أبي طالبٍ أن يطلق ابنتي وينكح ابنتهم[84]  ." هذا محمولٌ على أن بعض من يبغض عليًّا وَشَى به أنه مصمم على ذلك، وإلا فلا يُظنّ به أنه يستمر على الخطبة بعد أن استشار النبي  صلى الله عليه وسلم  فمنعه، وفي "وإني لست أحرّم حلالاً ولا أحلِّل حرامًا، ولكنْ واللهِ لا تُجمع بنتُ رسول الله وبنت عدو الله عند رجل أبدًا"[85].، قال ابن التين: أصح ما تحمل عليه هذه القصة أن النبي  صلى الله عليه وسلم  حرّم على عليٍّ أن يجمع بين ابنته وبين ابنة أبي جهل لأنه علل بأن ذلك يؤذيه وأذيته حرامٌ بالاتفاق، ومعنى قوله: "لا أحرم حلالا" أي هي له حلال لو لم تكن عنده فاطمة، وأما الجمع بينهما الذي يستلزم تأذِّي النبيِّ  صلى الله عليه وسلم  لتأذي فاطمة به فلا، وزعم غيرُه أن السياق يشعر بأن ذلك مباحٌ لعليٍّ لكنه منعه النبي  صلى الله عليه وسلم  رعاية لخاطر فاطمة، وقَبِلَ هو ذلك امتثالاً لأمر النبي  صلى الله عليه وسلم ، والذي يظهر لي أنه لا يبعد أن يعد في خصائص النبي  صلى الله عليه وسلم  أن لا يُتزوج على بناته، ويحتمل أن يكون ذلك خاصًّا بفاطمة - عليها السلام.
 قوله "فإنما هي بَضْعةٌ منّي" -بفتح الموحَّدة وسكون الضاد المعجمة- أي قطعة، وفي رواية "مضغة"، والسبب فيه... أنها كانت أصيبت بأمها ثم بأخواتها واحدةً بعد واحدة فلم يبق لها من تستأنس به ممن يخفّف عليها الأمر ممن تفضي إليه بسرها إذا حصلت لها الغيرة. قوله "يريبني ما أرابها -وفي رواية رابَها- وأنا أتخوّف أن تفتن في دينها"؛ يعني أنها لا تصبر على الغيرة فيقع منها في حقّ زوجها في حال الغضب ما لا يليق بحالها في الدين، "ويؤذيني ما آذاها" "وينصبني ما أنصبها"، وهو التعب: "يقبضني ما يقبضها ويبسطني ما يبسطها".
 ويؤخذ من هذا الحديث أن فاطمة لو رضيت بذلك لم يُمنع علي من التزويج بها أو بغيرها، وفي الحديث تحريم أذى من يتأذى النبي  صلى الله عليه وسلم  بتأذيه؛ لأن أذى النبي  صلى الله عليه وسلم  حرام اتفاقا قليلُه وكثيره، وقد جزم بأنه يؤذيه ما يؤذي فاطمة فكل من وقع منه في حق فاطمة شيء فتأذت به فهو يؤذي النبي  صلى الله عليه وسلم  بشهادة هذا الخبر الصحيح، ولا شيء أعظم في إدخال الأذى عليها من قتل ولدها، ولهذا عرف بالاستقراء معاجلة من تعاطى ذلك بالعقوبة في الدنيا ولعذاب الآخرة أشدّ، وفيه حجةٌ لمن يقول بسد الذريعة؛ لأن تزويج ما زاد على الواحدة حلالٌ للرجال ما لم يجاوز الأربع، ومع ذلك فقد منع من ذلك في الحال لما يترتب عليه من الضرر في المآل)[86]..
 ومحبّة فاطمة - رضي الله عنها - تعني تولِّيها والإحسان إليها ومعرفة حقّها ومكانتها من النبي  صلى الله عليه وسلم ؛ ومن ثم قال أبو بكر لعلي  رضي الله عنهما  لما وجدت فاطمة عليه لمنعه إيّاها من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لقرابةُ رسولِ الله  صلى الله عليه وسلم  أحبّ إليَّ أن أَصِلَ من قرابتي، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال فلم آلُ فيها عن الخير، ولم أترك أمرًا رأيتُ رسولَ الله  صلى الله عليه وسلم  يصنعه فيها إلا صنعته".[87]
  د- محبّة الحسن والحسين - رضي الله عنهما -: قال - صلى الله عليه وسلم - فيهما مجموعين - رضي الله عنهما -: (هذان ابناي، الحسن والحسين، اللهمّ إني أُحبّهما، اللهمّ فأحبّهما وأحبّ من يُحبّهما) [88].
 قال المباركفوري، وهو يشرح جامع الترمذي: "باب مناقب الحسن والحسين - رضي الله عنهما - كأنه جمعهما لما وقع لهما من الاشتراك في كثيرٍ من المناقب، وكان مولد الحسن في رمضان سنة ثلاثٍ من الهجرة عند الأكثر وقيل بعد ذلك، ومات بالمدينة مسموما سنة خمسين ويقال قبلها ويقال بعدها، وكان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر، وقُتِل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكربلاء من أرض العراق، وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيدَ كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته فخرج الحسين إليهم فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة فخذَّل غالبَ الناس عنه فتأخّروا رغبة ورهبة، وقتل ابن عمه مُسْلِمَ بن عقيل وكان الحسين قد قدَّمه قبله ليبايع له الناس، فجهز إليه عسكرا فقاتلوه إلى أن قُتل هو وجماعة من أهل بيته، والقصة مشهورة".
 قال: قوله: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".. جمعُ شابّ، وهو من بلغ إلى ثلاثين.. يعني هما أفضل من مات شابّا في سبيل الله من أصحاب الجنة، ولم يُرد به سن الشباب؛ لأنهما ماتا وقد كهلا، بل ما يفعله الشباب من المروءة، كما يقال فلان فتى إن كان شيخًا يشير إلى مروءته وفتوته، أو أنهما سيدا أهل الجنة سوى الأنبياء والخلفاء الراشدين، وذلك لأن أهل الجنة كلهم في سن واحد وهو الشباب، وليس فيهم شيخ ولا كهل، قال الطيبي: ويمكن أن يراد هما الآن سيدا شباب من هم من أهل الجنة من شبان هذا الزمان".
 قال: "هذان ابناي -أي حكمًا وابنا ابنتي أي حقيقةً- اللهم إني أحبهما".. إلخ، لعل المقصود من إظهار هذا الدعاء حمل أسامة وغيره على زيادة محبتهما".
 قال: "فيشمهما" أي فيحضران فيشمهما ويضمهما إليه أي بالاعتناق والاحتضان.
 قال: "إن ابني هذا سيد" فيه أن السيادة لا تختص بالأفضل؛ بل هو الرئيس على القوم والجمع سادة، وهو مشتق من السؤدَد وقيل من السواد لكونه يرأس على السواد العظيم من الناس أي الأشخاص الكثيرة، "يصلح الله على يديه" وفي رواية البخاري وغيره "لعل الله أن يصلح به بين فئتين".. زاد البخاري في رواية "عظيمتين" قال العيني: وصفهما بالعظيمتين؛ لأن المسلمين كانوا يومئذ فرقتين فرقة مع الحسن - رضى الله عنه - وفرقة مع معاوية، وهذه معجزة عظيمة من النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث أخبر بهذا فوقع مثل ما أخبر، وأصل القضية أن علي بن أبي طالب لما ضربه عبد الرحمن بن ملجم المرادي يوم الجمعة لثلاث عشرة بقيت من رمضان من سنة أربعين من الهجرة مكث يوم الجمعة وليلة السبت وتوفي ليلة الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من رمضان سنة أربعين من الهجرة، وبويع لابنه الحسن بالخلافة في شهر رمضان من هذه السنة، وأقام الحسن أيّامًا مفكرا في أمره ثم رأى اختلاف الناس فرقة من جهته وفرقة من جهة معاوية ولا يستقيم الأمر، ورأى النظر في إصلاح المسلمين وحقن دمائهم أولى من النظر في حقّه، سلّم الخلافة لمعاوية في الخامس من ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين وقيل من ربيع الآخر وقيل في غرة جمادى الأولى، وكانت خلافتُه ستةَ أشهر إلا أياما وسمي هذا العام عامَ الجماعة، وهذا الذي أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين" اهـ.
 قال: يريد - صلى الله عليه وسلم - بقوله "ابني هذا" الحسن بن علي بن أبي طالب.
 قال: قوله "حسين مني وأنا من حسين" قال القاضي: كأنه - صلى الله عليه وسلم - [رأى] بنور الوحي ما سيحدث بينه وبين القوم فخصّه بالذكر وبين أنهما كالشيء الواحد في وجوب المحبة وحرمة التعرض والمحاربة، وأكد ذلك بقوله "أحبّ الله من أحبّ حسينًا" فإن محبته محبة الرسول ومحبّة الرسول محبة الله.. "حسين سِبط - بالكسر- من الأسباط" قال في "النهاية": أي أمة من الأمم في الخير، والأسباط في أولاد إسحاق بن إبراهيم الخليل بمنـزلة القبائل في ولد إسماعيل، وأحدهم سبط فهو واقع على الأمّة والأمة واقعة عليه، انتهى. وقال القاضي: السبط ولد الولد أي هو من أولاد أولادي، أكد به البعضية وقررها، ويقال للقبيلة قال تعالى: ﴿ وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً [89]؛ أي قبائل، ويحتمل أن يكون المراد هاهنا على معنى أنه يتشعب منه قبيلة ويكون من نسله خلق كثير فيكون إشارة إلى أن نسله يكون أكثر وأبقى، وكان الأمر كذلك.
 قال: قوله "لم يكن أحد منهم - أي من أهل البيت- أشبهَ برسول الله  صلى الله عليه وسلم  من الحسن بن علي" هذا يعارض رواية ابن سيرين عند البخاري عن أنس قال "أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسين" الحديث، وفيه فقال أنس "كان -أي الحسين- أشبههم برسول الله - صلى الله عليه وسلم -" قال الحافظ: ويمكن الجمع بأن يكون أنسٌ قال ما وقع في رواية الزهري يعني رواية الباب في حياة الحسن؛ لأنه يومئذٍ كان أشد شبها بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من أخيه الحسين، وأما ما وقع في رواية ابن سيرين فكان بعد ذلك كما هو ظاهر من سياقه، أو المراد بمن فضل الحسين عليه في الشبه من عدا الحسن، ويحتمل أن يكون كلٌّ منهما كان أشد شبها به في بعض أعضائه، فقد روى الترمذي وابن حبّان من طريق هانئ بن هانئ عن علي قال: "الحسن كشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما بين الرأس إلى الصدر والحسين أشبه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان أسفل من ذلك([90])
 ه‍- حب آل البيت -  رضي الله عنهم - بين المغالاة والمجافاة: قد يكون الحديث في هذا الأمر في هذا الوقت خاصةً مطلوبًا أكثر من أوقات مضت أو تأتي؛ ذلك أن حب آل البيت -رضوان الله عليهم جميعًا- يطفو على السطح هذه الأيام؛ التي يكثر فيها الكلام عن الشيعة ومعهم وسماعهم، والشيعة يُكثِرون من الدوران حول هذه الجزئية؛ بل يكادون يقيمون دينَهم عليها، في حين يفسدون ويغفلون أشياء أخرى أهم، فوجب علينا تبيِّينُ وجه الصواب في هذه المسألة؛ أي عقيدة أهل السنة والجماعة في هذه القضية.
 قال الإمام ابن كثير  رحمه الله تعالى: "ثم الذي لا شك فيه من تدبّر القرآن أن نساء النبي  صلى الله عليه وسلم  داخلات في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [91]؛ فإنّ سياق الكلام معهن؛ ولهذا قال تعالى بعد هذا كله: ﴿ وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ الله وَالْحِكْمَةِ[92]؛ أي واعملن بما يُنـزِل الله تبارك وتعالى على رسوله  صلى الله عليه وسلم  في بيوتكن من الكتاب والسنة، قاله قتادة وغير واحد، واذكرن هذه النعمة التي خصصتن بها من بين الناس أن الوحي ينـزل في بيوتكن دون سائر الناس، وعائشة الصديقة بنت الصديق - رضي الله عنهما - أولاهن بهذه النعمة وأحظاهن بهذه الغنيمة وأخصهن من هذه الرحمة العميمة؛ فإنه لم ينـزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الوحي في فراش امرأة سواها، كما نص على ذلك - صلوات الله وسلامه عليه - قال بعض العلماء - رحمه الله تعالى-: لأنه لم يتزوج بكرًا سواها، ولم ينم معها رجل في فراشها سواه - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنها، فناسب أن تخصص بهذه المزيّة وأن تفرد بهذه المرتبة العليا؛ ولكن إذا كان أزواجه من أهل بيته فقرابته أحق بهذه التسمية"([93] والشيعة فيقعون في مخالفاتٍ منها:
- إخراج نساء النبي من آل البيت ويسبون عائشة - رضي الله عنها .
  - يشتمون الصحابة، وأبا بكر وعمر.
 أما أهل التصوف فيحبون أهل بيت رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ويتولونهم ويحفظون فيهم وصية رسول الله  صلى الله عليه وسلم  حيث قال يوم غدير خم: "أذكركم الله في أهل بيتي"[94]. فأهل السنة يحبونهم ويكرمونهم لأن ذلك من محبة النبي  صلى الله عليه وسلم  وإكرامه، وذلك شرط أن يكونوا متبعين للسنة مستقيمين على الملة. كما كان سلفهم كعلي وبنيه، أما من خالف السنة ولم يستقم على الدين فلا تجوز موالاته ولو كان من أهل البيت.
 فموقف أهل التصوف من أهل البيت موقف العدل والإنصاف، يتولون أهل الدين والاستقامة منهم. ويتبرؤون ممن خالف السنة وانحرف عن الدين ولو كان من أهل البيت؛ فإن كونه من أهل البيت ومن قرابة الرسول لا تنفعه شيئا حتى يستقيم على دين الله؛ فقد روى أبو هريرة - رضى الله عنه - قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أنزل عليه ﴿ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ )[95]، فقال: (يا معشر قريش -أو كلمة نحوها- اشتروا أنفسكم لا أغني عنكم من الله شيئا، يا عباس بنَ عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمةَ رسول الله لا أغني عنك من الله شيئا، ويا فاطمة بنتَ محمدٍ سليني من مالي ما شئت لا أغني عنك من الله شيئا)[96].
 ويتبرأ أهل التصوف من طريقة الراوافض الذين يغلون في بعض أهل البيت ويدَّعون لهم العصمة، ومن طريقة النواصب الذين ينصبون العداوة لأهل البيت المستقيمين ويطعنون فيهم، ومن طريقة المبتدعة والخرافيين الذين يتوسلون بأهل البيت ويتخذونهم أربابا من دون الله.
 فأهل التصوف في هذا الباب وغيره على النهج المعتدل والصراط المستقيم، الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، ولا جفاء ولا غلو في حق أهل البيت وغيرهم. وأهل البيت المستقيمون ينكرون الغلو فيهم ويتبرؤون من الغلاة.
 هذا، وقد قدمنا اتباع النبي صلى الله عليه وسلم ؛ كسبب لحب الله تعالى عباده، قبل الإحسان والتقوى والخلق الإسلاميّ لأنه لا يصح إحسان ولا تقوى ولا غيرهما من أسباب حب الله للعبد إلا بعد صحة اتباع النبي  صلى الله عليه وسلم ، وذلك لأن اتباع النبي  صلى الله عليه وسلم هو الإسلام والإيمان اللذان لا يصح دين غيرهما؛ فلا يمكن للمشرك ولا للذمي ولا للمرتد إحسان ولا تقوى ولا إقساط، ولا أي نوع من أنواع الخير والبر؛ بل لا يقبل منه أصلا، وإنما عمله هذا مهما زاد فهو هباء منثور ومحبط بإذن الله. فعلمنا أن اتباع النبي  صلى الله عليه وسلم  هو شرط حب الله تعالى عباده الذي لا يتحصل إلا به، وأما ما عداه من إحسانٍ وغيره فهي مكملات تزيد في هذا الحب الذي يوجد إن شاء الله بمتابعة النبي  صلى الله عليه وسلم. كذلك فإن محبة النبي صلى الله عليه وسلم  باب في اتباعه؛ فالله تعالى لم يشترط طاعته فقط بل ومحبته أيضًا.. فقد اشترط الشرع الحنيف طاعة المحبة لا طاعة الإجبار والبغضاء.
الخلاصة:
- وجوب اتباع النبي  صلى الله عليه وسلم  في الدين كله، وأن ذلك أول أسباب محبة الله تعالى المسلمين؛ بل لا يصح سبب إلا من بعده.
 - محبة النبي  صلى الله عليه وسلم ؛ فاتباعه ليس اتباع مكرَهٍ أو كارِه، وإنما اتباع محبٍّ مقبِل.
 - محبة أهل بيته رضوان الله عليهم جميعا وخاصة من وردت فيهم الأحاديث ممن سبق ذكرهم.
   ثانيا: الاحسان:
   يأتي الإحسان في اللغة على عدة معان، منها: الإتيان بالفعل الجميل على وجه الإتقان والإحكام، وهذا ما نجده في قوله تعالى مثلاً: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)[97]. وأحسَنَ الشيءَ: عرفه فأتقنه، قال تعالى: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)[98]. والإحسانُ الاستقامةُ، قال تعالى: (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ)[99]. والإحسانُ الإخلاصُ ومراقبة الله عز وجل، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ)[100])[101].
والإحسان فيه معنى الكمال، قال تعالى: (وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)[102].
   أما المعنى الاصطلاحي فهو الذي يعبر عن الركن الثالث من أركان الدين الإسلامي، وقد ورد منصوصًا عليه في حديث جبريل المشهور: " أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)[103].
    ولا تخفى المناسبة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي الشرعي، فإن عبادة الله التي يراعى فيها الشهود القلبي للحق أو مراقبةُ الله تعالى تقتضي معرفتَه، وتستلزم إتقان ما يقرب إليه من العمل، وتثمر الاستقامة على المنهج الرباني، وتكون لا محالة على جهة الإخلاص والتبري من الحول والقوة، وترتقي بالإنسان إلى كماله المقدر له في علم الله عز وجل.
   والإحسان مصدر، تقول: أحسنتَ كذا إذا أتقنتَه، وأحسنت إلى فلان إذا أوصلتَ إليه النفع، وفي الحالين أنت في عبادة راقية إذا كان حظك أحدَ مشهدين:
أعلاهما: أن يغلب على العبد مشاهدة الحق بقلبه كأنه يراه بعينه، وهو قوله: (كأنك تراه)، أي: وهو يراك ومطلع عليك، وشهود الحق بقلبك يكون عندما تشهد فعله وتصريفه وتدبيره للممكنات، كما يكون عندما تشهد آثار أسمائه وتجليات صفاته في الخلق.
وأدناهما: أن يستحضر العبد اطلاع الحق عليه، وأنه يرى كل ما يعمل، وهو قوله: (فإنه يراك).
وهاتان الحالتان ثمرةٌ لمعرفة الله وخشيته، ومعرفة الحق درجات، وخشيته على قدر معرفته، لذلك ورد في روايةٍ التصريح بالنتيجة المتضمنة سببَها: "الإحسان أن تخشى الله كأنك تراه"[104].
فمراعاة الأدب في معاملة الحق والخلق على جهة الإحسان تكون في أعلى سوية لها إذا كنت تراه ويراك، لكنه يراك وإن لم تره، فأحسن عبادته وإن لم تره، فالتقدير في الحديث: فإن لم تكن تراه فاستمر على إحسان العبادة فإنه يراك.
لذلك قال الإمام النووي رحمه الله: (وَهَذَا الْقَدْر مِنْ الْحَدِيث أَصْلٌ عَظِيمٌ مِنْ أُصُول الدِّين، وَقَاعِدَة مُهِمَّة مِنْ قَوَاعِد الْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ عُمْدَة الصِّدِّيقِينَ وَبُغْيَة السَّالِكِينَ وَكَنـز الْعَارِفِينَ وَدَأْب الصَّالِحِينَ، وَهُوَ مِنْ جَوَامِع الْكَلِم الَّتِي أُوتِيَهَا صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)[105].
    فقد بيّن صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث معنى الإحسان: وهو أن يفعل الإنسان ما تعبّده الله به كأنه واقف بين يدي الله، وذلك يستلزم تمام الخشية والإنابة  إليه سبحانه، ويستلزم الإتيان بالعبادة على وفق الخطة التي رسمها رسوله صلى الله عليه وسلم. وقد ضمّن صلى الله عليه وسلم جوابه عن الإحسان بيان السبب الحافز على الإحسان لمن لم يبلغ هذه الدرجة العالية، والمنزلة الرفيعة، ألا وهو: تذكير فاعل العبادة بأن الله مطلع عليه، لا يخفى عليه شيء من أفعاله، وسيجازيه على ذلك، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر، ولا شك أن العاقل إذا تذكر أن الله رقيب عليه أحسن عمله، رغبة فيما عند الله من الثواب للمحسنين، و خوفًا من العقاب الذي أعده للمسيئين :(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ)[106]
     ولوتأملنا مواضع الاحسان في القرآن الكريم، لوجدناها تدور على محاور متعددة قال تعالى: (وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[107].. (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[108] .. (فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[109] .. ان ما تحتويه هذه الآيات، تمثل احد معطيات الاحسان الذي هو في النهاية احد الطرق المفضية الى كسب محبة الله عز وجل.
ننتقل الآن إلى بعض النماذج من السنة النبوية التي يظهر فيها تفرع الإحسان في السنة عن هذا الأصل الذي هو الحديث المتقدم، فما من معاملة للحق أو الخلق إلا وقد تعلق بها ما تقدم من مفهوم الإحسان من جهة الكيف، وهي العبادة على جهة الشهود أو المراقبة: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك"، ومن جهة الكم، وهي التعميم في قوله: "إن الله كتب الإحسان على كل شيء".
الإحسان في المعاملة القلبية للحق:
- إن أول ما ترشدك إليه السنة في هذا المقام أن يصدر إحسانك عن تخلقك بأخلاق الرحمن، قال صلى الله عليه وسلم: "إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا، فإن الله عز وجل محسن يحب الإحسان"[110].
فإذا صح لك أن يصدر إحسانك عن تخلقك بأخلاق الرحمن عند ذلك تجزى على إحسانك إحسانًا، (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)[111].
يقول أبو سعيد الخراز رحمه الله: هل جزاء من انقطع عن نفسه إلا التعلق بربه؟ وهل جزاء من انقطع عن أنس المخلوقين إلا الأنس برب العالمين؟ وهل جزاء من صبر علينا إلا الوصول إلينا؟ ومن وصل إلينا هل يجمل به أن يختار علينا؟ وهل جزاء التعب في الدنيا والنصب فيها إلا الراحة في الآخرة؟ وهل جزاء من صبر على البلوى إلا التقرب إلى المولى؟ وهل جزاء من سلّم قلبه إلينا أن نجعل توليته إلى غيرنا؟ وهل جزاء من بعد عن الخلق إلا التقرب إلى الحق[112].
وقال ذو النون رحمه الله: هل جزاء من أحسنتُ إليه إلا أن أحفظ إحساني عليه، فيكون إحسانًا إلى إحسان[113].
- من الإحسان في معاملة الحق أن تحسن توحيده، فهذا الدين لبُّه وقِوامُه التوحيد، ولكن كيف أمرتك السنة بالتوحيد؟
أمرتك السنة أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، كما في حديث أركان الإسلام المشهور وأحاديث كثيرة، وهذه الصيغة في الحديث بيانٌ لقوله تعالى: (فاعلم أنه لا إله إلا الله)[114]، فالعلم أعم من الشهود، والشهود نوع من العلم.
إن هذا الطلبَ الصريحَ من الشارع بأن تشهد، وليس فقط أن تعلم، يرجعك إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه"، أي تعبده على الشهود والعيان كما عبدته على الدليل والبرهان، وهذا هو الإحسان في التوحيد، وفي هذه الصيغة ما لا يخفى من رفع همة العبد كي يحصل هذا المقام، وهذا ما نجده في قوله صلى الله عليه وسلم رافعًا همتك أيضًا: (ليس الخبر كالمعاينة)[115]:
- ومن الإحسان في معاملة الحق القلبية أن تشهد الخيرية في قضائه وقدره، تصديقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير"[116]، فإذا ما فتح المؤمن عين بصيرته ظهرت له الخيرية في المنع والعطاء، إذ المنع من الله إحسان، فأحسن كما أحسن الله إليك، أي فأحسن الفهم عن الله في المنع والعطاء كما أحسن الله إليك، وهو واقع الحال الذي أشار له الحديث: (إن أمره كله خير)، وأيضًا فأحسن التعامل مع الخلق الذي يصدر عن ذلك الفهم، كما أحسن الحق معاملتك، فهل عودك إلا حسنًا، وهل أسدى إليك إلا مِنَنًا.
- ومن الإحسان في معاملة الحق أن تشهده عند معاملتك لخلقه، فترى الظاهر في المظاهر، وتراعي حق النسبة في قوله صلى الله عليه وسلم: (الخلق كلهم عيال الله، فأحبّ الخلق إلى الله أنفعهم لعياله)[117]، فيترتب على ذلك أن تكون في خدمتهم التي هي عين خدمة الحق، لأن السيد يحب الإحسان إلى عبيده، فكن في موضع تستجلب فيه محبة الحق لك.
     من هنا نفهم قوله تعالى في الحديث القدسي: (يا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يا رَبِّ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ؟! أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟!)[118]، فالذي مرض هنا هو العبد، لكن الحق أضاف ذلك إلى نفسه تشريفًا لعبد وتقريبًا له، وتوجيهًا للغافل أن يشهد سر النسبة، تلك النسبة التي أثبتتها الأسماء وأظهرتها أنوار الصفات:
    وهكذا فمن الإحسان في معاملة الحق أن تشهده عند خلقه، ولا تحجب بهم عنه، لأنه ما ثمّ إلا الله تعالى وأفعاله، فما سواه لا يخرج عن أن يكون فعلاً له.
- وهذا ينقلنا إلى نوع آخر من الإحسان في معاملتك القلبية للحق، وهو أن تحسن عقيدتك في توحيد أفعاله، إن سلامة العقيدة تفرض على المؤمن ألا يقيم في قلبه وزنًا للأسباب الظاهرة مع أنه يتعامل معها بظاهره تأدبًا مع الذي وضع قوانينها، وأقام نواميسها، غير أن التعامل مع الأسباب لا يزال يقرب الإنسان من الحس ويبعده عن المعنى حتى يقع في الغفلة في حال ملابسته لها، مع صحة عقيدته نظريًّا.
وهنا يأتي التوجيه النبوي منبهًا له ومشفقًا عليه أن يقع في مثل هذا: (إذا سألت فاسأل الله)[119].
فالإحسان في عقيدة التوحيد ألا تحجب بالسبب عن المسبِّب، فعند سؤالك للسبب (وكل حركاتك وسكناتك من الصباح إلى المساء سؤال للأسباب) عليك أن تتوجه بقلبك إلى مسبب الأسباب، طالبًا منه، متيقنًا بإجابته، راضيًا بما قسمه لك، متسلمًا لما قدره لك بيد الشكر والامتنان.
وهذا ما فهمه أبو يزيد رضي الله عنه عندما قال: "منذ ثلاثين عامًا وأنا أخاطب الحق والناس يظنون أني أخاطبهم"، فهو لم يغفل في سؤاله للأسباب عمن بيده النواصي، وبين أصبعيه القلوب.
الإحسان في العبادات:
- من الإحسان في الطاعات عمومًا أن تتخير لها أوقات المواسم الإلهية الخاصة فتتعرضَ فيها لنفحات الحق الخاصة، وهذا ما أرشدت إليه السنة بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن لربكم في أيام الدهر نفحات فتعرضوا لها ) وفي رواية: ألا فتعرضوا له، أي لينفحكم بها)[120].
فمن فضل الله تعالى على الأمة أن نوَّعَ لها الطاعات والقربات وأبواب الخير، ومن زيادة الفضل أنه خصص هذه الطاعات بزيادة في الأجر والتقريب في أوقاتٍ معينة وأحوالٍ خاصة.
فباب الصدقة مفتوح في كل وقت، غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرك بأن أفضل الصدقة في رمضان[121]، وأُخبرنا عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان أجود الناس، وكان في رمضان أجودَ بالخير من الريح المرسلة[122]، فاستنبط أهل العلم والفهم أدبًا من آداب الصدقة هو أنه إذا أراد الصدقة في وقت دون وقت تحرى من الشهور رمضان.
- من الإحسان في العبادات الإحسان في الطهارة والصلاة، فقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإحسان في الطهور، بل إنه ربط بين إتقان الوضوء والإتيان بمكملاته الشرعية وبين صفاء العبد في صلاته وخلوها من التشويش، فقال: (ما بال رجالٍ يحضرون معنا الصلاة بغير طهور، أولئك الذين يلبسون علينا صلاتنا، من شهد معنا الصلاة فليحسن الطهور)[123].
ثم إنه طلب الإحسان في الصلاة فقال: (إذا أحسن الرجل الصلاة فأتم ركوعها وسجودها، قالت الصلاة: حفظك الله كما حفظتني)[124]، والإحسان في الصلاة أن تقيم الصلاة ولا تقتصر على فعل الصلاة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ على كل من دخل في الإسلام أن يقيم الصلاة)[125]
وإقامة الصلاة أن تتحقق بآدابها الظاهرة والباطنة، ومن أدب الباطن فيها أن تشهد أنها (قرةُ عين وشفاء)[126]، لكونها محلَّ المناجاة، كما قرره رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن كانت قرة عينه في شيء ودّ أنه لا يفارقه، ولا يخرج منه لأن نعيمه به، وبه تطيب حياته.
ومن الإحسان في الصلاة مثلاً أن تشهد أن الله في قبلتك، كما أخبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ قال: (إن الله تلقاء وجه أحدكم في صلاته)[127]
ومن الإحسان في الصلاة أن تمتثل لأمره صلى الله عليه وسلم في شأن تسوية الصفوف عندما قال: (لينوا في أيدي إخوانكم)[128] ، ولا يخفى ما في الصيغة من الدلالة على أقصى غايات الاستجابة بين الإخوان.
ومن الإحسان في صلاة الاستخارة أن تفوض أمرك إلى الله تعالى فتقول: فإنك تعلم الخير لي وأنا لا أعلمه، وتقول: (واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني به)[129] ، كل ذلك إظهارًا لجهلك وثقة بعلمه وحكمته.
- ومن الإحسان في العبادات الإحسان في الصوم، فقد أمرتنا السنة أن نتخلق بأخلاق الصائمين، (فلا نرفث ولا نجهل)[130]، ونبهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يكون حظنا من الصوم الاقتصار على الامتناع عن المفطرات الحسية، فقد ورد فيمن لم يحسن صومه قوله صلى الله عليه وسلم: (رُبَّ صائمٍ حظُّه من صيامه الجوع والعطش)[131].
ومن الإحسان في الصوم أن ترى أنه حق عليك، ولا تستعظم ما تقوم به من الامتناع عن الملذات ومجاهدة النفس بتعميم ذلك الامتناع على كل منهي عنه ظاهرًا وباطنًا، متذكرًا قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا إن أولياء الله المصلون من يقيم الصلوات الخمس التي كتبن عليه، ويصومُ رمضان يحتسب صومه، يرى أنه حق عليه)[132].
ومن الإحسان في رمضان أن تضاعف أعمال البر متيقظًا لخصوصية الوقت التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه)[133]
ومن الإحسان في رمضان أن تتخلق بأخلاق الرحمن، كما أُمِرت في السنة، فيكون صيامك تشبهًا بالصمدانية، فالصمد لا يحتاج إلى غيره ويحتاج إليه غيره، وعلى ذلك تتدرب في رمضان على الاستغناء عن السبب فتدع طعامك وشرابك وشهوتك لأجل الحق، وحتى يكتمل ذلك التدريب جاءت خصوصية الصدقة في رمضان التي أشار إليها الحديث لتخرجك عن مالك.
إن ضعف الصلة بالأسباب على المستوى الحسي هو الذي يضعف الصلة بها على المستوى المعنوي، ويوصل العبد إلى تحرر قلبه من رق الأسباب والتعلق بها.
ولذلك ختم الله عز وجل آية الصوم بقوله: (لعلكم تتقون)، وجاءت السنة كما تقدم ببيان أسباب تحصيل تلك التقوى.
إن كلَّ من دخل في الإسلام فقد اتقى، أي وقى نفسه من الخلود في النار، وهذا هو مقام العموم.
أما مقام الخصوص فهو مقام الإحسان في التقوى، فليحاسب كلٌّ منا نفسه هل حصّل ذلك في رمضان؟ العارفون عبروا عن تحصيلهم لهذا المقام فقالوا:
- ومن الإحسان في العبادات الإحسان في الاعتكاف، والإحسان فيه الانقطاع للعبادة ظاهرًا وباطنًا، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْتَهِدُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مَا لا يَجْتَهِدُ فِي غَيْرِهِ)[134].
وإن الاجتهاد الخاص بالعبادة إحسان يوجب الجزاء الخاص، فقد قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُعْتَكِفِ: (هُوَ يَعْكِفُ الذُّنُوبَ وَيُجْرَى لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ كَعَامِلِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا)[135].
والإحسان في هذا الاعتزال عن الخلق في الاعتكاف هو الذي ينقل العبد إلى العزلة القلبية عنهم، وهو معهم، فيكون وسط الزحام دون أن يزاحموه بسره:
- ومن الإحسان في العبادات الإحسان في ذكر الله تعالى، فالذكر عبادة مطلوبة، بل مطلوبٌ الاستكثار منها: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا)[136].
والإحسان في الذكر غيبتك عما سوى المذكور، وهذا ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما امتدح من ذكر الله خاليًا منقطعًا إليه عما سواه فقال: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله... ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه)[137]، فالخلو هنا حال للذاكر من خلالها يكون الذاكر محسنًا في ذكره.
-  ومن الإحسان في العبادات الإحسان في الدعاء، وهو أن تشهد أن (الدعاء مخ العبادة)[138] تصديقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالدعاء لا يجلب لك ما لم يُقسم، ولا يبعد عنك ما قدر لك، وإنما الدعاء محض عبودية تظهر فيها فقرك إلى الله تعالى وحاجتك إلى فضله.
- ومن الإحسان في العبادات الإحسان في الصدقة، فتنظر إليها على أنها (برهان)[139]، كما وصفتها السنة، أي علامة على صدق الإيمان وإيثارِ الآجل على العاجل، والعلامات دلالات على أنك ميسر لما خلقت له، وليست موجبات للقبول الذي هو محض فضل.
ومن الإحسان الذي أشارت له السنة في الصدقة أيضًا إخفاؤها حتى (لا تعلم شمالك ما تنفق يمينك)[140].
- ومن الإحسان في العبادات الإحسان في الحج، فتتحقق في عرفة بمعرفتك، إذ الحج هو القصد، فتتوجه إلى الحق بالإخلاص، قائلاً كما علمك رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الموقف: (اللهم إليك توجهت، ووجهك الكريم أردت)[141] ، فإذا ما أنهيت مناسكك شهدت فضله بأن استعملك في طاعته، فقلت: (الحمد لله الذي قضى عنا نسكنا، اللهم زدنا إيمانًا ويقينًا)[142].
وهكذا فإن صور الإحسان التي وردت في السنة متصلةً بكل عبادة من العبادات لا يمكن حصرها.
الإحسان في المعاملات:
- من الإحسان في المعاملات أن يكون سلوك المسلم مع الناس مرتقيًا إلى ما يأمره به دينه، ولا يأتي سلوكه رد فعل على سلوكيات غيره، قال صلى الله عليه وسلم: (لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنَّا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا فلا تظلموا)[143].
- ومن الإحسان في المعاملات أن يتوجه سعيك في أمور الدنيا إلى غرض إعتاق نفسك من عذاب الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: "كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها)[144] ، فيكون عملك للدنيا وسعيك فيها عين عملك للآخرة وسعيك إليها.
- ومن الإحسان في المعاملات أن تتخلق بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتوسع في معاملة الناس، ويتحقق فيك قوله صلى الله عليه وسلم: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا)[145] ، وقوله: (إن الرجل ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم)[146] ، وقوله: (خياركم أحاسنكم أخلاقًا إذا فقهوا)[147].
قَالَ الْقُرْطُبِيّ رحمه الله: (الْخُلُق جِبِلَّة فِي نَوْع الإِنْسَان، وَهُمْ فِي ذَلِكَ مُتَفَاوِتُونَ، فَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا إِنْ كَانَ مَحْمُودًا وَإِلا فَهُوَ مَأْمُور بِالْمُجَاهَدَةِ فِيهِ حَتَّى يَصِير مَحْمُودًا، وَكَذَا إِنْ كَانَ ضَعِيفًا فَيَرْتَاض صَاحِبه حَتَّى يَقْوَى)[148]، وحسن الخلق يختصر في كلمتين: بَذْل الْمَعْرُوف قَوْلاً وَفِعْلاً، وَكَفّ الأَذَى قَوْلاً وَفِعْلاً.
- ومن الإحسان في المعاملات الإحسان في البيع والشراء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله تعالى يحب سمح البيع سمح الشراء سمح القضاء)[149]. والمقصود في الحديث الحث على تجنب المضايقة في المعاملات، وأن تكون مبنيةً على اليسر واستعمال الرفق وتجنب العسر، وبذلك تكون محسنًا في معاملاتك، قال ابن العربي رحمه الله: (إنما أحبه لشرف نفسه وحسن خلقه بما ظهر من قطع علاقة قلبه بالمال الذي هو معنى الدنيا، وإفضالِه على الخلق الذين هم عيال الله، ونفعِه لهم، فلذلك استوجب محبة الله)[150].
ومن حسن المعاملة في التجارة أن يكون حَسَنَ الْقَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ، قال صلى الله عليه وسلم: (أَلا إِنَّ خَيْرَ التُّجَّارِ مَنْ كَانَ حَسَنَ الْقَضَاءِ حَسَنَ الطَّلَبِ)[151]، وحَسن القضاء أي الوفاء لما عليه من ديون التجارة، وحَسن الطلب أي سهل التقاضي، يرحم المعسر وينظره ولا يضايق الموسر في الأشياء التافهة.
- ومن الإحسان في المعاملات أن تحسن إلى الحيوان، فعندما سمع بعض الصحابة من النبي صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي سقى الكلب فشكر الله له استغربوا الجزاء على الإحسان للحيوان فقالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم لأجرًا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (في كل ذات كبد رطبة أجر)[152]
- ومن الإحسان في المعاملات أن تحسن إلى الجماد، فلا تجعله محل شؤم مثلاً، قال صلى الله عليه وسلم: (أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه)[153].
    فالنبي صلى الله عليه وسلم قلب منظور المسلمين إلى جبل أحد الذي كان من الممكن أن يحسبوه مصدر شر عليهم، بسبب الوقعة التي كانت عليه، فبين أنه حليف صديق، وأنه جزء من هذا الكون المسخر لهم، الذي جعله الله مصدر خير للإنسان، لكن الخلل يأتي من قصور فهمه، وما يترتب عليه من سوء تعامله مع الكون)[154].
    نكتفي بهذا القدر اليسير مما ورد في السنة من معاني الإحسان في معاملة الحق والخلق، ولنعلم يقينًا أنه ما من شيء ورد في الكتاب والسنة إلا تعلق به معنى من معاني الإحسان، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ، لأن الله كتب الإحسان على كل شيء.


[1] سورة البقرةالآية:257
[2] سورة الأعراف الآية:196
[3] سورة المائدةالآية:54
[4] سورة البقرةالآية:165
[5] سورة محمدالآية:7
[6] سورة الليل الآية:5-10
[7] سورة العنكبوت الآية:69.
[8] هذا بإيجاز عن ( لسان العرب ـ لابن منظور ) و ( الكافي ـ معجم عربي حديث ) .
[9] اصطلاحات الصوفية، ص 54 – القاشاني.
[10] التعريفات، ص 329الجرجاني.
[11]  قطر الولي على حديث الولي، ص 223- 224 ، 1969م، الشوكاني  - تحقيق د/ إبراهيم إبراهيم هلال، دار الكتب الحديثة بمصر .
[12] د/ عبد الفتاح عبد الله بركة، الحكيم الترمذي ونظريته في الولاية، 2/ 66، من مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية، القاهرة، بدون تاريخ .
[13] ـكتاب ختم الأولياء ص118 ، ص 409- الحكيم الترمذى
[14] التعرف لمذهب أهل التصوف ص74 - الكلاباذى
[15] سورة العلق الآية 19.
[16]سورة المائدة الآية 54
[17] كتاب جامع العلوم الحكم ص459- 461 - ابن رجب الحنبلى


[18] سورة المؤمنون الآية:60
[19] صحيح البخارى رقم (6502 )
[20] صحيح مسلم  (229)
[21] سورة البقرة الآية:30
[22]سورة مريم الآية: 59
[23] سورة  البقرة الآية: 3
[24] شرح الحكم العطائية - ص 26 - الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
[25] سورة الذاريات الآية:56
[26] سورة الشعراء الآية: (3.)
[27] سورة البقرةالآية: (186)
[28] سورة الفرقان الآية: (63)
[29] سورة آل عمران الآية (182)
[30] سورة الفرقان الآية: (17).
[31] سورة البقرة الآية: (183)
[32] سورة البقرة الآية: (153).
[33] تفسير الشعراوى – الشيخ محمد متولى الشعراوى
[34]أمالي ابن عساكر- رقم الحديث: 4
[35] سورة طـه الآية:29- 35
[36] سورة طـه الآية:36
[37] سورة الأنعام الآية:124
[38] صحيح البخاري - الرقم: 5534.
[39] سورة النورالآية:37.
[40] الإلماع إلى علم أصول الرواية القاضي عياض رمم 8 - القاضي عياض بن موسى اليحصبي
[41] سنن أيوداؤد.
[42] سورة البقرةالآية:165.  
[43] سورة المائدة الآية:54
[44] سورةآل عمران الآية:159
[45] سورةالنحل الآية:125
[46] بحث محمد سعيد البوطى كلية الشريعة، جامعة دمشق – سوريا www.hiramagazine.com
[47] سورة المائدة الآية:54
[48] سورة الإسراء الآية: 70
[49] سورة الحجرات الآية:7
[50] [50] بحث محمد سعيد البوطى كلية الشريعة، جامعة دمشق – سوريا www.hiramagazine.com
[51] سورة التوبة الآية: 24
[52] متفقٌ عليه] أخرجه البخاري في الإيمان [ح14]، ومسلم في الإيمان [ح44] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[53] متفقٌ عليه] أخرجه البخاري [ح16]، ومسلم في الإيمان [ح43] من حديث أنس رضي الله عنه.
[54] متفقٌ عليه] أخرجه البخاري [ح15]، ومسلم في الإيمان [ح43] من حديث أنس رضي الله عنه.
[55] أخرجه مسلم في الإيمان [ح44]، والنسائي [5014] عن أنس رضي الله عنه.
[56] صحيح] أخرجه النسائي في الإيمان [ح14] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[57] أخرجه البخاري في الأيمان والنذور [ح 6632 ]، و"التي بين جنبيك" من حديث عبد الله بن هشام رضي الله عنه.
[58] متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في فضائل الصحابة [ح3688]، ومسلم في البر والصلة والآداب [ح2639] من حديث أنس رضي الله عنه.
[59] سورة آل عمران الآية: 31
[60] سورة التوبة الآية: 24
[61] صحيح سبق تخريجه قريبًا.
[62] سورة آل عمران الاية:31.
[63] سورة الاحزابالآية: 21
[64] سورة الجمعة الاية:2.
[65] سورة الأحزابالآية:56
[66] رواه الطبراني في المعجم الكبير –كما في جلاء الأفهام(رقم143 ، 449) وغيره
[67] رواه الإمام أحمد في مسنده (3/120 ، 148)
[68] أخرجه البخارى (( التاريخ الكبير ))(5/177) ، والبزار (4/278/1446) ، وأبو يعلى (8/427/5011)
[69] رواه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الترغيب (2/288) .
[70] سورة الأحزاب الآية: 33
[71] سورة الأحزاب الآية: 33
[72] أخرجه الترمذي في المناقب [ح3786] حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي حدثنا زيد بن الحسن هو الأنماطي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال: "رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب فسمعته يقول: يا أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي)
[73] سورة النحل الآية: 43
[74] انظر: "تحفة الأحوذي" [ج10 ص186-187] مختصرا.
[75] أخرجه الحاكم في "المستدرك" [3/141 ح4648] عن عوف بن أبي عثمان النهدي قال: قال رجل لسلمان ثم: ما أشد حبك لعلي! قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  يقول: "من أحب عليًّا فقد أحبني، ومن أبغض عليًّا فقد أبغضني"، قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه". قال المناوي - في "فيض القدير" [ج6 ص33]-: "قال الحاكم على شرطهما تركها الذهبي، ورواه أحمد باللفظ المزبور عن أم سلمة وسنده حسن". صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" حديث رقم [1299].. ) وأخرجه الطبراني في "الكبير" [23/380 ح901] عن أبي الطفيل قال: سمعت أم سلمة مرفوعًا: "من أحب عليّا فقد أحبني، ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليّا فقد أبغضني، ومن أبغضني فقد أبغض الله". والبزار في "مسنده" [9/323 ح3874] عن أبي رافع - رضى الله عنه - مرفوعًا: "من أبغضه فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله، ومن أحبه فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله".  وابن عدي في "الكامل" [4/349 ح1182] في ترجمة "عبادة بن زياد الكوفي، وقيل عبادة بن زياد الأسدي" عن يعلى بن مرة الثقفي مرفوعًا قال: "من أطاع عليّا فقد أطاعني ومن عصى عليا فقد عصاني، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أحب عليّا فقد أحبني ومن أحبني فقد أحب الله، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ومن أبغضني فقد أبغض الله.. لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا كافر أو منافق". قال ابن عدي: "عبادة بن زياد هو من أهل الكوفة من الغالين في الشيعة، وله أحاديث مناكير في الفضائل".
[76]سبق تخريجه في الذي قبله)
[77] أخرجه مسلم في الإيمان [ح78]، والترمذي في المناقب [ح3736]، والنسائي في الإيمان وشرائعه [ح5022]، وابن ماجه في الإيمان وفضائل الصحابة والعلم [ح114] من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه..
[78] انظر: "فيض القدير" [ج6 ص32]..
[79] أخرجه الطبراني في "الأوسط" [[2/328 ح2125] حدثنا أحمد بن زهير قال نا إسماعيل بن أبي الحارث قال نا محمد بن القاسم الأسدي قال نا زهير بن معاوية عن أبي الزبير عن جابر - رضى الله عنه - فذكره.• قال الطبراني - رضى الله عنه -: "لم يرو هذا الحديث عن زهير إلا محمد بن القاسم". وأخرجه الترمذي [ح3717] حدثنا قتيبة حدثنا جعفر بن سليمان عن أبي هارون عن أبي سعيد الخدري قال: "إنا كنا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم علي بن أبي طالب". قال أبو عيسى: "هذا حديث غريب، إنما نعرفه من حديث أبي هارون، وقد تكلم شعبة في أبي هارون، وقد روي هذا عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد". قال في "تحفة الأحوذي": [وَقَدْ تَكَلَّمَ شُعْبَةُ فِي أَبِي هَارُونَ الْعَبْدِيِّ] قَالَ الْحَافِظُ: اسْمُهُ عُمَارَةُ بْنُ جُوَيْنٍ مَتْرُوكٌ وَمِنْهُمْ مَنْ كَذَّبَهُ شِيعِيٌّ. اه‍.))) انظر: "الاستذكار" [ج8 ص446].
[80] انظر: "شرح النووي على مسلم" [ج2 ص64] مختصرا
[81] متفَقٌ عليه أخرجه البخاري في فرض الخمس [ح3110]، ومسلم في فضائل الصحابة [ح2449] من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه.)
[82] متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في المناقب [ح3714]، ومسلم في فضائل الصحابة [ح2449] من حديث المسور بن مخرمة - رضى الله عنه - بلفظ: "فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني"..
[83] صحيح] أخرجه الحاكم في المستدرك [3/173 ح4749] أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة أخبرني أبي عن الشعبي عن سويد بن غفلة. فذكره. قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه بهذه السياقة". وقال الحافظ -في "الفتح" [ج9 ص328]-: "سنده صحيح) 
[84] أخرجه البخاري في النكاح [ح5230] من حديث المسور بن مخرمة - رضى الله عنه - بهذا اللفظ
[85] أخرجه البخاري في فرض الخمس [ح3110] من حديث المسور بن مخرمة - رضى الله عنه - بهذا اللفظ
[86] انظر: "فتح الباري" [ج9 ص328-327] باختصار وتصرف
[87] أخرجه مسلم في الجهاد والسير [ح1759] من حديث عائشة رضي الله عنها، والحديث طويل
[88] حسن غريب] أخرجه الترمذي في المناقب [ح3769] حدثنا سفيان بن وكيع وعبد بن حميد قالا حدثنا خالد بن مخلد حدثنا موسى بن يعقوب الزمعي عن عبد الله بن أبي بكر بن زيد بن المهاجر أخبرني مسلم بن أبي سهل النبال أخبرني الحسن بن أسامة بن زيد أخبرني أبي أسامة بن زيد. فذكر الحديث. الحديث أصله في البخاري في المناقب [ح3736] من حديث أبي عثمان عن أسامة بن زيد. وليس فيه ذكر الحسين.) "، وقال: "ذروهما بأبي وأمي، من أحبني فليحبّ هذين (إسناده جيد] أخرجه ابن خزيمة [2/48 ح887] وابن حبان [15/426 ح6970 و3237]، والطبراني في "الكبير" [3/40-2644]، وأبو نعيم في "الحلية" [8/305] عن عاصم عن زر عن عبد الله. فذكره. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" [9/179]: "رواه أبو يعلى والبزار، وقال: فإذا قضى الصلاة ضمهما إليه، والطبراني باختصار، ورجال أبي يعلى ثقات، وفي بعضهم خلاف"، وفي رواية أخرى: "رواه البزار وإسناده جيد". وذكر الدارقطني في العلل [5/64 مسألة: 709] أنه يشبه أن يكون من عاصم يصله مرة ويرسله أخرى.") ، وقال -وقد اعتنق الحسن - رضى الله عنه --: "اللهمَّ إنّي أحبه فأحبّه، وأحبّ من يحبّه (متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في اللباس [ح 3736]، ومسلم في فضائل الصحابة [ح2421] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.") ، وقال -في الحسين - رضى الله عنه - وحده-: "حسينٌ منِّي وأنا من حسين، أحبّ الله من أحبّ حسينًا، حسين سبط من الأسباط"( حسن] أخرجه الترمذي في المناقب [ح3775]، وابن ماجه في المقدمة [ح144]، وأحمد [ح17111] من حديث يعلى بن مرة رضي الله عنه. قال الترمذي: "حديث حسن". قال البوصيري -في "مصباح الزجاجة"-: "هذا إسناد حسن رجاله ثقات
[89] سورة  الأعراف الآية: 160
[90] أخرجه الترمذي [ح3779]، وأحمد [1/99 و108]، وابن حبان في صحيحه [15/430 ح6974]، والضياء في "المختارة" [2/394] من طريق: إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن هانئ بن هانئ، عن علي - رضى الله عنه - مرفوعًا، به. قال الترمذي: "حديث حسن صحيح غريب".")، ووقع في رواية عبد الأعلى عن معمر عند الإسماعيلي في رواية الزهري هذه "وكان أشبههم وجها بالنبي - صلى الله عليه وسلم -" وهو يؤيد حديث عليّ هذا، انتهى(انظر: "تحفة الأحوذي" [ج10 ص178-186] مختصرا..
[91] سورة الأحزاب الآية:  33
[92] سورة الأحزاب الآية:  34
[93] انظر: "تفسير ابن كثير" [ج3 ص636]
[94] أخرجه مسلم في فضائل الصحابة [ح2408] من حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه
[95] سورة الشعراء الآية:  214
[96] متفَقٌ عليه] أخرجه البخاري في الوصايا [ح2753]، ومسلم في الإيمان [ح206] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه)، والحديث "من بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه"( أخرجه مسلم في الذكر والدعاء [ح2699]، وأبو داود [3643]، والترمذي [2945]، وابن ماجه [225] من حديث أبي هريرة رضي الله عنه
[97] سورةالملك الآية: 2
[98] سورة يوسف الآية: 36
[99] سورةالتوبة الآية: 100
[100] سورة النحل الآية: 90
[101] انظر المعجم الكبير، 5/344،345.
[102] سورة القصص الآية: 77
[103]  البخاري 1/87 رقم 48، ومسلم 1/87 رقم 9.
[104]  هذه الرواية أخرجها مسلم 1/89 رقم 11.
[105] انظر فتح الباري، 1/80.
[106] سورة قالآية: 37.
[107] سورة البقرة الآية:195
[108] سورة آل عمران الاية:134
[109] سورة آل عمران الآية148
[110] الطبراني في المعجم الأوسط 12/474 رقم 5896.
[111] سورة الرحمن الاية: 60
[112] شعب الإيمان للبيهقي 1/493.
[113] المصدر السابق 1/494.
[114] سورة محمد الاية: 19
[115] مسند أحمد 5/352 رقم 1745.
[116] مسلم 14/280 رقم 5318.
[117] الطبراني في المعجم الكبير 8/413 رقم 9891.
[118] مسلم 12/440 رقم 4661.
[119] الترمذي 9/56 رقم 2440 وقال: حديث حسن صحيح.
[120] الطبراني في الأوسط 14/3 رقم 6425 ورواية (فتعرضوا له) أخرجها الطبراني في المعجم الكبير 14/125 رقم 15861.
[121] الترمذي 3/72.
[122] البخاري 1/7 رقم 5، ومسلم 11/438 رقم 4268.
[123] أحمد 47/47 رقم 21994..
[124] البيهقي في الشعب 7/141، والطيالسي 2/115.
[125] مصنف عبد الرزاق 6/6.
[126] حديث: "وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ": النسائي 12/288، وأحمد 4/124، وحديث: " فإن في الصلاة شفاء": ابن ماجه 10/265، وأحمد 18/247.
[127] مسند الامام أحمد 13/20.
[128] مسند أحمد 12/3 رقم 5466.
[129] البخاري 4/347 رقم 1096.
[130] البخاري 6/457 رقم 1761، ومسلم 6/13 رقم 1941.
[131] مسند أحمد 18/43 رقم 8501.
[132] الحاكم 18/29، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه،  والسنن الكبرى للبيهقي 3/408.
[133] ابن خزيمة 7/115 رقم 1780.
[134] ابن خزيمة 8/150 رقم 2028.
[135] سنن ابن ماجه 5/342 رقم 1771. ويعكف الذنوب: يمنعها ويحبسها.
[136] سورة الأحزاب الاية: 41
[137] البخاري 3/51 رقم 1501، ومسلم 5/229 رقم 1712.
[138] الترمذي 11/220 رقم 3293 وقال: حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة.
[139] مسلم 2/3 رقم 328.
[140] البخاري 3/51 رقم 1501، ومسلم 5/229 رقم 1712.
[141] الأذكار للنووي 252.
[142] المصدر السابق 257.
[143] الترمذي 7/290 رقم 1930 وقال: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
[144] مسلم 2/3 رقم 328.
[145] أبو داود 12/292 رقم 4062، والترمذي 4/390 رقم 1082 وقال: حديث حسن صحيح.
[146] أبو داود 12/420 رقم 4165.
[147] مسند أحمد 20/183 رقم 9640، وصحيح ابن حبان 1/177 رقم91.
[148] فتح الباري لابن حجر، 17/184.
[149] الترمذي 5/148 رقم 1240 وقال: هذا حديث غريب، والحاكم في المستدرك 5/447 رقم 2298.
[150] فيض القدير للمناوي، 2/373.
[151] الحاكم في المستدرك 19/443 رقم10716
[152] البخاري 8/182 رقم 2190، ومسلم 11/304 رقم 4162.
[153] البخاري 5/333 رقم 1387، ومسلم 7/148 رقم 2466.
[154] انظر في ظلال الحديث لفضيلة شيخنا الدكتور نور الدين عتر/256.

ليست هناك تعليقات: