بحث هذه المدونة الإلكترونية

كتاب مفهوم الولاية والأولياءالفصل الثالث



الفصل الثالث

الكرامات والقدرات
   
     مالا يختلف فى إعتقاده أن الله يكرم من يشاء بما يشاء وهو الكريم سبحانه، ويتفضل على من شاء وهو ذو الفضل العظيم، ولكن الخلاف بين من جوز الكرامة ومن أنكرها فى إظهار الأمر الخارق للعادة بطلب الولى، وإلا فمن أنكر اكرام الله لأوليائه بدون طلبهم وتفضله عليهم من حيث لا يحتسبون وأنزال المطر بدعائهم ودفع البلاء وشفاء المرضى وبسط الرزق بإبتهالهم الى الله تعالى، فان أصغر مسلم يستجيب الله له إذا سأله، وينتقم له ممن ظلمه، ولو قيل لك ان وليا من أولياء الله تعالى دعا الله فأنزل الامراض وأنزل المطر أو انتقم من الظالمين فصدق، قال الله تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ)[1].
     فلم يبق مسلم إلا وهو يعتقد أن الله تعالى يكرم عباده ويعطيهم ما يسألون، ومنكر الكرامة لم ينكر إكرام الله لعباده، وإنما ينكر أن يكون الولى مثل النبى صلى الله عليه وسلم فى إظهار الامر الخارق للعادة عند طلبه، ولو أن المنكر زاده الله علما على علمه لأنزل الولى فى منزلته، والنبى فى مقامه العلى، وفهم أن نور الولى إنما هو سراج مقتبس من شمس النبى صلى الله عليه وسلم وانه يكون وليا يكرمه الله بخوارق العادات الا اذا استغرق فى محبة الله ورسوله، وصار الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأقامه الله تعالى وارثا لرسوله صلى الله عليه وسلم يبين حجج الله وبيناته، فانيا عن حظه وهواه يبتغى فضل الله ورضاه، وعند ذلك تكون الكرامة منه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
    ان مسألة تعريف اي مفهوم ديني تأخذ اهميتها من جهة كون المفاهيم تشكل لبِنات اساسية في عملية التفكير التي من خلالها يتم بناء ثقافة دينية واضحة غير مبهمة للإنسان بشكل يمكنه من الوصول وايصال الغير الى قناعة دينية بطريقة سهلة بعيداً عن التشفير الذي يغيب معه المكلف في التفافات لفظية مجهدة. وهذا ما استدعى من العلماء إيضاح تعريف كل من المعجزة والكرامة والسحر، وبيان الفرق بينها، والتأكيد على أن إثبات أحدها لا يجيز إنكار الأخرى، فالكل مما جاء القرآن بإثباته .
المعجزة:
   من أعظم دلائل صدق الأنبياء ما أعطاهم الله من معجزات وآيات خارقة للعادة، وقد أُعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم منها الكثير، والمراد من المعجزات الشيء الخارق للعادة الذي يعجز البشر عن الإتيان بمثله فيكون ما يأتي به النبي معجزًا لغيره من سائر الناس، بحيث لم يقدروا عليه أفرادًا أو جماعات؛ لأنه خارج عن طوق البشر واستطاعتهم.
ولفظ المعجزة غير وارد في القرآن الكريم، وإنما الوارد لفظ الآية؛ لأنّ الأصل في الآية العلامة الدالة على الشيء، إذ يقول الإنسان لأخيه: فلان يقول لك: أعطني كذا أو كذا، فيقول له: ما آية ذلك؟ أي: ما علامته أنه قال: أعطه كذا أو كذا؟ فيريه خاتمه أو كتابه أو سيفه أو أي شيء خاص به فيكون ذلك آية وعلامة على صدق ما ادعاه وطالب به.
ولا تحصل المعجزة الخارقة للعادة إلا مع النبوة الصادقة، فالمعجزة دليلٌ على النبوة الصادقة
هي: آية الله الخارقة الدالة على النبوة الصادقة. روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحهما عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: أنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا أُعْطِيَ مِنْ الْآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ أَوْ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[2].
المعجزة في اللغة: (إن المعجزة مأخوذة من العجز المقابل للقدرة، وحقيقة الإعجاز إثبات العجز، ومن هنا كان استخدام لفظ المعجز على سبيل المجاز، لأن الإعجاز مستعار لإظهار العجز، ثم أسند مجازا لما هو سبب العجز، وهو الأمر الخارق للعادة وجعل اسما له، والتاء زائدة للنقل من الوصفية إلى الاسمية، كما في لفظ الحقيقة أو تكون للمبالغة كما في العلامة)[3].
والمعجزة لغة: (ما أُعجزَ به الخصم عند التحدي)[4]. وهي (أمر خارق للعادة يعجز البشر متفرقين ومجتمعين عن الإتيان بمثله، يجعله الله على يد من يختاره لنبوته؛ ليدلّ على صدقه وصحة رسالته)[5].
المعجزة في الاصطلاح: للمعجزة تعريفات متعددة منها:
أن المعجزة هي (الفعل الذي يدل على صدق المدعي للنبوة)[6].
المعجزة هي (ظهور أمر بخلاف العادة في دار التكليف لإظهار صدق مدعى النبوة مع نكول من يتحدي به عن معارضته بمثله)[7].
المعجزة ( أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي مع عدم المعارضة )[8].
فشروط المعجزة حسب هذا التعريف هي:
1- أن تكون المعجزة من الله تعالى دون غيره، لأنها تصديق منه لرسول فلا يصدقه بفعل غيره، سواء كان هذا الأمر (المعجزة) الذي يظهره الله قولا مثل القرآن، أم فعلا كفلق البحر لسيدنا موسى، أم تركا كعدم إحراق النار لسيدنا إبراهيم عليه السلام.
2- أن تكون خارقة للعادة لأنها لو لم تكن كذلك لأمكن للكاذب ادعاء الرسالة، وخرج بهذا السحر و الشعوذة و المخترعات الغربية.
3- أن تظهر على يد من يدعي النبوة ليعلم أنه تصديق له... فخرج بهذا الكرامة و المعونة و الإستدراج.
4- أن تكون مقرونة بدعوى النبوة ومصاحبة لها حقيقة أو حكما كما إذا تأخرت بزمن يسير... وخرج بهذا الإرهاص.
5- أن تكون المعجزة موافقة للمطلوب، فإن جاءت مخالفة للمطلوب سميت إهانة كما حصل لمسيلمة الكذاب، فإنه تفل في عين لتبرأ فعميت السليمة.
6- أن لا تكون مكذبة للمدعي. فلو قال الإنسان: معجزتي نطق هذا الجماد فنطق الجماد مكذبا له فإن تكذيبه يعتبر دليلا على كذب المدعي.
7- أن تتعذر معارضة الأمر الخارق للعادة و الإتيان بمثله لأن المعارضة لو أمكنت واستطاع أحد أن يأتي بمثل الأمر الخارق للعادة الذي جاء به النبي لأمكن لأي كاذب أن يدعي النبوة.
8- زاد بعضهم  أن لا تحصل المعجزة زمن نقض العادات- وذلك كزمن طلوع الشمس من مغربها و تكلم الدابة، وظهور المسيح الدجال، فإن الخوارق فيه ليست معجزة.
ذهب جمهور العلماء إلى أن دلالة المعجزة على صدق الرسول في دعواه يقينية، فالمعجزة تثبت إثباتا لا شك فيه أن الذي جرت على يديه هو رسول من عند الله.
وهذه الدلالة اليقينية تلزم من عاصر الرسول ومن غاب عنه وجاء بعده لأن الذين يشاهدون المعجزة يكونون عددا كثيرا، فإذا نقل العدد الكير أمر المعجزة إلى الغائبين كان ذلك حجة عليهم توجب تصديقهم بها وذلك هو الحاصل في حياة الناس والمركوز في فطرهم، فإن أكثرهم يؤمن بكثير من المدن والقرى ومن الشخصيات التاريخية والأحداث العظيمة وليس من سبب في إيمانهم بها إلا الأخبار المتواترة)[9].انتهى
الكَرَامَة:
    الكرامة هي أمر يجريه الله على يد أوليائه، ويكون على خلاف ما اعتاده الناس من سنن الكون وقوانينه.
الكَرَامَةُ لغة:
 تعريف الكرامة :  الكرامة لغة : مصدر (كَرُم) ، أو اسم مصدر من (كرّم) أو (أكرم). و(الكاف والراء والميم : أصل صحيح ، له بابان ؛ أحدهما : شرف الشيء في نفسه ، أو شرف في خلق من الأخلاق)[10].
 ويظهر أن الكرامة من الباب الأول لشرفها في ذاتها ، وصاحبها كريم من الباب الثاني لشرفه في خلُقه مع الخالق - تعالى - ومع الخلق أيضاً .
 والكرامة من الكرم ، وهو : ضد اللؤم ونقيضه[11]، والكرامة: اسم يوضع للإكرام، كما وضعت الطاعة في موضع الإطاعة[12].
الكَرَامَةُ اصطلاحا:    
  أما اصطلاحاً : فلم ترد الكرامة بهذا اللفظ في الكتاب ولا السنة ولا كلام الصحابة ، وقد سماها الله - عز وجل - آية ، فقال بعد ذكر كرامة أهل الكهف في ازورار الشمس عن كهفهم المفتوح جهتها: ( ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ )[13] فهي آيات وبراهين على قدرة الله ، ودالة على كرامة صاحبها وإنما سميت بهذا تمييزاً لها عن المعجزة، وهذا التفريق في اللفظ إنما قال به كثير من المتأخرين[14] ، ثم شاع ، وصار هو المقول به في عامة أقوال العلماء .
  وحيث وجد الخارق للعادة نظرنا فيمن وقع له ؛ فإن كان مؤمناً تقياً ، وكان هذا الفعل الخارق مما يصلح ظهوره على يد الولي: عددنا ذلك كرامة ، وعلى ذلك فيمكن تعريفها بأن يقال: هي (أمر خارق للعادة يجريه الله على يد ولي - ليس بنبي - علم الولي بذلك أم لا)[15] ، ومنه يظهر أن شروط الكرامة هي : 
 1- وجود أمر خارق للعادة .
  2- ظهورها على يد ولي ، وإلا لم تكن كرامة ، بل استدراجاً .
  3- كون هذا الولي ليس نبياً .
  4- كون هذا الخارق مما يصلح أن يكون كرامة لولي ، فلا يشتمل على معصية ، أو باطل[16].
  ولا يشترط عدم التحدي ، ولا كونها لحجة أو حاجة[17] ، ولا علم صاحبها بها .
     جاء في كتاب "الوجيز في عقيدة السلف الصالح"، أن الكرامة: أَمر خارق للعادة وغير مقرون بدعوى النبوة ولا هو مقدمة لها؛ يُظهرُه الله على يد بعض عباده الصالحين ــ من الملتزمين بأحكام الشريعة ــ إِكراما لهم من الله عز وجل، فإذا لم يكن مقرونا بالإيمان الصحيح والعمل الصالح كان استدراجا)[18] انتهى.
    وجاء في كتاب "التنبيهات اللطيفة "، أن شرط كون الكرامة كرامة: أن يكون من جرت على يده هذه الكرامة مستقيمًا على الإيمان ومتابعة الشريعة، فإن كان خلاف ذلك فالجاري على يده من الخوارق يكون من الأحوال الشيطانية، ثم ليعلم أن عدم حصول الكرامة لبعض المسلمين لا يدل على نقص إيمانهم؛ لأن الكرامة إنما تقع لأسباب: منها تقوية إيمان العبد وتثبيته؛ ولهذا لم ير كثير من الصحابة شيئا من الكرامات لقوة إيمانهم وكمال يقينهم، ومنها إقامة الحجة على العدو كما حصل لخالد بن الوليد لما أكل السم، وكان قد حاصر حصنا، فامتنعوا عليه حتى يأكله، فأكله، وفتح الحصن، ومثل ذلك ما جرى لأبي إدريس الخولاني لما ألقاه الأسود العنسي في النار، فأنجاه الله من ذلك؛ لحاجته إلى تلك الكرامة، وكقصة أم أيمن لما خرجت مهاجرة واشتد بها العطش سمعت حسا من فوقها، فرفعت رأسها، فإذا هي بدلو من ماء، فشربت منها ثم رُفِعت.
    وقد تكون الكرامة ابتلاءً فيسعد بها قوم، ويشقى بها آخرون، وقد يسعد بها صاحبها إن شكر، وقد يهلك إن أعجب ولم يستقم.
فالكرامة شرطها الولاية، والولاية هي: القرب والمحبة، والأولياء هم: أهل القرب والمحبة من الله عز وجل، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) [19]، وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[20]. وقد بينهم الله في قوله: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ)[21]، فالولي لابد أن يجتمع فيه صفتان: الأولى: الإيمان، والثانية: التقوى.
     فأولياء الله هم الذين آمنوا وكانوا يتقون، فقد أخبر سبحانه أن أولياءه هم المؤمنون المتقون، وقد بين المتقين في قوله تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَـكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَءَاتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)[22])[23] انتهى
   السحر:
 وأما السحر: فهو تجاوز السحرة حدود قدرات البشر العادية عن طريق استعانتهم بالشياطن، كتحويل الحبال والعصي إلى حيات . قال الأزهري: أصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره)[24]  
قال الفراء: في قوله تعالى: (فَأَنَّى تُسْحَرُونَ)[25]. معناه فأنى تصرفون[26]
كما يأتي السحر ويراد به الخديعة. يقال سحره بالطعام والشراب: أي خدعه، والسحور المفسد من الطعام أو المكان.
يقال: سحر المطر الطين والتراب: أفسد فلم يصلح للعمل[27]
يقول القرطبي : عند تفسيره للآية 102 من سورة البقرة : قيل :السحر أصله التمويه بالحيل والتخاييل ، وهو أن يفعل الساحر أشياء ومعاني ، فيُخيّل للمسحور أنها بخلاف ما هي به كالذي يرى السراب من بعيد فيُخيّل إليه أنه ماء ( يقولون كالسراب غر من رآه وأخلف من رجاه ) ، وكراكب السفينة السائرة سيراً حثيثاً يُخيّل إليه أن ما يرى من الأشجار والجبال سائرة معه. وقيل: هو مشتقّ من سَحرتُ الصبيّ إذا خدعته، وقيل:  أصله الصّرف، يقال:  ما سَحَرك عن كذا، أي ما صرفك عنه . وقيل: أصله الاستمالة، وكلّ مَن استمالك فقد سحرك).
يقول ابن خلدون:  سحر التخيل هو أن يعمد الساحر إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع من التصرف، ويلقي فيها أنواعا من الخيالات والمحاكاة وصوراً مما يقصده من ذلك ، ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسه المؤثرة فيه، فينظر الراؤن كأنها في الخارج وليس هناك شيء من ذلك.)[28] اه.
      عرف السحر اصطلاحا بتعاريف كثيرة مختلفة متباينة، ذلك لكثرة الأنواع الداخلة تحته ولا يتحقق قدر مشترك بينها يكون جامعاً لها مانعًا لغيرها[29]
ولاختلاف المذاهب فيه بين الحقيقة والتخييل. فمثلا البعض يعرفه بتعاريف لا تصدق إلا على ما لا حقيقة له من أنواع السحر، أو ما هو سحر في اللغة.
ومن هؤلاء أبو بكر الرازي حيث قال: (هو كل أمر خفي سببه وتخيل على غير حقيقته ويجري مجرى التمويه والخدع) [30]
    يعرفه الإمام ابن قدامة  ويقول:  (والسحر عقدٌ ورقى وكلامٌ يتكلم به الساحر أو يكتبه أو يعمل شيئاً فيؤثر في بدن المسحور من غير مباشرة له، وله (أي: وللسحر) حقيقة فمنه، (أي: من السحر)، ما يقتل - ومازال الكلام لـابن قدامة - فمن السحر ما يقتل ومنه ما يمرض وما يأخذ الرجل عن أهله فيمنعه وطأها، ومن السحر ما يفرق بين الزوج وزوجه ومنه ما يحبب بين اثنين)[31] .
    وعرفه أحد العلماء المعاصرين - تعريفاً جمع فيه القسمين. فقال: (هو عبارة عن أمور دقيقة موغلة في الخفاء يمكن اكتسابها بالتعلم تشبه الخارق للعادة وليس فيها تحد، أو تجري مجرى التمويه والخداع تصدر من نفس شريرة تؤثر في عالم العناصر بغير مباشرة أو بمباشرة)[32].
   ونستخلص من هذه التعاريف وغيرها تعريفاً لعله يكون جامعاً بلفظ موجز إن شاء الله.
فنقول: السحر: هو كل ما فيه مخادعة أوتأثير في عالم العناصر نتيجة الاستعانة بغير الله من شيطان أو نحوه، يشبه الخارق للعادة وليس فيه تحد يمكن اكتسابه بالتعلم
.
الفرق بين المعجزة والسحر
    فالمعجزة تختلف عن السحر بأنها تأتي مقرونة بالتحدي، فالنبيُّ يتحدى بمعجزاته الكفار أن يأتوا بمثل ما أتى به، فيعجزون عن معارضته، أما السحر فلا يقترن بالتحدي في الغالب، وإذا حصل التحدي من الساحر وجد من السحرة من يعارضه، ويأتي بمثل ما جاء به وأعظم .
    وللمعجزة حدودٌ لا يصل إليها السحر، فالساحر لا يستطيع أن يفلق البحر، أو يحيي الموتى، أو يشق القمر، أو يوقف الشمس عند غروبها، فحدود المعجزة أكبر بكثير من قدرات الساحر وشعوذته.
    والمعجزة تحدث بتأييد الله سبحانه دون تدخل من النبي، في حين أن السحر يحدث بعد استعانة الساحر بالشياطين .
    كما أن الغاية من المعجزة تختلف عن غاية السحر، فالغاية من المعجزة إظهار صدق الأنبياء، وتأكيد نبوتهم، أما غاية السحر فإلحاق الضرر بالآخرين، وتحقيق رغبات الساحر ومطامعه .
     إضافة إلى أن حال الأنبياء يختلف عن حال السحرة، فالأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - أفضل الناس وأعظمهم خُلُقاً وصدقاً وأدباً، وأشدهم بعداً عن الكذب والغش والخداع، وأما السحرة فعلى خلافهم، فهم معروفون بالكذب، والدجل، والفجور، وخداع الناس، وأكل أموالهم بالباطل .
الفرق بين المعجزة والكرامة :
 كرامات الأولياء من باب معجزات الأنبياء ، والاختلاف بينهما في الدرجة، ويظهر الفرق بينهما في الأوجه الآتية: الأول: الكرامة لا تصل إلى درجة معجزات الأنبياء ، كما أن أصحابها - الأولياء - لا يصلون في الفضيلة والثواب درجات الأنبياء؛ فللأنبياء معجزاتهم الكبرى التي لا يظهر مثلها على يد أحد من الأولياء أو الشياطين، وهي من الأدلة على صدقهم ، فلا يمكن أن تختلط بأحوال غيرهم، قال ابن تيمية - رحمه الله -: (فلا تبلغ كرامات أحد قط إلى مثل معجزات المرسلين)[33]
    وتختلف المعجزة عن الكرامة في أن المعجزة تكون مقرونة بدعوى النبوة، بخلاف الكرامة فإن صاحبها لا يدعي النبوة، ولو ادعاها لسقطت ولايته، ولم يجر الله على يديه أي كرامة .
    والولي إنما تحصل له الكرامة باتباعه للنبي والاستقامة على شرعه، فكل كرامة في حقه هي دليل على صدق النبي، ولولا اتباعه للنبي ما حصلت له كرامة .
الفرق بين الكرامة والسحر:
     لعل من أوضح الفروق بين الكرامة والسحر، اختلاف حال الولي عن حال الساحر، فالولي ظاهر الصلاح، مشهور بالديانة، والمحافظة على الطاعات، واجتناب المنكرات ، بخلاف الساحر فهو معروف بالفسق والدجل، وارتكاب المحرمات والموبقات .
     كما أن السحر يحصل بعد استعانة الساحر بالشياطين، وأما الكرامة فتحدث بمحض تفضل من الله تعالى، ودون تدخل من الولي.
 الفرق بين الكرامات والأحوال الشيطانية:  وإذا اعتبرنا المعجزات والكرامات من باب واحد، وجعلنا النبوة أساساً للتفريق بين الكرامات والأحوال الشيطانية[34]  سهل الأمر جداً، وتبين الفرق بينهما في الأمور الآتية : 
1- أن الكرامات سببها الولاية الحقة لله - تعالى - وهي الإيمان والتقوى[35]، فلا عبرة بالخوارق بدون ذلك ، إنما هي من الشيطان .
  قال الشافعي - رحمه الله :- (إذا رأيتم الرجل يمشي على الماء، أو يطير في الهواء، فلا تغتروا به حتى تعرضوا أمره على الكتاب والسنة)[36] .
 ومن النكت المليحة لأبي يزيد البسطامي قوله: (لله خلق كثيرون ، يمشون على الماء، لا قيمة لهم عند الله، ولو نظرتم إلى من أعطي من الكرامات حتى يطير، فلا تغتروا به، حتى تروا كيف هو عند الأمر والنهي وحفظ الحدود والشرع)[37] .
  2- أن الكرامات قائمة على الصدق ، بخلاف تلك المخاريق المبنية على الكذب : ( هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَن تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ * تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ )[38] .
  3- أن الخوارق الشيطانية في حقيقتها هي تصرفات من جنس تصرفات الجن والإنس ، تفعلها الشياطين في غيبة عن أعين الإنس؛ من نقل شيء أو قتل أو أذى ونحوه، وليس فيها تحويل جنس إلى جنس، ولا ما يختص الرب بالقدرة عليه، ولا ما تختص به الملائكة فأين هذا من تكثير الماء القليل، بحيث يفيض حتى يصير بذاته كثيراً[39]  .
  4- أن الكرامات هبة من الله ، أما الخوارق والأحوال الشيطانية فتحصل بالتعلم والرياضة ودعاء الجن والشياطين ، والتقرب إليهم [40] .
  5- أن أولياء الله يحاولون إخفاء الكرامة ، ولا يلتفتون إليها ، ويعلمون أنها نعمة يجب شكرها، ويخشون أن تكون ابتلاء لا يثبتون فيه ، ومن كان هذا حاله فلا يتصور منه أن يجعل الكرامات ميدان منافسة ، فيسعى إلى إبراز كراماته ، وإبطال كرامات غيره .. وأصحاب الأحوال الشيطانية على خلاف هذا تماماً، بل لا يظهرونها - غالباً - إلا في حضرة الناس، ويتحدى بعضهم بعضاً فيها، بغرض إبراز المهارات في الخديعة والمكر، فيقع بينها من التعارض الشيء الكثير[41].
  6- أن كرامات الأولياء أمر ثابت في النصوص الشرعية وواقع الصالحين، بخلاف تلك الأحوال الإبليسية التي يُبطل أثرها الذكر والقرآن . وشتان بين ما يخنس بتلاوة القرآن ويبطل أثره أو يضعف ، وبين ما يقويه القرآن ، ويزيده نوراً[42]  !
    وبهذا يتبين الفرق بين كل من المعجزة والكرامة والسحر، وأنه لا تعارض بين كل ما أثبته القرآن، وأن معجزات الأنبياء أجلى وأظهر من أن تشتبه بسحر السحرة ودجلهم . فمردّ الكرامة إلى مقدور الله تعالى، ومعلوم أن الله تعالى لا يُعجزه شيء، ولا ترتبط قدرته بعادة جارية، فيبدي ما شاء عند وجود العادة وعدمها.
   فإنكار الكرامة: باطل عقلاً ونقلاً:
 أولا: لأنه تعجيز لقدرة الله تعالى.
ثانيا: لأن جواز الكرامة ووقوعها قد ثبت في الكتاب والسنة والأثر.
    والذي عليه أهل الحقِّ: أن ما جاز للأنبياء عليهم السلام على سبيل الإعجاز، جاز للأولياء رضي الله تعالى عنهم على سبيل الكرامة إلا الخصائص.
    قال إمام الحرمين أبو المعالي الجويني رضي الله تعالى عنه:" صار بعض أصحابنا إلى أن ما وقع معجزة لنبي لا يجوز تقدير وقوعه كرامة لولي .. وهذه الطريقة غير سديدة .. والمرضيّ عندنا: تجويز جملة خوارق العوائد في معارض الكرامات "اهـ
   ثم قال رضي الله تعالى عنه:" ما من أمر يخرق العوائد إلا وهو مقدور الرب سبحانه ابتداءً .. وليس في وقوع الكرامة ما يقدح في المعجزة؛ فإن المعجزة لا تدل لعينها، وإنما تدل: لتعلقها بدعوى النبي، ونزولها منزلة التصديق بالقول، والملك الذي يصدق بدعوى الرسالة بما يوافقه ويطابق دعواه لا يمتنع أن يصدر منه مثله إكراماً لبعض أوليائه، ولا يقدح مرام الإكرام في قصد التصديق إذا أراد التصديق، ولا خفاء بذلك على من تأمل)[43] "اهـ
   قال الإمام فخر الدين الرازي رضي الله تعالى عنه في المحصل:" ثم تتميز الكرامة من المعجزة بتحدي النبوة)[44] "اهـ
    ثم قال الإمام أبو محمد اليافعي رضي الله تعالى عنه في نشر المحاسن:" يجوز أن تبلغ الكرامة مبلغ المعجزة في جنسها وعظمها على القول الصحيح المحقّق المختار، وأستَدِلُّ على ذلك بالمعقول والمنقول عن أئمة الأصول، وبوقوع ذلك من كثير من الأولياء بالإسناد الصحيح الموصول ..
ثم ذكر رضي الله تعالى عنه عشرة أنواع من الخوارق المتماثلة، وفي كل نوع وقائع ثابتة عن الأولياء رضي الله تعالى عنهم، وهي: إحياء الموتى، كلام الموتى، انفلاق البحر وجفافه، انقلاب الأعيان، العلم ببعض الحوادث قبل وجودها والاطلاع على ضمائر الخلق، زوي وجه الأرض من غير حركة منهم، انفجار الماء لهم، كلام الجمادات والحيوان لهم، إبراء العلل، وطاعة الأشياء لهم.
     ومما يشهد لصحة هذا: قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: ( لو أقسم على الله لأبرَّه )؛ فإن الإبرار المذكور عام في كل مُقسَم فيه من إحياء الموتى وغيره. وأما وقوع ذلك من كثير من الأولياء، أعني عظام الكرامات: فذلك خارج عن الحصر)[45] "اهـ..
       وما نُقِل عن الاولياء من العروج والخطوة أو الزوي والتكليم ليس من الخصائص شرعاً، وقد ثبت في العقل والنقل جوازها، كما ثبت في القرآن والسنة وآثار الأولياء رضي الله تعالى عنهم مثلُها، فجاز وقوعها.
     وفي توضيح ذلك وتقريره يقول الإمام اليافعي رضي الله تعالى عنه: أقول: (الكرامة تشهد للولي بالصّدق، وذلك يستلزم كونه محموداً في دينه، وكونه محموداً في دينه يستلزم كون دينه حقاً. وكل ولي تابع لنبيه في دينه، وكون دين التابع حقاً يستلزم كون دين المتبوع حقاً كذلك، وكون دين المتبوع حقاً يستلزم صدقه فيما أخبر به من الرسالة.
     فاستلزمت كرامة الولي صدق نبيه فيما ادّعى من الرسالة، وهي فعل خارق للعادة، وكل فعل خارق للعادة مستلزم صدق النبي فيما ادعاه من الرسالة معجزة له، فالكرامة معجزة له، فهي من معجزاته، وهو المطلوب ..
    والشريعة بحر يسقي أراضي الأمة في نهرين: نهر باطن يجري في أودية ذهب مواهب الفضل من علا معالي عزائم الشريعة بيواقيت معارف الحقيقة في قلوب العارفين. ونهر ظاهر يجري في فيافي فضة مكاسب العقل من رياض قيعان الحنيفية السمحة بدرر علوم الشريعة في قلوب العلماء ( قد علم كل أناس مشربهم) ، ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربّه ).
     وظهور كرامة الولي تشهد له بخروج نبات أرض دينه وحسن نشو نباته، وذلك يدلّ على طيب أرضه وعذوبة ماء النهر وطيبه، ثم طيبه وعذوبته دليل على طيب البحر المستمد منه وعذوبته، وطيب البحر المذكور الذي هو الشريعة يدل على طيب مشرعها؛ لأن الطيب لا يصدر عن الخبيث، فكل إناءٍ بما فيه ينضح، وطيب المشرع يستلزم نفي الكذب عنه؛ لأن الكذب خبيث، ويلزم من ذلك صدقه فيما ادّعى من الرسالة المشتملة على التشريع ابتداءً واستصحاباً.
     فلزم من ظهور كرامة الولي: صدق نبيه المشرع في دعوى الرسالة المذكورة، وهي فعل خارق للعادة دال على صدق النبي معجزة له. فكرامات الأولياء معجزات الأنبياء، وهو المطلوب )[46]اهـ
      وأما ما يحدث من أولياء الله سبحانه وتعالى من الكرامات الظاهرة التي لا شك فيها ولا شبهة فهو حق صحيح لا يمتري فيه من له أدنى معرفة بأحوال صالحي عباد الله المخصوصين بالكرامات التي أكرمهم بها وتفضل بها عليهم‏.‏  ومن شك في شيء من ذلك  نظر في كتب الثقات المدونة في هذا الشأن: كحلية الأولياء للشرجي، وكتاب روض الرياحين لليافعي، وسائر الكتب المصنفة في تاريخ، العالم، فإن كلها مشتملة على تراجم كثير منهم، ويغني عن ذلك كله ما قصه الله إلينا في كتابه العزيز عن صالحي عباده الذين لم، يكونوا أنبياء،  كقصة ذي القرنين وما تهيأ له مما تعجز عنه الطباع البشرية، وقصة مريم كما حكاه الله تعالى‏.‏ ومن ذلك قصة أصحاب الكهف، فقد قص الله علينا فيها أعظم كرامة،  وقصة آصف من برخيا حيث حكى عنه قوله‏:‏ أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك ، وذلك اسرع بكثير من الجن الذي قال انه سيأتي بعرشها قبل ان ينتهي سليمان عليه السلام من جلسته، فعندما اتى ذلك الولي والرجل الصالح بعرش ملكة سبأ في لمحة بصر كما يبين لنا القرآن الكريم يتبين لنا ايضا برهان من القرآن يبين قدرات الاولوهية كانت لدى هذا الولي، ففعل ذلك الولي ما علّمه الله سبحانه وتعالى وأتى عرشها وعرضه على سليمان عليه السلام ، قال تعالى:(قَالَ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)[47].
     وثبت في الأحاديث الثابتة في الصحيح مثل  حديث الثلاثة الذي انطبقت عليهم الصخرة وكان دعاؤهم مستجابا: قال البخاري رحمه الله : حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهممَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَرَجَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ فَأَصَابَهُمُ الْمَطَرُ فَدَخَلُوا فِي غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَيْهِمْ صَخْرَةٌ قَالَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ادْعُوا اللَّهَ بِأَفْضَلِ عَمَلٍ عَمِلْتُمُوهُ فَقَالَ أَحَدُهُمُ اللَّهُمَّ إِنِّي كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَرْعَى ثُمَّ أَجِيءُ فَأَحْلُبُ فَأَجِيءُ بِالْحِلَابِ فَآتِي بِهِ أَبَوَيَّ فَيَشْرَبَانِ ثُمَّ أَسْقِي الصِّبْيَةَ وَأَهْلِي وَامْرَأَتِي فَاحْتَبَسْتُ لَيْلَةً فَجِئْتُ فَإِذَا هُمَا نَائِمَانِ قَالَ فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ رِجْلَيَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ قَالَ فَفُرِجَ عَنْهُمْ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي كُنْتُ أُحِبُّ امْرَأَةً مِنْ بَنَاتِ عَمِّي كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرَّجُلُ النِّسَاءَ فَقَالَتْ لَا تَنَالُ ذَلِكَ مِنْهَا حَتَّى تُعْطِيَهَا مِائَةَ دِينَارٍ فَسَعَيْتُ فِيهَا حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتِ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ وَتَرَكْتُهَا فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فُرْجَةً قَالَ فَفَرَجَ عَنْهُمُ الثُّلُثَيْنِ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقٍ مِنْ ذُرَةٍ فَأَعْطَيْتُهُ وَأَبَى ذَاكَ أَنْ يَأْخُذَ فَعَمَدْتُ إِلَى ذَلِكَ الْفَرَقِ فَزَرَعْتُهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيهَا ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ يَا عَبْدَاللَّهِ أَعْطِنِي حَقِّي فَقُلْتُ انْطَلِقْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَإِنَّهَا لَكَ فَقَالَ أَتَسْتَهْزِئُ بِي قَالَ فَقُلْتُ مَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ وَلَكِنَّهَا لَكَ اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَكُشِفَ عَنْهُمْ)[48] 
     وحديث جريج الراهب الذي كلمه الطفل  فهذا ولي وضع يده على بطن الحامل وكلم الجنين:
قال الإمام البخاري رحمه الله : حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لَا إِلَّا مِنْ طِينٍ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَصُّ إِصْبَعَهُ ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ فَقَالَ الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنَ الْجَبَابِرَةِ وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَلْ * وقال الإمام مسلم رحمه الله : حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً فَكَانَ فِيهَا فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ فَقَالَ يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ فَقَالَ يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَتْ فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَتْ يَا جُرَيْجُ فَقَالَ أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ فَقَالَتِ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا فَقَالَتْ إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ قَالَ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فَقَالَ مَا شَأْنُكُمْ قَالُوا زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ فَقَالَ أَيْنَ الصَّبِيُّ فَجَاءُوا بِهِ فَقَالَ دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ قَالَ فُلَانٌ الرَّاعِي قَالَ فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وَقَالُوا نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لَا أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ فَفَعَلُوا وَبَيْنَا صَبِيٌّ يَرْضَعُ مِنْ أُمِّهِ فَمَرَّ رَجُلٌ رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ فَقَالَتْ أُمُّهُ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَ هَذَا فَتَرَكَ الثَّدْيَ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهِ فَجَعَلَ يَرْتَضِعُ قَالَ فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَحْكِي ارْتِضَاعَهُ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ فَجَعَلَ يَمُصُّهَا قَالَ وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ وَهِيَ تَقُولُ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَقَالَتْ أُمُّهُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا فَتَرَكَ الرَّضَاعَ وَنَظَرَ إِلَيْهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ فَقَالَتْ حَلْقَى مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهُ فَقُلْتَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ وَمَرُّوا بِهَذِهِ الْأَمَةِ وَهُمْ يَضْرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ زَنَيْتِ سَرَقْتِ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا فَقُلْتَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا قَالَ إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا فَقُلْتُ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا زَنَيْتِ وَلَمْ تَزْنِ وَسَرَقْتِ وَلَمْ تَسْرِقْ فَقُلْتُ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا)[49] .
         وحديث المرأة التي قالت سائلة الله عز وجل أن يجعل الطفل الذي ترضعه مثل الفارس فأجاب الطفل بما أجاب: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بَيْنَا امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنَهَا إِذْ مَرَّ بِهَا رَاكِبٌ وَهِيَ تُرْضِعُهُ ، فَقَالَتِ : اللَّهُمَّ لا تُمِتِ ابْنِي حَتَّى يَكُونَ مِثْلَ هَذَا الرَّاكِبِ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ فِي الثَّدْيِ ، فَمَرَّ بِامْرَأَةٍ تُجَرُّ وَيَلْعَبُ بِهَا الصِّبْيَانُ ، فَقَالَتِ : اللَّهُمَّ لا تَجْعَلِ ابْنِي مِثْلَهَا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا " ، قَالَ : يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَمَّا الرَّاكِبُ فَإِنَّهُ كَافِرٌ ، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَيَقُولُونَ لَهَا : تَزْنِي ، وَتَقُولُ : حَسْبِيَ اللَّهُ ، فَيَقُولُونَ لَهَا : تَسْرِقُ ، فَتَقُولُ : حَسْبِيَ اللَّهُ)[50] .
    ومن ذلك وجود القطف من العنب عند خبيب الذي أسرته الكفار‏ في حين لم تتوفر فيه الفاكهة لاحد: أن أبا هريرة رضي الله عنه ، قال: " بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَةَ رَهْطٍ سَرِيَّةً عَيْنًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْهَدَأَةِ وَهُوَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ فَنَفَرُوا لَهُمْ قَرِيبًا مِنْ مِائَتَيْ رَجُلٍ كُلُّهُمْ رَامٍ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمْ تَمْرًا تَزَوَّدُوهُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالُوا هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ فَلَمَّا رَآهُمْ عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ وَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمُ انْزِلُوا وَأَعْطُونَا بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ وَلَا نَقْتُلُ مِنْكُمْ أَحَدًا قَالَ عَاصِمُ ابْنُ ثَابِتٍ أَمِيرُ السَّرِيَّةِ أَمَّا أَنَا فَوَاللَّهِ لَا أَنْزِلُ الْيَوْمَ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ رَهْطٍ بِالْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ خُبَيْبٌ الْأَنْصَارِيُّ وَابْنُ دَثِنَةَ وَرَجُلٌ آخَرُ فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَأَوْثَقُوهُمْ فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللَّهِ لا أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي فِي هَؤُلَاءِ لَأُسْوَةً يُرِيدُ الْقَتْلَى فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ فَأَبَى فَقَتَلُوهُ فَانْطَلَقُوا بِخُبَيْبٍ وَابْنِ دَثِنَةَ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ فَابْتَاعَ خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِمَنَافٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ ابْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا فَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُاللَّهِ بْنُ عِيَاضٍ أَنَّ بِنْتَ الْحَارِثِ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُمْ حِينَ اجْتَمَعُوا اسْتَعَارَ مِنْهَا مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ فَأَخَذَ ابْنًا لِي وَأَنَا غَافِلَةٌ حِينَ أَتَاهُ قَالَتْ فَوَجَدْتُهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فِي وَجْهِي فَقَالَ تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ ( هذه أخلاق المؤمن، هو سيُقتل بعد حين، وابنهم على فخذه، والسكين في يده، فقال لها) تَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ مِنَ اللَّهِ رَزَقَهُ خُبَيْبًا.. فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ ذَرُونِي أَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ لَوْلَا أَنْ تَظُنُّوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَطَوَّلْتُهَا اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ فَقَتَلَهُ ابْنُ الْحَارِثِ فَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ لِكُلِّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لِعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ يَوْمَ أُصِيبَ فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ خَبَرَهُمْ وَمَا أُصِيبُوا وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ كُفَّارِ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قُتِلَ لِيُؤْتَوْا بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ وَكَانَ قَدْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَبُعِثَ عَلَى عَاصِمٍ مِثْلُ الظُّلَّةِ مِنَ الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رَسُولِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا )[51] .
     وحديث أن أسيد بن حضير كان يقرأ القرآن وتأتيه الملائكة: وعَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ رضي الله عنه قَالَ: بَيْنَمَا هُوَ يَقْرَأُ مِنَ اللَّيْلِ سُورَةَ الْبَقَرَةِ- وَفَرَسُهُ مَرْبُوطَةٌ عِنْدَهُ- إِذْ جَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ، فَقَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَسَكَتَ فَسَكَنَتْ ثُمَّ قَرَأَ فَجَالَتِ الْفَرَسُ، فَانْصَرَفَ، وَكَانَ ابْنُهُ يَحْيَى قَرِيبًا مِنْهَا- فَأَشْفَقَ أَنْ تُصِيبَهُ فَلَمَّا أَخَذَهُ رَفْعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى مَا يَرَاهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَدَّثَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اقْرَأْ يَا ابْنَ حُضَيْرٍ» قال: قد أشفقت يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْ تَطَأَ يَحْيَى وَكَانَ مِنْهَا قَرِيبًا فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مِثْلُ الظُّلَّةِ فِيهَا أَمْثَالُ الْمَصَابِيحِ فَخَرَجْتُ حَتَّى لَا أَرَاهَا قَالَ «وَتَدْرِي مَا ذَاكَ؟» قَالَ لَا قَالَ «تِلْكَ الْمَلَائِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا لَا تَتَوَارَى مِنْهُمْ)[52] .
 ومن ذلك كون سعد بن أبى وقاص مجاب الدعوة، وهذه الأحاديث كلها ثابتة في الصحيح وورد لكثير من الصحابة رضي الله عنهم كرامات قد اشتملت عليها كتب الحديث والسير.
        جاء فى كتاب مرآة المحاسن: (ان العبد اذا صدق واخلص لربه ، فنى عن نفسه، وبقي بربه، وذهبت بشريته، واضمحلت أنانيته، فتتجلى له أوصاف معروفة، كرؤية العين، ويكون بسره مع الله بلا أين ، فينازل حضرة قدسه، وموارد انسه ، فيكون الله سبحانه جليسه ، وحديثه انيسه، فأن تكلم فبالله وان صمت فمع الله . فشبحه يتدلى، وروحه في الملأ الأعلى.
       ففي هذه الحالة تجري عليه علوم وحقائق سنية، لم تكن له ببال ولم تنسج على المنوال فيختلج في سره، وينطق عن وجده، فيلهج بها اللسان، وتسطرها البنان من غير قصد ولااختيار .. فمن صدرت منه حقائق على الوجه المذكور والوصف المسطورولا يتعدها من لم يفهمها، او يبحث في لفظها من لم يعلمها،لأنها بالعناية محفوظة وبالرعاية ملحوظة. فصاحبها ماخوذ عن العالم الأ دنى مترق الى العالم الأسنى مقتبسا من قوله تعالى (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى)[53]
     متنسما بروحه (فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) النجم آية 10. فلا ينطق عن الهوى فيمنح حينئذ وحي الهام لاوحي انشاء و أعلام. فمن وصفها بأنها صدرت عن فهم أو استندت الى علم فقد استنقص صاحبها و جهل قدره.).
      يقول رضي الله عنه فهو صلى الله عليه وسلم أكسير السعادة فكل سعيد في الكون فسعادته بواسطته صلى الله عليه وسلم وقرب منزلته من مولاه على حسب استمداده منه. فمن حصل له شرب من ذلك. ليس الا بمدد باطن كل حسب مقامه المقدر له ازلا في سابق علمه على ترتيب مشيئته و تخصيصه ، واما من قصر علمه، ووقف عل حسه اذلانفوذ له لغيره فتضرب له الأمثال. (وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُونَ)[54]. فالسر الأحمدي الساري في الوجود والممد لكل موجود كالبحر المحسوس المنبسط على وجه الأرض وامتدت به جداول و أنهار ، وانتشرت في أقاليم الأرض وسائر الأقطار، فكل مدة انبسطت منه حيثما كانت، فهي عينه باعتبار ذاته، وغيره باعتبار تعينه فافهم.
     ولك ان تقول:الأنوار الظاهرة على اولياء الله انما هي اشراق انوار النبوءة عليهم. فمثل الحقيقة المحمدية كالشمس و قلوب الأولياء كالأقمار فأنما ظهر نور القمر واضاء لظهور نور الشمس فيه ، ومقابلته اياها. فاذا الشمس مستمرة الوجود مضيئة ليل ا نهارا لظهور نور ه في القمر الممد منها، فلا غروب لها في وقت ما. فافهم.
     فعلى هذا يجب دوام انوار الأولياء لدوام ظهور أنوار رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم فهو الظاهر فيهم والباطن فيهم. وان شأت قلت ارواح امته صلى الله عليه وسلم متعلقة بروحه صلى الله عليه وسلم .
       فأرواح العلماء و قلوب العارفين وسائر النبيين والمرسلين وعباد الله والصالحين تتلقى من روحه صلى الله عليه وسلم العلم و الحكمة و المعارف الربانية. والأسرار الملكوتية فكل علم و حكمة نقطة من بحره صلى الله عليه وسلم فكانت حيرته صلى الله عليه وسلم على حسب معرفته وكما يليق بمقامه و علو منزلته وحقيقة ذلك لم يدركها احد بعلمه و بفهمه (و لايحيطون بشيء من علمه الا بما شاء)[55]. من ظواهر الأمور دون بواطنها وجليها دون خفيها فالفهوم كلت و العقول وقفت وتضائلت عن ادراك خفي سره صلى الله عليه وسلم و الوقوف على حقيقة امره صلى الله عليه وسلم.
وهم في نيل هذه الأسرار على مراتب: منهم من تنكشف له جملة. ومنهم من تنكشف له تفصيلا وهم الأنبياء والرسل عليهم السلام. واعظمهم كشفا و أعلاهم مرتبة وأوسعهم معرفة: سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت هذه الأ سرار التوحيدية والأنوار الغيبية، قبل بعثته صلى الله عليه وسلم بحرا طامسا وسماءا عابسا فبنوره ظهرت وبسره اشرقت صلى الله عليه وسلم. فجميع الحقائق ارتقت وتجلت في باطنه صلى الله عليه وسلم حتى صارقلبه معدنا لها  صلى الله عليه وسلم وباطنه مرساها صلى الله عليه وسلم. فقلبه صلى الله عليه وسلم معدن الحقائق والأسرار وباطنه مهبط العلوم  والأنوار خص بذلك صلى الله عليه وسلم لاتساعه فما وسعه لايسعه غيره. في اعتقاده في كون سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ممد الكون في سائر الزمان والمكان بأنواره. وفي ان جميع الأرواح تستمد منه انوارها صلى الله عليه وسلم )[56].
    جعل الله لأوليائه كرامات من جنس ما أيد به رسله؛ تأييدًا لهم، وإظهارا لفضلهم، وبيانا لمكانتهم. مما يدل على رعاية الله سبحانه لعباده الصالحين، وحفظه لهم في السراء والضراء، وإعانتهم على الالتزام بأوامره، ويدل ــ كذلك ــ على أن الله سبحانه قد خرق لهم نواميس الكون، وأظهر لهم الأعاجيب؛ تثبيتًا لإيمانهم، وتأييدًا لهم في الشدائد والمحن. ولم لا؟! فهم عباده المخلصون، وجنده الأخيار؛ الذين آمنوا به، واتبعوا رسله.
   فرغ قلبك من الاغيار، وهو ما سوى الله، بحيث لا يتعلق قلبك بشىء من الكون، علويا أو سفليا أو دنيويا أو اخرويا، حسيا أو معنويا، كحب الخصوصية وغيره من الحظوظ. فاذا رحل قلبك عن هذا العالم بالكلية، ولم يبق فيه الا محبة مولاك، فانه يملأه بالمعارف، بحيث يكشف  عنك حجاب الوهم، ويذهب عنك ظلمة الحس، فتشاهد الاشياء كلها أنوار ملكوتية، مشاهدة ذوقية تمكنية.. وبشهود الجبروت عن شهود الملكوت، وتكاشف بأسرار القدر، فيهب عليك نسيم برد الرضى والتسليم.
  الإلهام والفراسة من كرامات الأولياء : 
الإلهام
الإلهام لغة:(يدل على ابتلاع شيء ومن هذا الباب : الإلهام ، كأنه شيء ألقي في الروع فالتهمه ، قال الله تعالى: [ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ][57])[58] والإلهام: (إيقاع شيء في القلب، يطمئن له الصدر، يخص الله به بعض أصفيائه)[59].
  والملهم هو : المحدّث، المُفْهَم، الذي يصدق ظنه في الأشياء، تتكلم الملائكة على لسانه، فيجري عليه الصواب من غير قصد منه، ويطلق على ذلك المكاشفة. و(المكاشفة الصحيحة: علوم يحدثها الرب سبحانه وتعالى في قلب العبد، ويطلع بها على أمور تخفى على غيره، وقد يواليها، وقد يمسكها عنه بالغفلة عنها)[60].
  دليل الإلهام : قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد كان فيمن قبلكم ناس محدّثون، فإن يكن في أمتي أحد فعمر)[61].
  ولا يعدو الإلهام أن يكون فتحاً من الله - تعالى - على عبد من عباده المؤمنين بما يوافق الحق الذي أنزله في كتابه وعلى لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم- ، كالرؤيا الصالحة فيها كشف للنائم ، وإطْلاع له على شيء مما لم يقع بعد . مصداقه حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- : (لم يبق من النبوة إلا المبشرات) قالوا: وما المبشرات ؟ قال: (الرؤيا الصالحة)[62] .
  والإلهام - على منزلته - لا يمكن أن يكون مكملاً لنقص في الدين، أو محدِثاً لحكم جديد فيه، كما هو الحال تماماً بالنسبة للرؤيا ؛ فإن من رأى النبي - صلى الله عليه وسلم- في المنام فأمره بأمر وجب عليه أن يعرضه على الشرع؛ لأن (كل من كان من أهل الخطاب والمكاشفة لم يكن أفضل من عمر، فعليه أن يسلك سبيله في الاعتصام بالكتاب والسنة تبعاً لما جاء به الرسول  صلى الله عليه وسلم، لا يجعل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم تبعاً لما ورد عليه)[63] .
  ومن الإلهام : ما وقع للصديق - رضي الله عنه - في موقفه يوم قتال أهل الردة ، حين خالفه كثير من الصحابة، فقال: (والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة؛ فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عَناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقاتلتهم على منعها)[64]، حتى شرح الله صدور أصحابه لما أراه من الحق، ومنها: تسيير جيش أسامة الذي عقده النبي صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته .
  وقال عمر - رضي الله عنه  : (وافقت الله في ثلاث، - أو وافقني ربي في ثلاث - قلت : يا رسول الله ! لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى ، وقلت : يارسول الله ! يدخل عليك البر والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب ، فأنزل الله آية الحجاب، قال: وبلغني معاتبة النبي -صلى الله عليه وسلم- بعض نسائه، فدخلتُ عليهن، قلت : إن انتهيتن، أو ليبدلن الله رسوله خيراً منكن، حتى أتيتُ إحدى نسائه قالت: يا عمر ! أما في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يعظ نساءه حتى تعظهن أنت ؟ فأنزل الله: ( عَسَى رَبُّهُ إن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ ... )[65])[66] .  ومن إلهاماته: اختياره قتل أسارى بدر .
الفراسة
 يراد بالفراسة في اللغة معنى ذا جانبين؛ أحدهما أخص من الآخر، وهما: 
1- المعرفة بالأمور، والخبرة بالأحوال، من خلال النظر المحكم فيها.
  2- المهارة في تعرف بواطن الأمور من ظواهرها[67]  .
  ويمكن تعريف الفراسة في الاصطلاح بأنها: نور يقذفه الله في قلب عبده المؤمن الملتزم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، يكشف له بعض ما خفي على غيره، مستدلاً عليه بظاهر الأمر، فيسدد في رأيه، دون أن يستغني بذلك عن الشرع .
  والفراسة المقصودة هنا الفراسة الإيمانية، وهي غير فراسة الرياضة، والفراسة الخلقية، بل هي (على حسب قوة الإيمان، فمن كان أقوى إيماناً فهو أحدّ فراسة)[68] (فمن غرس الإيمان في أرض قلبه الطيبة الزاكية، وسقى ذلك الغراس بماء الإخلاص والصدق والمتابعة، كان من بعض ثمره هذه الفراسة)[69] .
  والسبب أن (هذه الفراسة نشأت له من قربه من الله - تعالى - فإن القلب إذا قرب من الله انقطعت عنه معارضات السوء المانعة من معرفة الحق وإدراكه، وكان تلقيه من مشكاة قريبة من الله بحسب قربه منه، وأضاء له من النور بقدر قربه، فرأى في ذلك ما لم يره البعيد والمحجوب) كما ثبت في حديث الأولياء، (وليس هذا من علم الغيب، بل علام الغيوب قذف الحق في قلب قريب منه)[70] .
 وللفراسة من الفوائد : 
1- الانتفاع بالمواعظ ، والاستفادة من الحوادث والعبر ، قال - تعالى - بعد أن ذكر قصة إهلاك قوم لوط - : ( إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ )[71] أي : الناظرين المتفرسين المتفكرين المعتبرين .
  2- دقة الحكم بين الناس وخاصة من القضاة ، وحفظ الحقوق ، وتحقيق المصالح العامة ، التي يهدف الشرع إلى تحقيقها[72]  .
  3- تولية الأكفاء في رعاية مصالح الأمة .
  4- توقع الأحداث قبل وقوعها ، فتؤخذ لها العدة والحيطة ، فتُتّقى الشرور وتدفع المفاسد .
  ومن الفراسة: ما وقع لعمر حين (دخل عليه نفر من مذحج ، فيهم الأشتر النخعي، فصعّد فيه البصر وصوبه وقال: أيهم هذا ؟قالوا : مالك بن الحارث، فقال: ما له قاتله الله ؟ إني لأرى للمسلمين منه يوماً عصيباً .
 وهذا عثمان بن عفان - رضي الله عنه - دخل عليه رجل من الصحابة وقد رأى امرأة في الطريق فتأمل محاسنها ، فقال له عثمان : يدخل عليّ أحدكم وأثر الزنى ظاهر على عينيه ؟ ! فقلت : أوَحيٌ بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ؟ فقال: لا ، ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة)[73] .
     ما تقدم يؤكد أن لقلب المؤمن حاسة دقيقة جامعة تصبح آلة لتلقي العلم واستبصار المعلومات واستشفاف المغيَّبات على غاية من اللطف بعد أن يبرأ القلب من أمراضه في مِصحة التربية، وبعد أن تعنى به يدُ الصحبة، ويصقُله الذكر ويكشف الله عز وجل عنه غطاءه، ليجد ما وُعد الصادقون بإخلاص النية من قدم الصدق المكتوبة في سابقة علم الله تعالى.  وعناية المولى الكريم سبحانه تسلكُ بأحبابه ممن شاء أن يكشف عنهم الغطاء فِجاج مشاهدة "الحقيقة الكونية القدرية" ويتجاوزون مخاطرها وإغراءها، لا يقفون مع شيء دون الله عز وجل. شعارُهم دائما كما يقول الشيخ عبد القادر: وإنك لتعلم ما نريد.
القدرات الاخرى للأولياء
 الفتح :
      سُئل سيدنا الدباغ عن السر الذي يشير إليه القوم فقال ضارباً مثلاً: ( الذهب يكون عند الملك و لا يعطيه لكل أحد و إنما يعطيه لأهل الخصوصية من رعيته. قال: فكذلك السر لا يعطيه الله إلا للمصطفين من خلقه.
     فقال السائل: و هل هو الفتح؟ فقال:الفتح زائد عليه يقوى معه السر، فإن المفتوح عليه، يفتح عليه في بصره فيرى به السموات و الأرضيين. فإذا كان السر المتقدم مع الفتح، أجتمع قوتان و جهدان. و إن كان السر وحده مع الحجاب فهو سر و لكن صاحبه لا يقوى قوة المفتوح عليه).
     و قال أيضاً: (إن الفتح إذا نزل على الذات قبل نور القوة، حصل في الذات خلل و ضعف يفضي إلى ما سبق من موت أو زوال عقل. و إذا نزل على الذات نور القوة أولاً ثم نزل بعده نور الفتح لم تتضرر الذات بالفتح. فالموفق يطلب نور القوة قبل نزول الفتح عليه و الله أعلم).
      قال الشيخ أحمد ضياء الدين النقشبندي: الفتوح هو كل ما يفتح على العبد من الله بعد ما كان مغلقا عليه من النعم الظاهرة و الباطنة و الأرزاق و العبادة و العلوم و المعارف و المكاشفات و غير ذلك. و قسم ابن العربي إلى عدة أنواع:
-   فتوح العبارة في الظاهر: قال: و اتقوا الله و يعلمكم الله.
-  فتوح الحلاوة في الباطن: قال: إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا.
-  فتوح المكاشفة .
قال سيدنا مالك رضى الله عنه: من أراد أن يفتح الله عين قلبه فليكن عمله في السر أكثر من عمله في العلانية. لأن عمل السر عمل الإخلاص و الإخلاص منبع الحكمة و الحكمة نور يقذفه الله في قلب العبد المؤمن من فسحة الملك. فأهل التنوير هم الحكماء و هم العارفون بالله.
الفــــتـــح نـــوعان كما جاء عن سيدنا الدباغ في الإبريز:
(1) فتـــح ظلماني: يشاهد المفتوح عليه من الأمور الباطلة الفانية الظلمانية. فتسود عقولهم و تعمى أبصارهم عن الحق. لذا يفتح لأهل الباطل في مشاهدة هذا العالم سمائه و أرضه و لا يشاهدون فيه إلا الأمور الفانية المتعلقة بالأجرام الحادثة هياكلها. مثل ما يذكرونه في أحكام النجوم و غيرها الذي ينسبون أثرها للنجوم و الكواكب لا لله.
(2) فتـــح نوراني: و هو نور من أنوار الحق تسقي به ذوات أهل الحق فتشعشع أنوار المعارف في ذواتهم. و فتح أهل الحق نوعان:
(أ) الفتح المنقطع: و هو أضعف درجات الكشف. فجميع ما سبق فتحه لأهل الظلام في هذا العالم سمائه و أرضه يشاهده صاحب هذا الفتح. و هو فتح مشترك في كثير من نقاطه مع أهل الباطل. و صاحبه لا يأمن على نفسه من القطيعة و اللحوق بأهل الظلام حتى يقطع مقامه و يتجاوزه.
(ب) الفتح المستمر: و هو أن يفتح عليه في مشاهدة أسرار الحق التي حجب عنها أهل الظلام. فيشاهد الأولياء العارفين بالله و يتكلم معهم و يناجيهم على بعد المسافة مناجاة الجليس لجليسه. و كذا يشاهد أرواح المؤمنين فوق القبور و الكرام الكاتبين و الملائكة و البرزخ و أرواح الموتى التي فيه. و يشاهد قبر النبي و عمود النور الممتد إلى قبة البرزخ. فإذا حصلت له مشاهدة ذات النبي في اليقظة حصل له الأمان من تلاعب الشيطان لاجتماعه مع رحمة الله و هي سيدنا و نبينا و مولانا محمد. فلا يزال الولي ببركة الذات الشريفة يتعلق بالحق و يترقى في معرفته شيئاً فشيئاً إلى أن تقع له المشاهدة و أسرار المعرفة و أنوار المحبة. فهذا الفتح الثاني هو الفاصل بين أهل الحق و أهل الباطل. و يندرج تحت هذا الفتح أنواع عديدة منها: الفتح القريب، الفتح المبين و الفتح المطلق. قال الشيخ أحمد ضياء الدين النقشبندي في كتابه جامع أصول الأولياء:
 -  الفتح القريب: هو ما أنفتح على العبد من مقام القلب و ظهور صفاته و كمالاته عند قطع منازل النفس و هو المشار إليه بقوله: نصر من الله و فتحٌ قريب.
- الفتح المبين: هو ما أنفتح على العبد من مقام الولاية وتجليات أنوار الأسماء الإلهية المعينة لصفات القلب و كمالاته و هو المشار إليه بقوله :إنا فتحنا لك فتحا مبينا يعني من الصفات النفسية و القالبية.
- الفتح المطلق: و هو أعلى الفتوحات و أكملها و هو ما أنفتح على العبد من تجليات الذات الأحدية والاستغراق في عين الفتح بفناء الرسوم الخلقية كلها و هو المشار إليه بقوله: إذا جاء نصر الله و الفتح.
 يتفاوت الأولياء في درجاتهم تبعا لمقدرتهم في الاستمداد من المعارف الربانية من الحضرة الأحدية عن طريق الحضرة المحمدية.  فالكمل من أولياء الله فإنهم يفتح الله عليهم باب الفهم عنه و العلم به و الأخذ منه. فتمكنوا من خزائن العلوم و كشف لهم عن حقيقة كل ناطق و موهوم. فصاروا يأخذون عن الله و يفهمون عن الله بالله. لذلك يرى سيدنا محمد وفا الشاذلي في كتابه (نفائس العرفان من أنفاس الرحمن): ( أن هذا القرب من الله هو باطن الولاية و التي فيها يتولى الله عبده بذاته. فيطلعه على مكنون أسمائه وصفاته.بمعنى أن الولي في هذا المقام يفنى عن نفسه و يبقى بربه)[74]
      العلم اللدني:
 نقل الشيخ الأكبر ابن عربي في الباب الثلاثين من فتوحاته عن الشيخ الجنيد البغدادي قدس سره أنه قال: لا يبلغ أحد درجة الحقيقة حتى يشهد فيه ألف صديق بأنه زنديق , وذلك لأنهم يعلمون من الله ما لا يعلمه غيرهم , وهم أصحاب العلم الذي كان يقول فيه علي بن أبي طالب رضي الله عنه حين يضرب بيده على صدره ويتنهد: ( إن هاهنا علوماً جمة لو وجدت لها حملة ؟ )[75]
      يقول الامام الحكيم الترمذي:( فهذا واشباه هذا هو علم الأنبياء و علم الأولياء. بهذا العلم يطالعون تدبيره، وبهذا العلم يقومون بالعبودية له.لأنه من كشف له الغطاء عن هذا النوع من العلم ،غانما فتح له في الغيب العلى حتى لاحظ ملك الملك، بعد ان قوم ثم هذب ثم ادب ثم نقي ثم ادب ثم طهر ثم طيب ثم وسع ثم عوذ. فتمت له ولاية الله وصلح في المجلس الأعلى من مجالس الأولياء، بين يديه. يناجيه كفاحا، ويلج مجالسه سماحا، ماله من حاجز. فيرجع من عنده مع الفناء الأكبر .فيقوم بالعبودية محارصة)[76].
يقول ابن القيم: والعلم اللدني ، ثمرة العبودية والمتابعة ، والصدق مع الله ، والإخلاص له، وبذل الجهد في تلقي العلم من مشكاة رسوله  .صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكمال الإنقياد له . فيفتح له من فهم الكتاب والسنة بأمر يخصه به ، كما قال على بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : وقد سئل " هل خصكم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشيء دون الناس ؟ فقال : لا والذي فلق الحبة ، وبرأ النسمة . إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه " فهذا هو العلم اللدني الحقيقي .([77] " ا.هـ.
        فهذا هو العلم اللدني الحقيقي ، وأما علم من أعرض عن الكتاب والسنة ، ولم يتقيد بهما : فهو من لدن النفس والهوى ، والشيطان ، فهو لدني . لكن من لدن من ؟ وإنما يعرف كون العلم لدنيا رحمانيا : بموافقته لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل . فالعلم اللدني نوعان : لدني رحماني ، ولدني شيطاني بطناوي .
       يقول الشيخ أحمد الصديق الغماري: إن من أفضل ما يمكن أن يوضح دور الإمام علي      ( كرم الله وجهه ) في افتتاح السلسلة الصوفية، والمنهج الروحي الذي اختصه الله تعالى به ورسوله الكريم صلى الله تعالى عليه وسلم  هو الحديث النبوي الشريف المروي عن حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنهما والذي قال فيه رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أنا مدينة العلم وعلي بابها ، فمن أراد المدينة فليأت الباب ([78]، وهو حديث صريح وواضح في معناه الذي ينص على ( تخصيص الإمام علي   - كرم الله وجهه- بعلوم الحقائق والعرفان ، وأنه لا يصل واصل إليها إلا من بابه ، وإلا كان مدلول الحديث غير مطابق للواقع ، إذا حُمِلَ على مُطلق العِلم ، لأن علياً كرم الله وجهه لم ينفرد به وحده ، حتى يكون هو بابه ، بل شاركه جماعة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم في رواية العلم - علم الظاهر - ونقله عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فهم في ذلك كلهم أبواب للوصول إليه ، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خصَّ علياً كرم الله وجهه وحده بكونه الباب الموصل إلى مدينة العلم ، فكان صريحاً في تخصيصه رضي الله عنه بعلم الباطن ، الذي هو نتيجة العمل بالعلم الظاهر ، وهو العلم الحقيقي المقصود بالذات ).
      ولكي يؤكد حضرة الرسول الأعظم صلى الله تعالى عليه وسلم القصد الروحي في هذا الحديث الشريف ، قال في حديث آخر : (أنا مدينة الحكمة وعلي بابها وفي رواية : (أنا دار الحكمة وعلي بابها ([79].
    والحكمة هنا هي العلم اللدني الذي يصل إلى قلب العبد بصورة مباشرة من الحق سبحانه وتعالى ، وهذه الحكمة لها ينابيع من المعرفة والعلوم تجري من قلب العبد الملهم بها على لسانه ، فيعطيها في الوقت المناسب للشخص المناسب ، (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[80].
    ومعنى الحديث كما ذكر صاحب فيض القدير شرح الجامع الصغير هو : إن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه هو الباب الذي يدخل منه إلى الحكمة فناهيك بهذه المرتبة ما أسناها وهذه المنقبة ما أعلاها .
      وأيد هذا المعنى بذكره لجملة أحاديث شريفه تعضده في المعنى فقال : « عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : كنت عند النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسؤل عن علي كرم الله وجهه فقال : (قسمت الحكمة عشرة أجزاء فأعطي علي تسعة أجزاء والناس جزءاً واحداً ).
وعنه أيضا : (أنزل القرآن على سبعة أحرف ما منها حرف إلا وله بطن وظهر وأما علي فعنده منه علم الظاهر والباطن )[81]  )[82].
    العارف أبو العباس احمد بن عجيبة في ( إيقاظ الهمم بشرح الحكم ) : أما واضع هذا العلم فهو النبي صلى الله تعالى عليه وسلم علمه الله إياه بالوحي والإلهام , فنزل جبريل عليه السلام أولاً بالشريعة , فلما تقررت نزل ثانياً بالحقيقة , فخص بها بعضاً دون بعض , وأول من تكلم فيه وأظهره سيدنا علي كرم الله وجهه , وأخذ عنه الحسن البصري الخ)[83].
          قال الإمام الغزالي: "الإيمان بالنبوة أن يقِرَّ بإثبات طور ما وراء العقل، تنفتح فيه عينٌ يدرك بها مدرَكات خاصة. والعقل معزول عنها كعزل السمع عن إدراك الألوان، والبصر عن إدراك الأصوات، وجميع الحواس عن إدراك المعقولات")[84]
وقال: (ووراء العقل طور آخر تنفتح فيه عين أخرى يبصر بها الغيب، وما سيكون في المستقبل، وأمورا أخرى العقل معزول عنها كعزل قوة التمييز عن إدراك المعقولات، وكعزل قوة الحس عن مدركات التمييز)[85] .
     للامام الغزالي  في "الإحياء" حديث طويل عن فتح الأولياء وما يعطوهه من العلم اللدنيِّ القلبي قامت عليه بسببه قيامة المكذبين منذ تسعة قرون.
    يقول الشيخ ابن القيم: "فإذا صارت صفات ربه (أي الولي المتقرب بالفرض والنفل حتى يحبه الله) وأسماؤه مشهدا لقلبه أنسته ذكر غَيره، وشغلته عن حب ما سواه. فحينئذ يكون الرب سبحانه سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها. فبه يسمع، وبه يبصر، وبه يبطش، وبه يمشي كما أخبر عن نفسه بلسان رسوله. ومن غَلُظَ حجابه، وكثُفَ طبعُه، وصَلُب عوده، فهو عن فهم هذا بمعزل... وبالجملة فيبقى قلب العبد الذي هذا شأنه عرشا للمثل الأعلى، أي عرشا لمعرفة محبوبه ومحبته وعظمته وجلاله وكبريائه. وناهيك بقلب هذا شأنه! فيا له من قلب من ربه ما أدناه! ومن قُربه ما أحظاه! فهو ينـزه قلبه أن يساكن سواه أو يطمئن إلى غيره. فهؤلاء قلوبهم قد قطعت الأكوان وسجدت تحت العرش، وأبدانُهم على فرشهم كما قال أبو الدرداء: إذا نام العبد المومن عُرِجَ بروحه حتى تسجد تحت العرش")[86] .
وقال رحمه الله: "ينجذب (المريد) إليها (الآخرة) بالكلية، ويزهد في التعلقات الفانية، ويدأب في تصحيح التوبة والقيام بالمأمورات الظاهرة والباطنة. فحينئذ يجتمع قلبه وخواطره وحديث نفسه على إرادة ربه وطلبه والشوق إليه. فإذا صدق في ذلك رُزِق محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم واستولت روحانيته على قلبه. فإذا رسخ في ذلك فُتِح له في فهم الوحي المنزل فإذا تمكن من ذلك انفتح في قلبه عينٌ أخرى، يشاهد بها صفات الرب جل جلاله، حتى تصير لقلبه بمنزلة المرئي لعينه. فيشهد عُلُوَّ الرب سبحانه فوق خلقه، واستواءه على عرشه، ونزول الأمر من عنده بتدبير مملكته، وتكليمه بالوحي، وتكليمه لعبده جبريل به، وإرساله إلى من يشاء بما يشاء، وصعود الأمور إليه، وعرضها عليه")[87].
وقال رحمه الله: "إن الله سبحانه جعل في العين قوة باصرة، كما جعل في الأذن قوة سامعة، وفي الأنف قوة شامة، وفي اللسان قوة ناطقة وقوة ذائقة. وأما معاينة القلب فهي انكشاف صورة المعلوم له، بحيث تكون نسبتهُ إلى القلب كنسبة المرئي إلى العين. وقد جعل الله سبحـانه القلب يُبصر ويَعْمَى. قال تعالى: (فَإِنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)[88] فالقلب يرى ويسمع، ويعمى ويَصِمُّ، وعماه وصممُه أبلغ من عمى البصر وصممِه")[89] .
    وقال رحمه الله: "المعاينة نوعان معاينةُ بصر ومعاينة بصيرة. فمعاينة البصر وقوعُه على نفس المرئي أوْ مثالِه الخارجي كرؤية مثال الصورة في المرآة والماء. ومعاينة البصيرة وقوع القوة العاقلة على المثال العلمي المطابق للخارجي. فيكون إدراكه له بمنزلة إدراك العين للصورة الخارجية.
وقد يقْوَى سلطان هذا الإدراك الباطن بحيث يصير الحكم له، ويقوى استحضاره القوة العاقلة لمدركها بحيث يستغرق فيه، فيغلب حكم القلب على حكم الحس والمشاهدة. فيستولي على السمع والبصر بحيث يراه ويسمع خطابه في الخارج وهو في النفس والذهن. لكن لغلبة الشهود وقوة الاستحضار وتمكُّنِ حكم القلب واستيلائه على القوى صار كأنه مرئيٌّ بالعين، مسموع بالأذن. بحيث لا يشك المدرك ولا يرتاب في ذلك البتَّةَ، ولا يقبل عذلا")[90] .
     وقال رحمه الله: "فمن فتح الله بصيرة قلبه وإيمانه حتى خرقها وجاوزها إلى مقتضى الوحي والفطرة والعقل فقد أوتي خيرا كثيرا، ولا يخاف عليه إلا من ضَعف همته. فإذا انضاف إلى ذلك الفتح همة عالية فذاك السابق حقا، واحدُ النّاس بزمانه، لا يُلحق شَأْوُهُ، ولا يُشَقُّ غبارهُ. فشتان ما بين من يتلقى أحواله ووارداته عن الأسماء والصفات وبين من يتلقاها عن الأوضاع الاصطلاحية والرسوم (قلت: يعني شتان ما بين أرباب الصدور والمتصفحين للسطور!) أو عن مجرد ذَوْقِه وَوَجده، إذا استحسن شيئا قال: هذا هو الحق!
"فالسير إلى الله من طريق الأسماء والصفات شأنه عجَب، وفتحه عجب. صاحبه قد سبقت له السعادة وهو مستلق على فراشه غير تعبٍ ولا مكدود، ولا مشتّت عن وطنه، ولا مشرد عن سكنه")[91] .
    يقول الإمام عبد القادر الجيلانى قدس الله سره: (يا غلام! ليكن الخرَسُ دأبك، والخمولُ لباسَك، والهرب من الخلق كلَّ مقصودك. وإن قدرت أن تنقب في الأرض سِرْبا تَخْفى فيه فافعل. يكون هذا دأبَك إلى أن يترعرع إيمانُك، ويقوى قدمُ إيقانك، ويتريَّشُ جناحُ صدقك، وتنفتح عينا قلبك فتُرفَع من أرض بيتك، وتطير إلى جو علم الله. تطوف المشرق والمغرب، البَر والبحر، والسهل والجبل. تطوف السماوات والأرضين وأنت مع الدليل الخفير الرفيق. فحينئذ أَطلِق لسانك في الكلام، واخلع لباس الخمول، واترك الهرب من الخلق، واخرج من سِرْبِك إليهم، فإنك دواء لهم غير مُسْتَضَرٍّ في نفسك. لا تبالِ بقلتهم وكثرتهم، وإقبالهم وإدبارهم، وحمدهم وذمِّهم. أين سقطتَ لَقَطْتَ، أنت مع ربك عز وجل)[92].
وقال رحمه الله: "الصدِّيق إذا فرغ من تعلم العلم المشترك (علم السطور) أدْخِل في العلم الخاص، علم القلوب والأسرار. فإذا تمكن في هذا العلم صار سلطان دين الله عز وجل، يأمر وينهى، ويعطي ويمنع بإذن مُسلطنِه".
قال: (يصير سلطانا في الخلق، يأمر بأمر الله عز وجل، وينهى بنهي. العارف واقف بباب الحق عز وجل وقد سلم إليه علم المعرفة والاطلاع على أمور لم يطلع غيره عَليها)[93]. .
وقال رحمه الله: (العارف المقرَّب يُعطَى أيضا نورا يَرى به قربه من ربه عز وجل. ويرى قرب ربه عز وجل من قلبه. يرى أرواح الملائكة والنبيئين وقلوب الصديقين وأرواحهم. يرى أحوالهم ومقاماتهم. كل هذا في سويداء قلبه، وصفاء سره. هو أبدا في فرحه مع ربه عز وجل. هو واسطة يأخذ منه ويفرق على الخلق. منهم من يكون عليم اللسان والقلب، ومنهم من يكون عليم القلب ألْكَنَ اللسان. وأما المنافق فهو عليم اللسان ألْكَنُ القلب)[94] .
     يقول الدكتور حسن عباس زكى: تكلم كثير من المتصوفين عن الواردات ، ونحاول أن نقتطف من حديثهم تلك التعريفات والاشارات :
     ان الواردات هى حقائق العلوم اللدنية التى يقذفها الحق تعالى فى أسرار العارفين، عند براءتهم من الدعوى، وتحررهم من رق الاشياء، وتعرضهم بسيرهم الى نفحات الحق، والإِفتقار إِلى ما يفتح عليهم المولى.. يكرمهم الحق تعالى بها، تحقيقا لوعده لهم، من غير تعلم ولا دراسة وعند ورودها عليهم وتجليها له، تكون مجملة، لا تتبين معانيها، ولا يدركون جهات حقيقتها. فإِذا وعوها. وتعرفت فيها اذهانهم بالاعتبار والتأمل، تبين لهم  معناها، وظهر لهم موافقتها لما بأيديهم من العلوم العقلية والنقلية، من غير مخالفة .. فهى علوم وأسرار ذوقهم، ومنح الهية، ترد على الارواح، ولا تنال بمعتاد الطلب.
     الوارد يراد لثمرته لا لحظ النفس. فليس المراد من السحابة الامطار، إِنما المراد منها وجود الأثمار .. فلا تمنح الوارد وتفرح به، فان ذلك نوع من الاغترار. والواردات وسائل لحصول مقاصدها، وهى ثمراتها التى تكون بعد حصولها .. فاذا حصلت مقاصدها، فلا وجه لطلب بقاء الواردات. فاياك أن تقف مع الواردات، فتصير حجابا فى حقك.
   ولا  تحزن على فقد الوارد إِذا فقدته، فلك فى الله غنى عن كل شىء .. فلا تأس على فقد شىء، إِذا وجدت الله فى كل شىء.
    فالله تعالى إِنما أدخلك فى الحال لتأخذ منها، لا لتأخذ منك، لأنها جاءت حاملة هديه التعريف من الله إِليك، فاذا أوصلت إِليك ما كان فيها، فلا تطلب بقاءها، إِذ لا يطلب بقاء رسول بعد أن بلغ رسالته.
   فجميع أنوار الواردات المنبسطة على قلب العبد، تكيف ظاهره وباطنه بكيفيات العبودية وأسرارها المودعة فيها، بما لاح له من عظمة الربوبية .. فاذا أفادك الوارد هذه الفوائد، فلا تطلبن بقاءه فى حال وجوده، ولا تأس على فقده فى حال فقده.
الواردات:
الواردات التى كانت ترد للنبى صلى الله عليه وسلم لكل منها مورد .. وهى ثلاثة موارد:
(أ) الروح الامين: وهو جبريل (ب) روح القدس (ج) روح الامر
 وسنذكر فيما يلى كلمة سريعة عن كل مورد من تلك الموارد الثلاثة:
فمورد الروح الامين ظاهر القلب، وهو الفؤاد. وللفؤاد سمع وبصر. وهو قوله تعالى: (ما كذب الفؤاد ما رأى)[95]. فالروح الامين يرد صفح القلب. وهو قوله تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ)[96] ومصدره عالم سدرة المنتهى، اذ اليها تنتهى علوم الخلائق، فيرد بمواهب الافعال، وهو علم اليقين.
روح القدس: مورده باطن القلب، وهو السويداء. وهو محل النفث. واليه أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: إِن الروح القدس نفث فى روعى. والنفث: ما يلقيه الله تعالى الى عبده إِلهاما كشفيا، بمشاهدة عين اليقين، ومصدره عالم العرش بحقائق الاشياء.
روح الامر: مورده السر، وهو باطن السويداء. ومصدره عين القدرة المطلقة الربانية، والحضرة الواحدية، فيرد بتجليات أنوار الصفات، وهى حقيقة حق اليقين.
فالروح الامين: ينطق عن عالم الملك – وروح القدس: ينطق عن عالم الملكوت وروح الأمر ينطق عن عالم الجبروت.
والروح الامين إِذا تجلى لصفح القلب اصطلم وغاب غيبة الهيمنة .. ومن هنا قال الرسول صلى الله عليه وسلم زملونى زملونى.
ورح القدس: إِذا استولى على القلب غاب غيبة الحضور، بمشاهدة العلويات الملكوتية .. ومن هنا قال صلى الله عليه وسلم لست كأحدكم، انى أظل عند ربى يطعمنى ويسقينى ثم يرجع عن غيبة الحضور، فيثبت ما شاهد من عالم الملكوت فى عالم الملك. وهو معنى قوله تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[97].
  ومن هنا اشارة: انه ليغان على قلبى .. فليس ذلك الغين حجاب، ولا عقله، وانما كان صلى الله عليه وسلم تستغرقه أنوار التجليات، فيغيب بذلك الحضور، ثم يسأل الله تعالى أن يستر عليه حاله . فيطلب المغفرة، وهى الستر .. فكأنه يسأل ستر حاله عليه، غيرة منه عليه، لأن الخواص لو دام لهم التجلى، وما يكاشفهم به ، لتلاشوا عند ظهور سلطان الحقيقة .. فالستر لهم هناك رحمة، وأما الستر للعوام فعقوبة، لأنه حجاب لهم، وغطاء على أعين بصائرهم. فهم مستورون عنه بغيره. ولكن الخواص مستورون به عما سواه.
    أما روح الأمر: إِذا استولى على القلب أخذه منه وغيبه عنه، حتى ينظر الحقائق الربانية  فى دار الفردانية. ومن هنا يظهر سر قوله صلى الله عليه وسلم : لى وقت لا يسعنى فيه غير ربى .. فروح القدس معلق من روح الأمر، والروح الامين معلق من روح القدس، وهو سر قوله تعالى: (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا)[98].
     فلو لم يكن مبلغا من غير جبريل، لما كان يسابق جبريل فى تلاوته .. فشتان بين يوم (يا محمد إِقرأ) وهو يقول (لست بقارىء) ثم يرجع إِلى خديجة رضى الله عنها قائلا لها(زملونى) إِشارة إِلى البداية الوحيية .. ويوم (لا تعجل) إِشارة إِلى النهاية الكشفية .. ونظير ذلك لأهل البدايات : قوله تعالى (الذين اذا ذكر الله وجلت قلوبهم)[99] ، أى انزعجت وخافت، وهذه صفة أهل البداية .. أما أهل النهاية فصفتهم التمكين والثبوت والطمأنينة (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)[100]
      ثمرة الوارد هى: هدم العوائد، واكتساب الفوائد، والتخلية عن الرزائل، والتحلية بالفضائل .. فالغرض منه التخلص من رق الشهوات الجسمانية، والعوائد النفسية، والخروج من سجن الاكوان، والترقى إِلى فضاء الشهود.
     فليس المراد من الحال فرحة وخفته وشطحته، انما المراد منه ثمرته .. فكما قلنا سابقا إِن الوارد كسحابة الامطار، فليس المراد منها وجود الامطار، وإِنما المراد ما ينشأ من وجود الاثمار.)[101].
   وإليك ما تزيد به اطمئنانا ويصير شكك إن شاء الله  يقينا وعلى لسان علماء هم السبب في ظهور هؤلاء المنكرين المولعين بالتبديع والتكفير والتفسيق للأمة نعوذ بالله من سيمة الخوارج  وهم السبب في هتك أستار الأدب وجرأة أتباعهم ومن يدعي الإنتماء إليهم على الصلحاء والعلماء فلم ينجوا منهم ومن ألسنتهم أحد حتى فشا ذلك بينهم وتمرد التلميذ على أستاذه والمبتديء على شيخه وظهر فيهم نفي هذه الكرامة لقساوة قلوبهم ولما رأوه في أنفسهم من عدم وجد شيء منها  ولا أستشهد بكلامهم على أنهم المرجع ولكن لتنبيه أتباعهم أو من يميل إليهم للإستيقاظ والرجوع إلى ركب السواد الأعظم من الامة الأشاعرة و أصحاب المذاهب الأربعة وأهل الحق العارفون بالله السادة الصوفية وإن كان كلامهم في هذا المجال مما جادت به كتب الصوفية لايعدوه فأقول:
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى : ومن أصول أهل السنة التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات وأنواع القدرة والتأثيرات.
    وقال إبن أبي العز الحنفي في شرحه للعقيدة الطحاوية : (ومما ينبغي التنبيه عليه ههنا أن الفراسة ثلاثة أنواع : إيمانية وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده وحقيقتها أنها خاطر يهجم على القلب يثب عليه كوثوب الأسد على الفريسة ومنها اشتقاقها وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيمانا فهو أحد فراسة قال أبو سليمان الداراني رحمه الله الفراسة مكاشفة النفس ومعاينة الغيب وهي من مقامات الإيمان)[102].إهـ
وقال إبن القيم في كتابه الروح : ((أما الفراسة فأثنى على أهلها ومدحهم في قوله تعالى(إن في ذلك لآيات للمتوسمين) قال إبن عباس رضي الله عنهما وغيره أي للمتفرسين وقال تعالى ( يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم) وقال تعالى ) ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول) فالفراسة الصادقة لقلب قد تطهر وتصفى وتنزه من الأدناس وقرب من الله فهو ينظر بنور الله الذي جعله في قلبه، وفي الترمذي وغيره من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله ) وهذه الفراسة نشأت له من قربه من الله فإن القلب إذا قرب من الله انقطعت عنه معارضات السوء المانعة من معرفة الحق وإدراكه وكان تلقيه من مشكاة قريبة من الله بحسب قربه منه وأضاء له النور بقدر قربه فرأى في ذلك النور مالم يره البعيد والمحجوب كما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يروي عن ربه عز وجل أنه قال:{ ماتقرب إلي عبدي بمثل ما افترضته عليه ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها فبي يسمع وبي يبصر وبي يبطش وبي يمشي. } فأخبر سبحانه أن تقرب عبده منه يفيده محبته له فإذا أحبه قرب من سمعه وبصره ويده ورجله فسمع به وأبصر به وبطش به ومشى به فصار قلبه كالمرآة الصافية تبدو فيها صور الحقائق على ماهي عليه فإذا سمع بالله سمعه على ما هو عليه وليس هذا من علم الغيب بل علام الغيوب قذف الحق في قلب قريب مستبشر بنوره غير مشغول بنقوش الأباطيل والخيالات والوساوس التي تمنعه من حصول صور الحقائق فيه ،وإذا غلب على القلب النور فاض على الأركان وبادر من القلب إلى العين فكشف بعين بصره بحسب ذلك النور،وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى أصحابه في الصلاة وهم خلفه كما يراهم أمامه ورأى بيت المقدس عيانا وهو بمكة ورأى قصور الشام وأبواب صنعاء ومدائن كسرى وهو بالمدينة يحفر الخندق ورأى أمراءه بمؤتة وقد أصيبوا وهو بالمدينة ورأى النجاشي بالحبشة لما مات وهو بالمدينة فخرج إلى المصلى فصلى عليه ، ورأى عمربن الخطاب  سارية بنهاوند من أرض فارس هو وعساكرالمسلمين وهم يقاتلون عدوهم فناداه ياسارية الجبلَ........ وقيل إن الشافعي ومحمد بن الحسن جلسا في المسجد الحرام فدخل رجل فقال محمد أتفرس أنه نجار فقال الشافعي أتفرس أنه حداد فسألاه فقال كنت حدادا وأنا اليوم أنجر......وكان بين زكريا النخشي وبين امرأة سبب قبل توبته فكان يوما واقفا على رأس أبي عثمان الخيري فتفكر في شأنها فرفع أبو عثمان إليه رأسه وقال ألاتستحي........وقال أبو سعيد الخراز دخلت المسجد الحرام فدخل فقير عليه خرقتان يسأل شيئاً فقلت في نفسي مثل هذا كَلٌ على الناس فنظر إليَ وقال {اعلموا أن الله يعلم مافي أنفسكم فاحذروه} قال فستغفرت في سري فناداني وقال {وهو الذي يقبل التوبة عن عباده}......فهذا شأن الفراسة وهي نور يقذفه الله في القلب فيخطر له الشيء فيكون كما خطر له وينفذ إلى العين فيرى مالايراه غيرها))[103].إهـ
وقال ابن تيمية في كتابه حجاب المرأة ولباسها في الصلاة تحقيق الألباني ص46 : وأما الفائدة الثانية من غض البصر فهو يورث نور القلب والفراسة إلى أن قال وكان شاه بن شجاع الكرماني لاتخطيء له فراسة وكان يقول من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وغض بصره عن المحارم وكف نفسه عن الشهوات وذكر خصلة سادسة أظنه هو أكل الحلال لم تخطيء له فراسة والله تعالى يجزي العبد على عمله بما هو من جنس عمله فيطلق نور بصيرته ويفتح عليه باب العلم والمعرفة والكشوف ونحو ذلك مما ينال ببصيرة القلب[104] إهـ
ولنعد إلى إبن القيم الجوزية: (والفراسة ثلاثة أنواع : إيمانية وهي المتكلم فيها في هذه المنزلة وسببها نور يقذفه الله في قلب عبده يفرق به بين الحق والباطل والحالي والعاطل والصادق والكاذب .....وهذه الفراسة على حسب قوة الإيمان فمن كان أقوى إيماناً فهو أحدُ فراسة ً ، إلى أن قال وكان الصديق رضي الله عنه أعظم الأمة فراسة وبعده عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ووقائع فراسته مشهورة إلى أن قال وكذلك عثمان بن عفان رضي الله عنه صادق الفراسة إلى أن قال وفراسة الصحابة رضي الله عنهم أصدق الفراسة وأصل هذا النوع من الفراسة من الحياة والنور اللذين يهبهما الله تعالى لمن يشاء من عباده فيحيا القلب بذلك ويستنير فلاتكاد فراسته تخطيءْ إلى أن قال ولقد شاهدت من فراسة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أمورا عجيبة ومالم أشاهده منها أعظم وأعظم ووقائع فراسته تستدعي سفراً ضخماً . إلى أن قال ثم أخبر الناس والأمراء سنة اثنتين وسبعمائة لما تحرك التتار وقصدوا الشام أن الدائرة والهزيمة عليهم وأن الظفر والنصر للمسلمين وأقسم على ذلك أكثر من سبعين يمينا فيقال له قل إن شاء الله فيقول إن شاء الله تحقيقا لاتعليقا وسمعته يقول ذلك قال فلما أكثروا علي قلت لاتكثروا كتب الله تعالى في اللوح المحفوظ أنهم مهزومون في هذه الكرة وأن النصر لجيوش الإسلام قال وأطعمت بعض الأمراء والعسكر حلاوة النصر قبل خروجهم إلى لقاء العدو.إلى أن قال وقال مرة أي ابن تيمية يدخل علي أصحابي وغيرهم فأرى في وجوههم وأعينهم أمورا لاأذكرها لهم ........  وقلت له يوما لو عاملتنا بذلك لكان أدعى إلى الإستقامة والصلاح فقال لا تصبرون معي على ذلك جمعة أو قال شهرا.إهـ وفي الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للبزار:الفصل التاسع  في ذكر بعض كراماته وفراسته : أخبرني غير واحد من الثقات ببعض ما شاهده من كراماته وأنا أذكر بعضها على سبيل الاختصار وأبدأ من ذلك ببعض ما شاهدته  فمنها اثنين جرى بيني وبين بعض الفضلاء منازعة في عدة مسائل وطال كلامنا فيها وجعلنا نقطع الكلام في كل مسألة بأن نرجع الى الشيخ وما يرجحه من القول فيها  ثم أن الشيخ رضي الله عنه حضر فلما هممنا بسؤاله عن ذلك سبقنا هو وشرع يذكر لنا مسألة مسألة كما كنا فيه وجعل يذكر غالب ما أوردناه في كل مسأله ويذكر اقوال العلماء ثم يرجح منها ما يرجحه الدليل حتى أتى على آخر ما أردنا ان نسأله عنه وبين لنا ما قصدنا أن نستعلمه منه فبقيت أناوصاحبي ومن حضرنا أولا مبهوتين متعجبين مما كاشفنا به وأظهره الله عليه مما كان في خواطرنا .....إلى أن قال وحدثني من أثق به ان الشيخ رضي الله عنه أخبر عن بعض القضاة انه قد مضى متوجها الى مصر المحروسة ليقلد القضاء وأنه سمعه يقول حال ما اصل الى البلد قاضيا احكم بقتل فلان رجل معين من فضلاء اهل العلم والدين قد أجمع الناس على علمه وزهده وورعه ولكن حصل في قلب القاضي منه من الشحناء والعداوة ما صوب له الحكم بقتله فعظم ذلك على من سمعه خوفا من وقوع ما عزم عليه من القتل لمثل هذا الرجل الصالح وحذرا على القاضي ان يوقعه الهوى والشيطان في ذلك فيلقى الله متلبسا بدم حرام وفتك بمسلم معصوم الدم بيقين وكرهوا وقوع مثل ذلك لما فيه من عظيم المفاسد فأبلغ الشيخ رضي الله عنه هذا الخبر بصفته  فقال إن الله لا يمكنه مما قصد ولا يصل الى مصر حيا فبقى بين القاضي وبين مصر قدر يسير وأدركه الموت فمات قبل وصولها كما اجرى الله تعالى على لسان الشيخ رضي الله عنه)[105] .إهـ
     وإذا ما نظرنا إلى كلام إبن تيمية هذا نجده عين ما يكفر به أتباعه الصوفية ويبدعونهم وهو شيخ الإسلام عندهم كأن لسان حالهم يقول حلال لإبن تيمية حرام وبدعة وكفرفي حق الصوفية . ففي مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين سئل عن حكم من يدعي علم الغيب ؟ فأجاب بقوله:الحكم فيمن يدعي علم الغيب أنه كافر.إهـ  ومما تفطنت إليه وتتبعته وأنا أطالع مجموعه هذا ووقفت عليه أنه ذكرإبن تيمية بلقب شيخ الإسلام أزيد من 478 مرة . ويقول أبو بكر الجزائري في كتابه الإنصاف فيما قيل في المولد من الغلو والإجحاف : مثال البدعة الإعتقادية : واعتقاد أن الأولياء يعلمون الغيب ينظرون في اللوح المحفوظ .إهـ  وفي فتاوى مهمة لعموم الأمة نقلا من مجموع فتاوى ابن بازقوله : واعتقاد أنه{صلى الله عليه وسلم } يعلم الغيب ونحو ذلك من الأمور الكفرية التي يتعاطها الكثير من الناس. إهـ   و في مجموع فتاوى عبد العزيز بن بازقال : من إدعى علم الغيب فهو كافر نسأل الله العافية.إهـ وفي فتاوى الشيخ ابن جبرين :ما حكم من ادعى الغيب؟ فأجاب:من ادعى علم الغيب فهو كاهن أو ساحر أو طاغوت، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله، لقوله تعالى )):و عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو))[106] و المراد بالغيب: علم ما يكون في الأزمنة القادمة، و علم الآجال و الأعمار، و نحو ذلك.إهـ وفي المنتقى من فتاوى الفوزان :فمن ادعى أنه يعلم الغيب فهو طاغوت لأن الغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.إهـ
    وقال ابن الجوزية أيضا في نفس الكتاب مدارج السالكين: (ولايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويديه التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه ، فأطيب الحياة على الإطلاق حياة هذا العبد فإنه محب محبوب متقرب إلى ربه وربه قريب منه قد صار له حبيبه لفرط استيلائه على قلبه ولهجه بذكره وعكوف همته على مرضاته بمنزلة سمعه وبصره ويده ورجله وهذه آلات إدراكه وعمله وسعيه فإن سمع سمع بحبيبه وإن أبصر أبصر به وإن بطش بطش به وإن مشى مشى به فإن صعب عليك فهم هذا المعنى وكون المحب الكامل المحبة يسمع ويبصر ويبطش ويمشي بمحبوبه وذاته غائبة عنه فاضرب عنه صفحا وخل هذا الشأن لأهله[107].إهــ
    وذكر القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن عند قوله تعالى {إن في ذلك لآيات للمتوسمين}:روي عن الشافعي ومحمد بن الحسن أنهما كانا بفناء الكعبة ورجل على باب المسجد فقال أحدهما : أراه نجارا وقال الآخر : بل حدادا فتبادر من حضر إلى الرجل فسأله فقال : كنت نجارا وأنا اليوم حداد وروي عن جندب بن عبد الله البجلي أنه أتى على رجل يقرأ القرآن فوقف فقال : من سمع سمع الله به ومن راءى راءى الله به فقلنا له : كأنك عرضت بهذا الرجل فقال : إن هذا يقرأ عليك القرآن اليوم ويخرج غدا حروريا فكان رأس الحرورية واسمه مرداس وروي عن الحسن البصري أنه دخل عليه عمرو بن عبيد فقال : هذا سيد فتيان البصرة إن لم يحدث فكان من أمره من القدر ما كان حتى هجره عامة إخوانه وقال لأيوب : هذا سيد فتيان أهل البصرة ولم يستثن وروى عن الشعبي أنه قال لداود الأزدي وهو يماريه : إنك لا تموت حتى تكوى في رأسك وكان كذلك وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه قوم من مذحج فيهم الأشتر فصعد فيه النظر وصوبه وقال : أيهم هذا ؟ قالوا : مالك بن الحارث فقال : ما له قاتله الله ! إني لأرى للمسلمين منه يوما عصيبا فكان منه في الفتنة ما كان وروي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه : أن أنس بن مالك دخل عليه وكان قد مر بالسوق فنظر إلى امرأة فلما نظر إليه قال عثمان : يدخل أحدكم علي وفي عينيه أثر الزني ! فقال له أنس : أوحيا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال لا ! ولكن برهان وفراسة وصدق ومثله كثير من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين)[108].إهـ 
    قال الألوسي في تفسيره : والذي صح عن الشافعي في أمر النجوم أنه كان يعرف ما كانت العرب تعرفه من علم المنازل والإهتداء بالنجوم في الطرقات وأما غير ذلك من الأحكام التي يزعمها المنجمون فلا وكان رضي الله تعالى عنه شديد الإنكار على المتكلمين مزريا بهم حكمه فيهم أن يضربوا بالجريد ويطاف بهم في القبائل فما تراه في المنجمين الذين شاع هذيانهم وقبح عند ذوي العقول السليمة شأنهم نعم كانت له رضي الله تعالى عنه اليد الطولى في علم الفراسة[109].إهـ 
    فالنظر بنور الله والإطلاع على بعض غيبه بإذنه  أمر جائز الوقوع وهو عطية ربانية يكرم الله بها عباده الصالحين الذين تمسكو بدينهم وحفظو جوارحهم وهذبو نفوسهم. فلا تغتر أخي الكريم بمن يجعل نفسه ميزانا يقيس به غيره فإنها لاتقاس القلوب الصافية المصقولة بالقلوب القاسية المكدرة.



[1] سورة النملالآية. 62
[2] صحيح البخارى 4981
[3] راجع: سعد الدين التفتازانى، شرح المقاصد، تحقيق عبد الرحمن عميرة، بيروت، عالم الكتب، 5/11.
[4] انظر: القاموس المحيط، باب الزاي، فصل العين، ص 663 .
[5] انظر: مناهل العرفان في علوم القرآن للزرقاني 1/66، والمعجم الوسيط، مادة: عجز 2/585، والإرشاد إلى صحيح الاعتقاد، للدكتور صالح الفوزان 2/157 .
[6] القاضي عبد الجبار، شرح الأصول الخمسة، القاهرة، مكتبة وهبه، 1996، ص 569.
[7] راجع: أبي المعين النسفي، تبصرة الأدلة في أصول الدين، تحقيق كلود سلامة، دمشق، المعهد العلمي الفرنسي للدراسات العربية، 1990، 1/469.
[8] راجع: سعد الدين التفتازانى، مصدر سابق، 5/11.
[9] تبسيط العقائد الإسلامية - حسن أيوب
[10] انظر : معجم مقاييس اللغة (كرم) .
[11] انظر : القاموس المحيط (كرم)
[12] انظر : لسان العرب ، مادة (كرم) .
 [13]  سورة الكهف الآية : 17
[14] انظر : النبوات ، ص 15 ، وقاعدة في المعجزات والكرامات ، ص 7 .
[15] تعريف مقتبس من كتاب : تقديس الأشخاص ، محمد أحمد لوح ، 2/ 278 ، 288
[16] انظر : الموافقات للشاطبي : 2/278 .
[17] انظر : النبوات ، ص 18 ، 19 ، وشرح الواسطية ، لهراس ، 168 ، والفتاوى ، 11/274 .
[18] كتاب الوجيز في عقيدة السلف الصالح - عبد الله بن عبد الحميد الأثري
[19] سورة البقرة الآية: 222
[20] سورة البقرة الآية: 195
[21] سورة يونس الآية: 63 ــ 62
[22] سورة البقرة:177
[23] كتاب "التنبيهات اللطيفة فيما احتوت عليه الواسطية من المباحث المنيفة" لعبد الرحمن ناصر السعدي
[24] تهذيب اللغة 4/ 290 - الأزهري
[25]سورة  المؤمنين آية 89
[26] لسان العرب ج2 ص. 106- ابن منظور.
[27] انظر لسان العرب مادة سحر ج2 ص.106- 107، القاموس المحيط ج2 ص45.
[28] مقدمة ابن خلدون – 498 – ابن خلدون
[29] أضواء البيان ج4 ص، 444.
[30] أحكام القرآن له ج1 ص50.
[31] الكافي ج4 ص164 وانظر تيسير العزيز الحميد ص 333.
[32] السحر بين الحقيقة والوهم ص 38
[33] النبوات ، ص 4 .
[34] كما فعل ابن تيمية - رحمه الله - ، انظر : موقف ابن تيمية من التصوف ، د أحمد بناني ، 232 .
[35] انظر : الموافقات : 2/272 والنبوات ، ص 20 .
[36] تفسير ابن كثير ، قاعدة في المعجزات والكرامات .
[37] سير أعلام النبلاء ، 13 ، 88 ، والحلية : 10/40 .
[38] الشعراء : 221 ، 222
[39] انظر : النبوات ، ص 20 23 .
[40] انظر : تقديس الأشخاص ، 2/283 .
[41] انظر : السابق ، 2/283 ، والفتاوى ، 11/295 .
[42] انظر : تقديس الأشخاص ، محمد أحمد لوح ، ص 285 .
[43] كتاب الإرشاد ص 267 - إمام الحرمين أبو المعالي الجويني 
[44] المحصل - الإمام فخر الدين الرازي
[45] نشر المحاسن. الإمام أبو محمد اليافعي
[46] روض الرياحين - الإمام اليافعي
[47] سورة النمل: الايات38-40.
[48] صحيح البخاري
[49] مسند احمد - صحيح البخاري
[50] مسند ابى يعلى الموصلى رقم الحديث: 6254
[51] صحيح البخاري
[52] صحيح مسلم (4 / 1864).
[53] سورة النجم آية 9.
[54] سورة العنكبوت43
[55]سورة البقرة255
[56] كتاب مرآة المحاسن ص254.255.256.257.بتصرف - الأمام ابي حامد محمد العربي ابن يوسف الفاسي الفهري
[57] [الشمس : 8]
[58] معجم مقاييس اللغة ، لابن فارس ، مادة (لهم) ، 5/217 .
[59] المعجم الوسيط ، لعدة مؤلفين ، مادة (لهم) 2/742 .
[60] مدارج السالكين ، 3/233 .
[61] رواه البخاري ، ح/3689 .
[62] رواه البخاري ، ح/6990 .
[63] ابن تيمية ، في الفتاوى ، 13/74 ، وانظر : الموافقات : 2/272 .
[64] أخرجه البخاري ، ح/6925 والعناق : الأنثى من ولد المعز وهي السخلة .
[65] سورةالتحريم الآية : 5
[66] رواه البخاري ، ح/4483 .
[67] انظر : المعجم الوسيط ، مادة (فرس) ، 2/681 .
[68] مدارج السالكين ، 2/504 .
[69] انظر : السابق ، 2/515 .
[70] الروح لابن القيم ، ص 532 .
[71] سورةالحجر الآية : 75
[72] انظر : الطرق الحكمية ، لابن القيم : 32 ، 33 ، 37 .
[73] الروح ، لابن القيم ، ص 532 537 ، وانظر : هذه الأمثلة وغيرها كثير في : الطرق الحكمية ، ص 33 وما بعدها .
[74] كتاب جامع أصول الأولياء - الشيخ أحمد ضياء الدين النقشبندي  
[75] البرهان الجلي في تحقيق انتساب الصوفية إلى علي ص 59 , 64 - الشيخ أحمد الصديق الغماري
[76] خاتم الاولياء - الامام الحكيم الترمذي
[77] مدارج السالكين 3 / 382- ابن القيم الجوزية.
[78] المستدرك على الصحيحين للحاكم - (ج 10 / ص 442).
[79] سنن الترمذي – ج12 ص186
[80] سورة البقرة : 269
[81] فيض القدير - (ج 3 / ص 60.
[82] علي بن أبي طالب إمام العارفين ص75 - الشيخ أحمد الصديق الغماري.
[83] إيقاظ الهمم بشرح الحكم - أبو العباس احمد بن عجيبة
[84] المنقذ من الضلال ص70.  ابو حامد الغزالى
[85] المصدر السابق ص57
[86] طريق الهجرتين ص 264 - ابن القيم الجوزية.
[87] مدارج السالكين ج 3 ص 268 - ابن القيم الجوزية
[88] (سورة الحج، الآية: 44).
[89] مدارج السالكين ج 3 ص 246.- ابن القيم الجوزية
[90] المصدر السابق ص 248.
[91] طريق الهجرتين ص 206  - ابن القيم الجوزية
[92] الفتح الرباني ص 48 – الشيخ عبد القادر الجيلانى
[93] المصدر السابق ص 182-183
[94] الفتح الرباني ص 254.- الشيخ عبد القادر الجيلانى
[95] سورة النجم11
[96]سورة الشعراء193-194
[97]سورة النحل102
[98] سورة طه 114
[99] سورة الانفال2
[100]سورة الرعد28.
[101] كتاب مذاقات فى عالم التصوف - الدكتور حسن عباس زكى
[102] شرح العقيدة الطحاوية ص431 - إبن أبي العز الحنفي
[103] كتاب الروح ص267- إبن القيم الجوزية
[104] حجاب المرأة ولباسها في الصلاة تحقيق الألباني ص46 - ابن تيمية
[105] مدارج السالكين ج2 ص389- إبن القيم الجوزية
[106] سورة الأنعام الآية:59.
[107] مدارج السالكين - إبن القيم الجوزية
[108] الجامع لأحكام القرآن - القرطبي
[109] تفسير- الألوسي

ليست هناك تعليقات: